رغم النفي الإسرائيلي المتكرر والخجول بعدم وجود أي خطط إسرائيلية رسمية لتهجير سكان قطاع غزة قسرًا نحو الحدود المصرية واجتيازها وصولا لسيناء، إلا أن لغة الواقع تؤكد عكس ذلك تمامًا فجميع المؤشرات تُدلل على أن هناك شيء خطير يُحاك للفلسطينيين بغزة، لم يأت موعد الإفصاح عنه بعد.
عملية تهجير الفلسطينيين من شمال غزة نحو الجنوب والتي بدأت منذ اليوم الأول من الحرب الإسرائيلية الدموية والطاحنة على القطاع، لا تزال مستمرة فبعد أن أصبح شمال غزة شبه فارغ من الفلسطينيين، حتى بدأت إسرائيل بالمرحلة التالية وهي تهجير سكان وسط القطاع وجنوبه إلى أقصى الجنوب وهو باتجاه معبر رفح والحدود المصرية.
هذه الخطة الإسرائيلية المدروسة والتي يمكن أن يكون تم التجهيز لها منذ سنوات طويلة داخل الغرف المعلقة، وأمام القصف الإسرائيلي العنيف والذي لم يرحم بشرًا وحجرًا ولا حتى شجرًا، ستنفذ عمليًا فلن يجد الفلسطينيين أمامهم إلا مصر للبحث عن الأمان والنجاة من ويلات الحرب والقصف العنيف.
ورغم التحذيرات المصرية المتعددة ولغة التهديد المباشرة التي تتبعها القاهرة منذ اليوم الأول من الحرب على غزة، إلا أن إسرائيل يبدو انها لا تكترث كثيرًا لمثل تلك التهديدات وماضية في مخططاها الكبير بتهجير سكان غزة نحو سيناء، وهو ما كشفته العديد من وسائل الإعلام العبرية.
وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 1.9 مليون شخص في غزة، أو ما يقرب من 85% من السكان، أصبحوا نازحين داخلياً، وفقا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيما استشهد أكثر من 17 ألف فلسطيني في قطاع غزة، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
وكانت مصر والأردن والسلطة الفلسطينية أعربتا عن قلقهما منذ الأيام الأولى للحرب من أن تقوم إسرائيل بدفع الفلسطينيين من غزة إلى مصر، وعدم السماح لهم بالعودة بعد الحرب.
-
مخطط التهجير
ونفى المسؤولون الإسرائيليون ذلك سراً وعلناً، وقدموا تأكيدات لمصر بأن أي فلسطيني جريح يُسمح له بمغادرة غزة لتلقي العلاج الطبي سيُسمح له بالعودة إلى القطاع.
وكانت دعوات إسرائيلية، رافقتها تقارير غربية، تحدثت عن إمكانية تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، بدعوى إفساح المجال أمام الجيش الإسرائيلي للقضاء على حركة “حماس”.
وأثارت وثيقة رسمية إسرائيلية نُشرت نهاية أكتوبر الماضي، تدعو إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء المصرية حالة من الجدل، وتبرأت منها إسرائيل لاحقاً، في ظل رفض مصري قاطع بلغ حد التحذير من تعريض اتفاقية السلام بين الدولتين للخطر.
ووجهت مصر، تحذيرات إلى أمريكا وإسرائيل من أنه إذا فرّ اللاجئون الفلسطينيون إلى شبه جزيرة سيناء، نتيجة للعملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب غزة، فقد يؤدي ذلك إلى “قطع العلاقات” بين القاهرة وتل أبيب، وفقًا لما نقلته “أكسيوس” عن أربعة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين.
وقال مسؤولون إسرائيليون، إنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، أخبر مسؤولون مصريون في الجيش، وفي جهاز المخابرات، نظرائهم في الجيش الإسرائيلي و”الشاباك”، أنهم قلقون للغاية بشأن تداعيات العملية العسكرية في جنوب غزة على مصر، خصوصاً مع استمرار نزوح المدنيين باتجاه معبر رفح الحدودي، مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية بالقطاع.
