الزّيارة الخاطفة التي قام بها الوفد الروسيّ بقيادة يوري بورسيف نائب رئيس الوزراء إلى دِمشق اليوم الاثنين والتقى خلالها الرئيس السوريّ بشار الأسد تؤكّد مقولة “إنّ الصّديق في وقتِ الضّيق”، لأنّها تأتي في ظِل ظُروف اقتصاديّة صعبة بسبب الحِصار والعُقوبات الأمريكيّة المَفروضة على سورية في إطار قانون “قيصر”.
وجود سيرغي لافروف وزير خارجيّة روسيا الذي التحق بالوفد أضفى على هذه الزّيارة أهميّةً كبيرة، وأضاف بُعدًا سياسيًّا إليها خاصّةً أنّ لافروف لم يَزُر دِمشق مُنذ ثمانية أعوام، ولا بُدّ أنّ لديه بعض الأفكار والمعلومات تبلورت نتيجة المُحادثات الروسيّة التركيّة حول الوضع في إدلب، والمُناورات المُشتركة وما جرى تسريبه من أنباءٍ عن تجاوبٍ تركيٍّ مع مطالب موسكو في تنفيذ الاتّفاق الذي يَنُص على الفصل بين الفصائل الإرهابيّة والأُخرى “المُعتدلة” في إدلب.
الجُملة الأبرز التي وردت في المُؤتمر الصّحافي الذي عقده الوزير لافروف مع نظيره السوري وليد المعلم تلك التي وردت على لسان الأوّل وقال فيها “تطبيق الآليّات الكفيلة بتجاوز الحِصار الاقتصادي” وزفّ السيّد المعلم بُشرى للشّعب السّوري بتحسّن الأوضاع الاقتصاديّة خلال الأيّام والأشهر المُقبلة.
يوري بورسيف حمل في جُعبته 40 اتّفاقًا اقتصاديًّا لإعادة بناء مشاريع الطّاقة والنّفط والزراعة، أبرزها اتّفاق مع شركة روسيّة لاستِخراج النّفط من المِياه السوريّة شرق المتوسّط، وضخ استِثمارات في مجالات إعادة الإعمار.
إنّها زيارةٌ تُطلق صافرة البَدء لعمليّات إعادة الإعمار في سورية، وكسر الحِصار الاقتصادي الأمريكي، من خِلال التزام روسيا، الدّولة العُظمى، بضخ المِليارات، وعلى أوسعِ نطاقٍ، لإعادة بناء ما دمّرته الحرب، وهو التزامٌ يُوجّه رسالةً إلى أمريكا ودولة الاحتِلال الإسرائيلي تقول مُفرداتها إنّ سورية، وعمليّات الإعمار فيها، خطٌّ أحمر لن تسمح القِيادة الروسيّة بتجاوزه وتعريض حياة مُواطنيها وشركاتها واستِثماراتها للخطَر.
روسيا وعبر شركاتها التي ستبدأ التّنقيب عن النّفط والغاز في شرق المتوسّط في المِياه الإقليميّة السوريّة تحديدًا باتت شريكًا شرعيًّا وطرف أساسيّ في أيّ صِراع مُستقبلي في المِنطقة، وستحمي بكُل الطّرق والوسائل مصالحها ومصالح حليفها السّوري في الوقتِ نفسه.
الأمر المُؤكّد أنّ لافروف عميد الدبلوماسيّة الروسيّة يملك في جُعبته العديد من الأفكار السياسيّة جرى بلورتها من خلال الاتّصالات الروسيّة مع كُل من تركيا والولايات المتحدة، ولعلّه أطلعَ الرئيس السوري على مضامينها أثناء اللّقاء به، فالرّجل، أيّ لافروف، لم يأتِ إلى دِمشق، وبعد غِياب استمرّ ثماني سنوات، من أجل الحديث عن مشاريع إعادة الإعمار التي هي خارج اختصاصه.
الرئيس فلاديمير بوتين يرعى شخصيًّا مسار سوتشي السّياسي لحل الأزمة السوريّة بدءًا باللجنة الدستوريّة والتي تَضُم ممثّلين عن مُختلف ألوان الطّيف السوري حُكومة ومُعارضة (باستثناء الطّرف الكردي)، ومن غير المُستبعد أن تكون هُناك أفكار جديدة حول هيكليّة الدّستور المُقترح، والانتخابات الرئاسيّة المُقبلة عام 2023، وهذه الأفكار لا يُمكن أن ترى النّور، والتّطبيق العمليّ إلا بمُوافقة الرئيس السوري.
لا نُريد أن نُبالغ، ونقول، إنّها زيارة ربّما تكون الأهم مُنذ “النّجدة” الروسيّة العسكريّة لإحباط مُؤامرة إسقاط النّظام التي حشدت الولايات المتحدة 65 دولة لتنفيذها ومِئات المِليارات من الدّولارات، ومِئات الآلاف من المُقاتلين، وملايين الأطنان من العتاد العسكريّ الثّقيل، ولكن المُؤشّرات الأوّليّة التي يُمكن رصدها من بين ثنايا المُؤتمر الصّحافي المُشترك تُوحي بالكثير في هذا الصّدد، ولعلّ سِعر اللّيرة السوريّة سيكون “التيرموميتر” في هذا المِضمار، والارتفاع هو الأكثر احتِمالًا.. واللُه أعلم.
سيريا هوم نيوز /4/ “رأي اليوم”