علي عبود
تحتل المشروعات الصغيرة أهمية كبيرة في اقتصادات جميع الدول لأنها تمتص البطالة وتزيد دخل شريحة كبيرة من المواطنين من جهة، وتساهم في زيادة النمو وتقليص المستوردات..الخ، من جهة أخرى.
وفي هذا السياق من المهم الإشارة إلى أن الأمم المتحدة تعمل بالتنسيق مع عدة شركات دولية في 54 دولة على دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة في غرب آسيا وجنوبها وأفريقيا والهدف: مكافحة الفقر.
وإذا كانت المشروعات المتوسطة منتشرة في بلدان متقدمة جدا كأمريكا، فإن المشروعات الصغيرة، وخاصة المتناهية الصغر ضرورية جدا للبدان التي تعاني من نقص في الموارد والإمكانيات، وبالتالي على حكومات الدول التي تريد الإعتماد على الذات رفع شعار: هذا وقت المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.
ماذا يعني هذا الشعار؟
لقد اعتمد الناس في البلدان النامية وخاصة العربية منها خلال العقود الماضية على الدولة لتأمين دخل يؤمن مايزيد عن احتياجاتهم الأساسية، وإذا كانت الدول الغنية قادرة على ترجمة هذا الإعتماد (الإتكالي) إلى رواتب ودخول عالية، فإن الدول الفقيرة أو محدودة الموارد عجزت عن ممارسة الدولة (الراعية) لمواطنيها لفترة طويلة، وعجزت بالتالي عن تأمين الحد الأدنى من متطلبات مواطنيها، فما العمل؟
من المؤسف إن مامن دولة عربية سواء أيام (الرخاء) أو الأزمات خلال العقود الماضية آمنت بشعار: هذا وقت المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر!
من الملفت ان دول كبرى كأمريكا توفر المناخ المغري لتشجيع (الفرد) على إقامة مشروعه الخاص، في حين إن مامن دولة في منطقتنا وفرت التشريعات والمحفزات التي تشجع الأٍسرة وليس (الفرد) على إقامة مشاريع خاصة تزيد دخلها وتخفف الضغط على خزينتها سواء كانت مشروعات الأسر صغيرة أو متناهية الصغر، والسؤال: لماذا تستخفّ الحكومات العربية بجدوى وفعالية المشاريع الأسرية التي تؤمن الدخل الكافي لحياة عزيزة وكريمة تغنيها عن (مال) الحكومات!؟
ومع أن تصريحات المسؤولين في الدول العربية على مختلف متدرجاتهم ومسمياتهم توحي بأهمية المشروعات الأسرية المدرّة للدخل الذاتي في الإقتصادات الوطنية، وتقليص فاتورة الإستيراد، وزيادة الصادرات..الخ، فإن أفعالهم تؤكد أنها آخر اهتماماتهم، فلا هم يصدرون التشريعات والقرارات التي تشجع على إقامتها، ولا يكترثون بتسويق منتجاتها داخليا وخارجيا، فلماذا؟
لسنا بحاجة إلى عملية استقصائية لنكتشف إن اهتمامات الحكومات العربية يتركز على محورين قد لايكون أيّ ثالث لهما: الأول جذب الإستثمارات الخارجية، والثاني حيتان المال في الداخل، على الرغم من ان تجاربها المتراكمة أسفرت عن نتائج مخيبة للتوقعات، بل وكانت نتائج معظمها (باستثناء الدول الغنية) كارثيا!
أليس مستغربا ان معظم الحكومات العربية تعاني منذ عقود من أزمات إقتصادية ومن زيادة سنوية في قروضها الخارجية، ومع ذلك تصرّ على تشجيع استثمارات خارجية (قد لاتأتي بالحجوم المطلوبة) بدلا من الإعتماد على مواطنيها واستثمار إمكاناتهم مهما كانت محدودة (وهي غالبا كبيرة وخلّاقة) لتأسيس مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر تساهم في دوران عجلة اقتصاد الإعتماد على الذات؟
نعم، توجد آلاف المشاريع الأسرية في كل دولة عربية، لكن الفضل بتأسيسها ونموها ونجاحها لايعود لهمة حكوماتها، وإنما لمبادرات فردية قرر أصحابها استثمار إمكاناتهم المادية المحدود لترجمة أفكارهم وخبراتهم إلى مشاريع بمنأى عن أيّ دعم حكومي، ومع ذلك مامن رعاية لهذه المشاريع التي تدعم التنمية وتقلص المستوردات وتخفف الضغط على (المال العام)..الخ.
الخلاصة: ستستمر الأزمات الاقتصادية في كل الدول العربية، وستستمر باللجوء للقروض الداخلية والخارجية وستزداد فيها أعداد العاطلين عن العمل، وستبقى عاجزة عن تأمين الأجور الكافية للعيش الكريم لمواطنيها إن لم تقرر الإعتماد على استثمار إمكاناتها المتاحة من خلال رفع شعار: هذا وقت المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر.
(موقع أخبار سوريا الوطن-١)