وأعرب المصريون عن قلقهم من أن تؤدّي الأزمة على حدودهم مع غزة إلى عبور آلاف اللاجئين الفلسطينيين الحاجز الحدودي ومحاولة العثور على مأوى في شبه جزيرة سيناء، وفقاً لثلاثة مسؤولين إسرائيليين تحدثوا مع موقع “أكسيوس” الأميركي.
وقال مسؤول إسرائيلي، إن “المسؤولين المصريين أبلغوا نظرائهم الإسرائيليين، أنهم يشعرون بالقلق من احتمال نزوح آلاف المدنيين من غزة إلى مصر”، مضيفاً أن المصريين أبلغوا إسرائيل أن مثل هذا السيناريو يمكن أن يخلق أزمة خطيرة في العلاقات بين مصر وإسرائيل.
من جانبه، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الذي يتواجد في العاصمة الأميركية واشنطن، مع عدد من وزراء الخارجية العرب الآخرين للاجتماع بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بحث الحرب على غزة، إنه سيكون “من غير المناسب، ويتعارض مع القانون الدولي” إذا تم تهجير المدنيين الفلسطينيين من غزة إلى مصر.
كما حذر ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، الخميس، من تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، مؤكداً أن ذلك يمثل “خطاً أحمر” بالنسبة لمصر، ولن تسمح به مهما كانت التداعيات لمساسه بالأمن القومي والسيادة المصرية على كامل التراب الوطني، ولما سيؤدي إليه من تصفية كاملة للقضية الفلسطينية وتفريغها من مضمونها”.
-
الحلم الإسرائيلي الكبير
وشدد على أن “لا أحد يستطيع فرض أمر واقع بالقوة، فالدولة المصرية تمتلك الأدوات كافة، التي تمكنها من الحفاظ على أرضها وأمنها القومي”.
وفي هذا الصدد رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، في تصريحات له، أن مخطط التهجير في ظل هذه السياقات هو “القضية المركزية التي تسعى إليها كل الدول الغربية الآن”، معتبرًا “ضخ 10 مليارات دولار لصالح مصر، وتصريحات رئيسة صندوق النقد الدولي (كريستالينا غورغيفا) عن تقديم كل سبل الدعم للحكومة المصرية، وتغاضي الإدارة الأميركية عن ملف حقوق الإنسان، وصفقات السلاح، يصب في تنفيذ هذا المخطط”.
ولفت عبد الشافي إلى أن ما يؤجل تنفيذ المخطط “هو الحرب في غزة الآن، وصمود المقاومة، فكلما استطاعت المقاومة أن تصمد، وكلما تمسكت المقاومة بخيار الحرب والمواجهة المستمرة، كلما أدى ذلك إلى تأجيل مخطط التهجي”، مضيفًا أن “الإفراط في استخدام القوة من جانب الكيان الصهيوني، هدفه الدفع بالتنفيذ الفوري والسريع لمخطط التهجير”.
بدوره حذر الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري، مصطفى بكري، من تداعيات مخطط إسرائيل بتهجير الفلسطينيين، وإجبارهم على النزوح إلى الحدود المصرية لإحراج مصر.
وقال مصطفى بكري في تغريدة له على منصة “إكس”، “عشرات الآلاف من الفلسطينيين وصلوا رفح بالقرب من الحدود المصرية، ونصبوا الخيام في الشوارع بعد القصف، وتوسيع الجيش الإسرائيلي لعملياته لتشمل كل غزة”.
وأكد أن: “تنفيذ مخطط التهجير يصل إلى مرحلته الأخيرة. الهدف تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، ووضع مصر في موقف حرج “.
وختم مصطفى بكري قائلا: “مصر لن تساعد إسرائيل في تنفيذ مخططها. حدود مصر خط أحمر. قالها الرئيس السيسي أكثر من مره، حذار من غضبة جيش مصر وشعبها وقيادتها. الموضوع جد ولاهزل فيه”.
وأمام هذا التطور.. فهل يتحقق حلم إسرائيل الكبير؟ ومن يريد توريط مصر؟ وماذا تحمل الأيام المقبلة لغزة؟.. وماذا عن الموقف العربي الرسمي من التهجير؟
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم