عبد الهادي الشماع
ككثر الحديث مؤخراً عن “الهوية البصرية” بعد أن تم تداول شكل العقاب السوري الجديد.. عبر وسائل التواصل، وقبله شعار نقابة الفنانين..
برأيي ان الانتقادات تركزت على فرضية ان المصمم “استأنس” بالنسر الألماني الشهير وحاول تقليده في أكثر من تفصيل وهذا وارد، لكني اعتقد ان الحكم كان غير منصف تماماً، فمشاكل التصميم هي في أماكن أخرى، ان الشبه الذي تمت ملاحظته بين الطائرين طبيعي الى حد ما، فالعنصر المقصود يتألف من رأس وجناحين وساقين وذيل، إضافة لجسم الطائر، وهذا الجزء يبدو لي أنه غير قابل للتحوير والتعديل، و الأجزاء الأخرى ليست مطواعة ولا تحتمل الكثير من الحلول التشكيلية، اذن لا مفر من التشابه .. وهذا ينطبق على كل الطيور في الوضع الجبهي المماثل تقريباً.
ان المشكلة الأساسية تكمن في ثقافتنا البصرية وما اعتدنا عليه, فالرمز المعتمد قبل 80 عاما كان لين الخطوط في كل أجزائه التي تبدو مركزية التموضع ويمكن حصرها بدائرة كما في الوجه الثاني لليرة السورية المعدنية, أو في الحيز الذي يشغله في الرتب العسكرية، ساعد في ذلك التلاصق بين ريش الجناح, بينما في الشكل الجديد ظهرت الفراغات بين الريش وفي هذه التفصيلة بالذات تم الالتقاء بصرياً بين جناح العقاب السوري الجديد وبين جناح النسر الألماني، (وهذا الأخير دخل الى ثقافتنا البصرية كعنصر مألوف، بدأً من الاعجاب بالمنتخب الألماني لكرة القدم الذي يظهر النسر على قمصان لاعبيه، وتشجيع الكثير من السوريين له، وصولا لموجة اللجوء الكبيرة الى ألمانيا مؤخراً، وربما كان كثير من المنتقدين وأصحاب الرأي بخصوص التصميم الجديد يعيشون في ألمانيا) وبالتالي تمكن الكثيرون من عقد المقارنة ذاتها.
.. وايضا بالاعتماد على ثقافتنا البصرية فإن النجوم الثلاثة فوق رأس الطائر في هذا التصميم، لها دلالات غير مستحب تواجدها في موضع كهذا, مهما كانت التأويلات، وهي وكما اعتدنا -في أفلام الكارتون التي ساعدت في تشكيل ثقافتنا البصرية- انها تعبر عن الدوار والدوخة بعد أن تتعرض الشخصية الكرتونية عادة لضربة على الرأس, وهذا برأيي يسيئ للرمز ويضيف لمسة كوميدية لا داع لها – والمصمم لم يراع هذا الجانب.. ربما دون قصد منه –
المشكلة الأكثر عمقاً -برأيي- ليست بالتشابه أو شبهة الاقتباس والسرقة وما إليها، المشكلة ذات شقين:
– الأول : إننا لا نثق بأنفسنا ونعتقد دائما ان مصممينا هم أعجز من أن يقدموا شكلاً جدياً وابداعياً دون الاعتماد على الآخر -الغرب تحديداً- وقد تم تكريس “عدم الثقة” هذه، من خلال تصاميم اكتشف انها كانت “مقتبسة” فعلاً، وربما لقناعة بعضنا أن فن الرسم مكروه لدى فئة منا -اعتماداً على تفسيرات وفتاوى مختلف عليها-, وعليه فإن هذا الفن غير أصيل لدينا، والاستعانة بأصحاب الخبرات ممن سبقونا في هذا المجال إنما هو عمل مشروع!
– الثاني: اذا كانت مهمة الهوية البصرية تقديم رسالة مكثفة وبليغة للآخر، فإن العقاب البديل صمم بالاعتماد على الخطوط المستقيمة الحادة وبعض الزوايا الهندسية التي تقدمه بشكل قاس وقوي وأكثر صلابة (شكل ريش الجناح يقترب من شكل الحربة أو السكين)، في الوقت الذي تقدم السلطة الحالية نفسها انها مسالمة ولا تنوي الاعتداء على أحد وهي –حسب ما ذكرته عدة مصادر – بصدد توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل، وعليه فإن التصميم الجديد يعبر عن شخصية بلد أخر، له سياسة أخرى.. إلا في حال كانت السلطة الحالية تريد أن تعلن غير ما تبطن!
.. وللمفارقة فإنه وعلى العكس تماماً، كان النظام السابق يقدم نفسه كمقاوم عنيد، ويبني مجتمعاً عسكرياً، بينما كان شعاره المعتمد يبدو غير عدواني ومكتنز و”طبّوش” الى حد ما..
(اخبار سوريا الوطن ٢-صفحة الكاتب)