بعد آلاف السنين من انهيارها، عادت مدينة إسبرطة اليونانية القديمة إلى عناوين الأخبار، كنموذج صالح للمقارنة مع إسرائيل 2024، من حيث هي مثال يحتذى أو يخشى منه، بما تجسده من عسكرة وتمجيد للدم مهما كلف الثمن، وكذلك بتعريفها للتماسك الوطني والسلطة بأنها معاداة للإنسانية لا تتحقق إلا بحرب لا نهاية لها.
بهذه المقدمة انطلق الكاتب يوآف رينون في تقريره بصحيفة هآرتس في مقارنة بين إسرائيل واليونان القديمة، معتبرا أن مثال إسبرطة بما تجسده من نزعة عسكرية جامحة، لا ينطبق تماما على إسرائيل، بل إن المثال الأقرب إليها هو أثينا بنزعتها الإمبراطورية التي أعلنت عنها صراحة.
ومن السمات البارزة لأثينا أثناء فترة الحرب أزمة الزعامة، حيث كان الزعيم الأثيني بريكليس يعمل على أساس رؤية سياسية محددة، ويميز بين مصلحته الشخصية ومصلحة الدولة، إلى أن اغتصب مكانته الديماغوجيون الذين حوّلوا رؤيتهم الخاصة لنجاحهم الشخصي إلى رؤية عامة، وإن لم يعلنوا “أنا الدولة” لأن دولتهم كانت تقوم على الديمقراطية، ولكنهم تصرفوا على ضوء هذا المبدأ التوجيهي، يوضح الكاتب.
وكان ألكيبياديس من ديماغوجيا بارزا -يضيف رينون- يشترك في العديد من السمات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن هناك فرقا كبيرا بين الرجلين، إذ كان ألكيبياديس واحدا من أكثر القادة والعسكريين موهبة في عصره، وهو ما لا يمكن أن يقال عن نتنياهو.
ورغم أن نتنياهو يتمتع بالكاريزما مثل ألكيبياديس، فإن جاذبيته لا تستند إلى أي محتوى جوهري خلافا للأثيني، بل هي كاريزما نرجسية جوفاء، لا يوجد خلفها سوى فراغ -كما يقول الكاتب- فلا إيمان بالسلام ولا أمن ولا اقتصاد ولا شيء.
بل كل ما هو موجود هو نتنياهو نفسه، وقد وُصِف بأنه “ساحر”، وهو كذلك بالفعل، ولكنه يذكرنا بساحر أوز الزائف الذي نجح في تسويق نفسه على أنه ساحر، ولكن هذا الرجل يشبه عناوين الصحف الشعبية التي لا شيء وراءها.
وكان ألكيبياديس هو الذي دفع أثينا، في خضم الحرب مع إسبرطة، إلى فتح جبهة إضافية خارج اليونان في صقلية، وكانت النتيجة تشكيل اتحاد غير عادي بين دول المدن في صقلية وإسبرطة، وانتهت الحملة بهزيمة أثينا في الحرب وخسارة الإمبراطورية التي كانت تمتلكها ذات يوم.
ويضيف الكاتب أنه بعد أن كانت أثينا تعتبر المحرر لكل اليونان من التهديد الفارسي، أصبح ينظر إليها بسبب بحروبها الداخلية باعتبارها وكيلا للطغيان يهدف إلى إخضاع اليونان كلها، وبدأت إسبرطة تدريجيا في تولي دور ممثل الحرية، كمحرر مستقبلي لليونان من نير أثينا.
وعلى الرغم من بعض أوجه التشابه بين هذا الوضع وإسرائيل اليوم -كما يقول الكاتب- فهناك أيضا فرق رئيسي، وهو أن القرن الخامس قبل الميلاد كان قرن السفسطائيين، وهم خبراء فن الإقناع، ومن مبادئهم الأساسية “المعقولية”، وكان على المرء، لإقناع الجمعية العامة المسؤولة عن اتخاذ القرارات السياسية، عرض قضيته بحجج عقلانية تستند إلى تقييم واقعي للموقف.
وتابع رينون أنه عندما أقنع ألكيبياديس الأثينيين بالذهاب إلى الحرب مع صقلية تقدم بحجج عقلانية واستند إلى الحقائق ومسار الأحداث الفعلي، أما إسرائيل اليوم، تحت قيادة نتنياهو، فلا تقودها الحقائق بل الأكاذيب، والمبدأ التوجيهي المركزي الأساسي هو الاعتبارات المسيحانية، وبالتالي غير العقلانية، فالمسيحانية لها عقلانية ومنطق غير عقلاني على الإطلاق، إنه منطق مجنون.
وإذا تكرر التاريخ، كما تنبأ ثوسيديدس، فإن مصير أثينا واليونان ينبئان بما سيحل بإسرائيل والمنطقة بأسرها، وقد أدت نهاية الحرب التي مرت منذ قرون إلى نهاية الديمقراطية في أثينا، وإلى بداية حكم الطغيان الذي استلزم ذبح العديد من مواطني أثينا الديمقراطيين، ودفع أكبر عدد منهم إلى ارتكاب أعمال إجرامية.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم