عبد الغني طليس
إمّا أن نجوم الغناء وبقية الفنون، لديهم عقل، ويستعملونه، خلال مقابلاتهم تحديداً، فلا يتجاوزون المنطق، ولا يخرّبون على أنفسِهم، ولا يركُلون جمهورهم «النايم على وْدانُه»، وإمّا أنهم بلا عقل رادع، ولا انتباه قاطع، فيشطحون باتجاه تأليه الذات، وتعظيم الأنا، وتبخير مواهبهم الخاصة كأنها مُنزَلة من سابع سماء.
تقول المغنّية أصالة: «أنا عايشة متـوحّدة مع نفسي. ما بحب غير أغنياتي، ولا بحب حدَا أكتر مني، ولا بسمع حدَا بالعالم قد ما بسمع صولا» (أي أصالة). وتكمل في إحساس من الشوفينية: «بِنْطِرِبْلي كتير ( أطرَب لنفسي) وبنبسِط كتير وقت بسمعني» (أي أشعر بالسعادة عندما أسمع أغنياتي بصوتي)!
عمْداً، «فسّرتُ» معنى بعض الجُمل، لكي يتوضّح للجمهور العربي الذي لا يعرف معنى بعض الكلمات الشامية، ما هي حقيقة هذا النوع من المشاعر «العدوانية» من أصالة تجاه ذاتها… قبل أي أحد آخَر.
هذا شعور كذّاب، يخالجُ بعض الفنانين أحياناً قليلة، خصوصاً فور الانتهاء من العمل الفني الذي بين أيديهم (ككلمات أغنية أو لحن أو ألبوم أو مسرحية…) إذا كان العمل جميلاً. لكنّه شعور لا يدوم إلا حفنةَ أيام. إطلاقاً، لا يدوم، ولا يتحوّل إلى فكرة ثابتة.
أما إذا «دامَ» و«دامَ» وسمَح الفنان لنفسه أن يُعلن «دَوَامَهُ» ويتباهى به، فالمعنى الواضح هو أنّه نرجسي، مُعجب بصورته على الماء، وحتى الصورة على الماء لا تدوم كما هي، بل تتغير حسب التموّجات.
لست أدري ما دوافع هذا الكلام التقديسيّ الأرعن الناتج من «هَبَل» عميق بالذات وما يصدر عنها؟ «هَبَل» موضوعي وأخلاقي، يعيش صاحبُهُ في برج عاجي بناه لصوته، ولم يعد في حاجة إلى ميزان يَزِن عبره ما يجري. بل يصبح في حاجة إلى مَن «يدفشُه» ويُلقيه أرضاً ليستفيق من الإعجاب بما يفعلُه. صاحبُ هذه الأفكار الرّخوة، يمارس السُّكْرَ الإيحائي الشخصي، لإثبات حضوره، وكاريزماه، وتأثيره.
سُكْرٌ هو دفاع عن الذات أكثر من أي دافع آخَر، وعلمُ النفس يقول إنه ناجمٌ عن أفكار سلبية تضرب الفنان في مرحلة من العمر، بأنه يتراجع أو ينحسر بريقُه أو يتهدّد موقعه، فيلجأ إلى الدفاع الاستباقي الذي لا على بال الجمهور ولا على خاطره.
هذا عيب كبير يا أصالة. عيب بحقك كبني آدم، وبحق صوتك، وبحق محبّيك، ومادة للنقد السلبي، بل للقدح والذمّ في ما تقولين وتفعلين. ولا نطلب منك التواضع، فالتواضع عندك هو… هذا الإحساس الفوقي التافه. التواضع يعرف أهله ويعرفونه بامتياز!
وبصراحة أكبر: إن جراحات التجميل في الوجه التي «تُعيد» بعض النجوم إلى «صِباهُم»، باتت تؤثر بفظاظة على آرائهم بأنفسِهم، فيتوهّمون بالفعل أنهم عادوا شباباً وحتى مراهقين. وكما «عادت» وجوههم سنوات إلى الخلف مع إضافات «جمالية» صِناعية على أشكالهم، يعتبرون أن أوتار حناجرهم «عادت» هي الأُخرى إلى قديم واقعها… مع حبة مِسْك! والواقع هو غير ذلك تماماً.
كلامك، يا أصالة، دليل اتهام ضدّك، ويشبه مَقولَة «كاد المُريب أن يقول خذوني»!
مَرّة سألتُ صديقي عاصي الرحباني، كيف تنظر بعد هذا العمر الطويل، إلى تاريخ مسرحياتك وأعمالك الفنية وإبداعاتك الكبرى أنت ومنصور؟ أجابني: «كل مسرحية كنا نكتبها ونلحنها ونوزعها ونجسّدها على الخشبة، تصبح ليلة الافتتاح «شرشوحة»! سألته بتعجّب: لماذا؟ فقال: «كنا نشعر أن كل ما نفعله، بعد تنفيذه على المسرح، يأتي أقَل مما نريد، وليس على مستوى ما كنا نحلم ونفكّر ونعمل عليه… فنعود أنا ومنصور للبحث عن الأفضل».
هذا عاصي الرحباني، مش أصالة! وهكذا صُنعت الأعجوبة الرحبانية مع فيروز. فيروز، مش أصالة!وأعتذر سلفاً، إليك وإلى قرّاء مقالتي هذه، من ذِكْر الحقيقة العِلمية التالية التي تحدّث عنها فرويد.
يقول فرويد: «العمل الفني بين يديّ صاحبه يشبه العمليّة الجنسية بين شخصين، فخلال الجنس تكون المشاعر والأفكار والأعصاب متوثّبة ومُستنفرة، وفيها جمَالات كثيرة، ولكن كل ذلك ينتهي بحصول النشوة… فتنتهي تلك الحالة، ليبدأ البحث عن شيء آخَر في العلاقة ذاتها.
لا النوم على حرير ما جرَى وتكراره آليّاً»، فالفنون متطلّبة، وطالبُها لا يشبع، فإذا شبِعَ واقتنعَ، ولم يهتمّ بالآخَر الشريك (يُفتَرَض في حالتك هو الجمهور والنجوم مثلك) فبات يعتبر نفسَه مكتفياً بذاته (حسب تصريحك) غاب عنه الإبداع، وانتقل إلى الغزل… بالذكريات!
وهذا فرويد، مش عبد الغني طليس!
فيا صُولا، يا روحي ويا عَيني، ويا ذات الصوت الذي امتدحناه مرات وانتقدناه مرّات بناءً على ما قدّمْتِهِ إيجاباً وسلباً من الأغاني، لا تلعبي مع نفسك لعبة الإعجاب الفضفاض المُهيمِن بالذات البشرية الضعيفة، كي لا تصبحي مَضحَكةَ مَن هم أقل منك بكثير، فكيف إذا كانوا أهمّ منك بكثير. إنها فِتنة نفسية شخصية تتحرك بعوامل الخوف من المستقبل، وتؤدي بصاحبِها إلى الهلاك المحتّم، هذا إذا كان موهوباً، ولكنْ لا يعرف حجمَه، ويريد أن يدلّ الناس الذين ليسوا في حاجة إلى مَن يدلّهم، إلى موقعه «الموهوم». فِتنة، والفِتنة نائمة، لعنَ الله مَن أيقظَها في النفس الإنسانية، وفي المجتمع، وحتى في العلاقة مع الله!
فهل انتقل إليكِ يا أصالة، أسلوب تفكير «زعماء» العرب الذين يكرّسون مبدأ «أنا… و لا أحَد غيري»، ويتصرّفون بِوَحْيه؟
وهل كلامكِ الفارغ هذا عن «تباديع» صوتك وأغانيك، اليوم بالذات، هو ردٌّ متأخّر على زياد الرحباني الذي انشغَل أخيراً العالَم العربي، بوفاته، عبر استعراض إرْثه الفني الكبير، حين قال عنك ساخراً مُتهكّماً: «صوتها بيقُصّ خبز»؟ أم أنه ردٌّ على نتائج إحصاء عربي أخير تفوّق فيه عدد جمهور أغنية الشامي على عدد جمهور أغنيتك؟
ما يَهُمنا، وربما لا تهتمين به أنتِ، هو ألّا «تَقُصّي» بمقَصّ جنون العظمة، عُمرَك، وشُهرَتك، عبر تصاريح تَقُصُّ مسمار العقل وترميه في سلّة المُهمَلات!
هل أصالة وَحْدَها تعتقد بهذه الترّهات عن صوتها ونجوميتها، دوناً عن نجوم آخرين؟ قطعاً لا، فهناك الكثُر. غير أن بعض الآخرين من النجوم، لا يتجرّأون على الخوض فيه. الخوضُ فيه يتطلّب انفلاتاً تاماً عن الواقع، وإطلاق المشاعر (والأفكار!) على عواهنها، والضرب عرض الحائط بكل «الفرامل» التي لم توجد عن عبث.
فإذا ضحِكت عليهم عيونهم الخادعة وصوّرت لهم اليابس أخضرَ، والحجر شَجرةً، والثريا بين اليدين، فليس معنى ذلك أنّهم يرون صحيحاً. الخطأ بل الخطيئة تكمن في العيون التي في الوجه، وتلك التي في العقل وهذه أفعل. فإذا افتقدها النجم، أو أي إنسان، سيغدو فوراً… أصالة!
بيروت غير متحمّسة لـ «صولا»
يشير بعض المصادر إلى احتمال تأجيل حفلة أصالة نصري، المقررة في 16 آب الحالي في «فوروم دو بيروت»، بسبب ضعف الإقبال على شراء التذاكر. ولم تتخذ بعد شركتا GMH وTMG، المنظّمتان للحفلة، قرار الإلغاء، على أن يصدر الموقف النهائي قريباً. يُذكر أن حفلة أصالة كانت قد تأجّلت في الصيف الماضي بسبب الحرب التي شنّها العدو الإسرائيلي على لبنان.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار