باسل علي الخطيب
و كان أن تقيأها ( بي بي) : من كان يقول عنا أننا أهون من بيت العنكبوت، لن يقول ذلك بعد الآن….
ألبرت إينشتاين أحد عباقرة القرن العشرين، ليس لأنه صاحب النظريتين النسبية و العامة وغيرهما، إنما لأن له آراء ملفتة في أمور خارج السياق العلمي، و إن كان بعضها بشكل أو بآخر، متصل أو من مخرجات الشأن العلمي…
ألبرت أينشتاين كان مؤمناً بالله، و هذا كان أحد أسباب معارضته للنظرية الكمومية في الفيزياء، لذلك كانت جملته الشهيرة ” الله لا يلعب النرد “…
و هذه المعارضة أتت من إيمانه بمبدأ الحتمية، و خلاصتها أن الكون بما فيه يسير وفق نسق معين لا يحيد عنه، و ما يمكن صوغه عن هذا الكون كمعادلات رياضية تجمع بين متغيرات فيزيائية مع إضافة ثوابت رقمية محددة، تجعلنا قادرين على توقع النتائج حتى لو لم يتم معاينة ذلك مخبرياً، وذلك وفق مبداً النسقية و الحتمية و البناء الدقيق العظيم لهذا الكون….
و هذا ما اثبتته بعض الاكتشافات العلمية لاحقاً عندما صدقت بعض (تنبؤات) إينشتاين حول بعض الأمور حسب معادلاته التي كان قد وضعها….
هذه الحتمية التي يؤمن بها إينشتاين قد تكون أحد أسباب رفضه في عام 1951، أن يكون رئيساً للكيان الصهيوني، عندما عرض المنصب عليه ديفيد بن غوريون أول رئيس حكومة في الكيان….
نعم، قلت لإينشتاين بعض الآراء الملفتة، من جملتها أن الصهيونية إيديولوجية سياسية لا تختلف عن الفاشية أو النازية، عدا عن إنه أنكر فكرة (الشعب المختار) وعارضها، الفكرة التي قامت عليها الصهيونية، و التي على اساسها قام الكيان الصهيوني….
(بي بي) هو أول رئيس حكومة صهيوني مولود في الكيان بعد قيامه، كل من سبقه: بن غوريون، غولدا مائير، مناحيم بيغن، إسحاق رابين، شمعون بيريز، إيهود باراك، أرييل شارون، ولدوا خارج الكيان، و هاجروا إلى فلسطين المحتلة، أو ولدوا في فلسطين المحتلة قبل قيام الكيان…
(بي بي) من مواليد 1949، يزيد عمر الكيان عن عمره ببضعة أشهر، يبدو أن تاريخ ولادته المتوافق مع تاريخ ولادة الكيان في 15 أيار 1948، قد ترك أثره في شخصية نتنياهو و طريقة تفكيره، أن هذا الكيان مرتبط عضوياً به، ولدا معاً و يموتا معاً….
و هذا على ما يبدو ما تسير باتجاهه الأمور….
الأجيال الأولى من الصهاينة، كانوا معبئين إيديولوجياً بفكرة (الوطن القومي)، أتوا من أصقاع مختلفة من العالم، كان عندهم هدف هو إقامة هذا (الوطن القومي)، و بالتالي كانوا ذوي اندفاعة كبيرة و مستعدون للتضحية في سبيل هذا الأمر….
الأجيال الحالية التي ولدت في الكيان، و خاصة أجيال ما بعد الثمانينات، و بعد أن استقر لأبائهم الأمر و أقاموا الكيان فقدوا زخم تلك الاندفاعة، و الأهم فقدوا فكرة (التضحية)، ليسوا مستعدين أن يفقدوا حياتهم في سبيل فكرة ما، و لا أقصد بحياتهم الناحية الجسدية فحسب، إنما أقصد ليسوا مستعدين أن يضحوا براحتهم في كل الأمور في سبيل الفكرة….
وعت العقلية الصهيونية هذا الامر بعيد حرب 1982، و عملت على معالجتها، و المعالجة كانت عبر توفير كل أسباب الحماية المادية للمستوطنين أو لعناصر الجيش الصهيوني، هذه الحماية المادية تجلت في القوة النارية الكبيرة و فائض القوة الهائل، و تخزين أعتى أنواع الأسلحة، و القبة الحديدية و مقلاع داؤود، و منظومة السهم، إلى آخره…..
خذوا على سبيل المثال الجندي الصهيوني، عندما يشارك في القتال يبدو كأنه (ملالة)، لكثرة ما لديه أو عليه من وسائل الوقاية و الحماية، لا لتساعده في القتال فحسب إنما لتحميه من القتل في الدرجة الأولى، و هو الجندي الأكثر تكلفة في كل جيوش العالم و بفارق كبير جداً عن بقية الجيوش…
الجيل الذي يحكم الكيان حالياً، في اغلب مؤسساتته و لا أقصد السياسية و العسكرية فحسب، هذا الجيل ليس له علاقة أبداً بجيل (المؤسسين)، حتى أنه لا يعتبر نفسه ينتمي إلى أي من اليهود الغربيين ( الأشكنازيم) أو اليهود الشرقيين( السفىارديم)، هو جيل ولد كله في الكيان و أصطلح على تسميته بجيل (الصابرا)، هو جيل لا يمتلك شغف جيل الآباء، لا يمتلك إيمان الآباء، و تحركه نزعة مادية بحتة، فارغ روحياً، والأهم أنه دون بوصلة استراتيجية، و يعوض كل هذا التيه بفائض القوة و العنجهية و الغرور، لذلك تطغى في تصرفاته النزعة الفردية و المصلحة الشخصية، و لكن الأهم، أنه يقيس المكاسب وفق النجاحات اليومية الآنية، و ليس وفق المصلحة الإستراتيجية العليا للكيان على المدى البعيد، نعم، قد يحقق بعض الإنجازات التكتيكية، و لكنها سرعان ما تذوب و تضمحل تحت وطأة النزعة الفردية والجشع والغرور و قصر النظر و الضياع الاستراتيجي….
القول أعلاه، في بداية المقال ل ( بي بي) يشرح طريقة تفكير جيل الصابرا، الإنجاز الآني باغتيال السيد و إن كان خسارة كبيرة لمحور المقاومة، لكن غاب عن بالهم أنه ليس خسارة في (فكرة و ثقافة واستراتيجية المقاومة)، نعم خسرنا قائداً كبيرا عظيماً عزيزاً غالياً قد لا يجود الزمن بمثله، و لكن الفكرة التي نطقتها شفاه هذا السيد الشهيد، أن هذا الكيان أهون من بيت العنكبوت و آيل للسقوط حتماً، لم تسقط بل أنها و مع تتابع الأحداث بعد استشهاد السيد قد ترسخت أكثر، و ترسخت أكثر في وجدان الصهاينة أكثر مما ترسخت في تفكير جمهور المقاومة….
عندما ولد أريل شارون قالت أمه أنها أتتها نبوءة أن ابنها سيكون آخر ملوك اليهود، عندما انفجر دماغ شارون دخل في غيبوبة لمدة تسعة سنوات، انتهت بموته، و لكن الغيبوبة الاستراتيجية التي دخلها الكيان حتى الآن لم تنته…
على فكرة لم تخبرنا الوثائق، إن كانت أم (بي بي) قد أتتها رؤية تخبرها أن ابنها سيكون آخر قادة الكيان….
ذات يوم التقى البرت اينشتاين والممثل الكوميدي الشهير شارلي شابلن، قال اينشتاين له ” أنت لاتقول ولا كلمة، ولكن الكل يفهمك، أما أنا فأتكلم كثيراً، ولكن لا احد يفهمني”….
أعتقد أن (بي بي) واحد من هؤلاء…
بالعودة أعلاه إلى مفهوم الحتمية و (النسقية) الذي أكدته الفيزياء الكلاسيكية (فيزياء نيوتن)، والفيزياء النسبية (فيزياء اينشتاين)، والذي عارضه ودحضه في مواقف عديدة منطق اللاحتمية والاحتمالات الكبيرة والذي قدمته (فيزياء الكم)، ولكن كلا المفهومين صحيحان، الحتمية واللاحتمية، والدليل تطبيقاتهما العملية، وقد حاول المجمع العلمي أن يجمع كلا النظريتين في نظرية واحدة أسموها (نظرية كل شيء) ولكنهم فشلوا، وقولاً واحداً لن ينجحوا، لأن كلا النظريتين في بعدين مختلفين، وليس لك أن تراهما معاً إلا إذا نظرت من الاعلى، وذاك الاعلى يختصر الأمر بهذه الجملة:
انا كل شيء خلقناه بقدر….
بعض هذا القدر ذكرته سورة الإسراء….
(موقع سيرياهوم نيوز-2)