نور الدين بالطيب
رغم غيابه الأبدي منذ ثلاث سنوات، ما زال هشام جعيط (1935-2021) يثير حماس الباحثين لتفكيك مدوّنته السيرية المتعلّقة بالإسلام الأول. في هذا السياق، صدر كتاب جديد للباحث محمد علّاقي بعنوان «السيرة النبوية في مصنّفات هشام جعيط: قراءة في المرجعيات ووجوه التجديد» (الدار التونسية للكتاب). اهتمّ الكتاب بثلاثية السيرة المحمدية التي أصدرها المفكر التونسي الراحل عن «دار الطليعة» في بيروت في تواريخ متباعدة وهي «الوحي والقرآن والنبوة» و«تاريخية الدعوة المحمدية في مكة» و«سيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام».
هل ما قدّمه جعيط هي القراءات الوحيدة لسيرة النبي؟
تركيا – تكلفة زراعة الأسنان بالفم الكامل قد تفاجئك تمامًا
زراعة الاسنان في تركيا
في مقدمته للكتاب، يبرّر علّاقي اختياره لهذا المبحث ليس لأهميته فقط في الثقافة العربية الإسلامية، بل لشخصية جعيط نفسه، مورداً: «ما دفعنا أكثر إلى الانكباب على هذا المشروع هو شخصية مؤلفه نفسه، فضلاً عن مكانته العلمية مؤرخاً مشتغلاً في قضايا التاريخ الإسلامي على تنوّعها، فهو يثير بكتاباته جدلاً حاداً ومستداماً في الأوساط الأكاديمية والدينية». ويرى الباحث أنّ «هذا الجدل لم يترجم إلى قراءة نقدية متعمّقة». تضمّن الكتاب ثلاثة أبواب: خُصّص الباب الأوّل لدراسة السيرة النبوية عبر المصادر القديمة والحديثة ومرتكزات التجديد. وفي هذا الباب درس سيرة النبي محمد في المصادر القديمة واستعرض دور المخيال والأسطورة في نسج أحداث السيرة، والسيرة بين الرواية والكتابة، والسيرة في المصادر القديمة. وفي الفصل الثاني، اهتمّ بالسيرة النبوية في الكتابات الحديثة وملامح التجديد. أما الباب الثاني، فخصّصه للمصادر السيرية التي اعتمدها جعيط في بحوثه، وهي أساساً المصادر الإسلامية القديمة والقرآن والنصوص التاريخية والموسوعية والمصادر غير الإسلامية أيضاً. وختم الكتاب بباب ثالث خصّصه لمقاربات جعيط ومنهجيته، متوقفاً عند شخصية النبي ومقاربات المستشرقين والتجربة النبوية وبيئتها. وفي هذا الباب، رأى أنّه «لم يكن ممكناً دراسة التجربة المحمدية ولا بزوغ الإسلام من دون تبني مقاربة مخصوصة تجمع بين اختصاصات عدّة وتعقد الصلة بين معارف اجتماعية وإنسانية متنوّعة ليؤسس لمقاربة متعددة الاختصاصات».
يرى الباحث محمد علّاقي أنّ جعيط كان مدفوعاً بـ «نزعة إيمانية عميقة»
ويتساءل علاقي في استنتاجات كتابه: «هل ما قدّمه جعيط من قراءات هي القراءات الممكنة والوحيدة لسيرة النبي محمد حقاً؟ أي هل هي السيناريو الوحيد الممكن لبيوغرافيا النبي المؤسس؟». ويرى الباحث أن ثلاثية جعيط كانت مختلفة عن كتابه «الفتنة الكبرى»، إذ «انهارت المفهومية العقلانية» في كثير من تحليلاته مثل غزوة الخندق أو ظاهرة الوحي وقادت جعيط «نزعة إيمانية عميقة»، معتبراً ذلك غريباً في فلسفة التاريخ.
لكن هذه المآخذ التي يعدّدها الباحث «لا تقلّل من جهده التاريخي ولا من نزعته التجديدية في المنهج والقراءة والأدوات التحليلية التي أحدثت تحوّلاً نوعياً في الدراسات المحمدية» على حد قوله. يمثّل الكتاب نظرةً أخرى لمنجز جعيط في مجال السيرة النبوية أو ما عرف بـ «الدراسات السيرية» وسيثير حتماً جدلاً بين طلبة جعيط ومريديه.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية