حالة من الغموض تُحيط بوضع قطاع غزة الذي تعرض لقصف إسرائيلي هو الأعنف والأشد على الإطلاق وخلف دمارًا هائلاً وعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والنازحين، وويلات سترفض النسيان عاشها كل سكان القطاع الذي باتت حياتهم بين خيارين فقط، الموت من الحرب أو الموت من الجوع والامراض.
الجديد في قطاع غزة، والذي كان خلال الأيام الـ47 ماضية لا يسمع ولا يشاهد فيه إلا المجازر والدماء والشهداء والقصف العنيف والمنازل التي تسقط فوق ساكنيها، وآلام النازحين والعالقين بكل مكان، فكانت التهدئة الإنسانية والتي استمرت لـ4 أيام هي أمل بسيط وسط دمار وهلاك كبير ولا ينتهي.
وما جدد هذا الأمل حين تم الاتفاق الليلة الماضية بين حركة “حماس” وإسرائيل على تمديد التهدئة ليومين إضافيين، مع الاستمرار في عملية تبادل الأسرى بين الجانبين، لتصبح في المجمل 6 أيام منذ بدء اشتعال الحرب الدامية، لتكون هذه الخطوة محاولة من قبل الوسطاء للتخفيف من حدة التصعيد ومحاولة للبحث عن حلول سياسية توقف العملية العسكرية على قطاع غزة.
وأمام هذا المشهد من تمديد التهدئة الإنسانية في القطاع، والتي تتم بوساطة قطرية-أمريكية-مصرية، تطرح العديد من التساؤلات حول إن كانت تلك الهدن المتتالية هي الخطوة الأولى لإنهاء الحرب على غزة، أم القادم سيكون أكثر شدة وخطورة؟!
ورغم أن إسرائيل تواصل إطلاق التهديد والوعيد حول تدمير غزة والقضاء على حركة “حماس”، وأن المعركة ستكون أكثر “قوة وقسوة” بعد انتهاء الهدنة، وهذا ما صرح به وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، حين قال “إنه بعد انتهاء فترة الهدنة في قطاع غزة، سيستأنف الجيش الإسرائيلي القتال بكثافة أكبر وسيعمل في جميع أنحاء القطاع”.
وأضاف غالانت خلال اجتماعه مع جنود لواء “جفعاتي”، بحسب ما نقلته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”: “الآن أمامكم بضعة أيام (استراحة)، لكننا سنعود إلى المعركة ونتصرف بنفس القوة بل وأكثر حزماً.. سنقاتل في جميع أنحاء القطاع، وسندمر حماس”.
– مصير غامض
إلا أن هناك العديد من التصريحات داخل إسرائيل تطالب بإنهاء الحرب على غزة، فيما تواصل أمريكا ودول أوروبية وعربية التي تغيرت لهجتها مؤخرًا للضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لوقف حربه التي يعتبرها الكثير مسالة شخصية لنتنياهو ومحاولة للهروب من المحاكم التي ستلاحقه فور انتهاء الحرب.
ومُددت الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس الثلاثاء للسماح بالإفراج عن مزيد من الرهائن الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين وإيصال المساعدات إلى قطاع غزة حيث لا يزال الوضع الإنساني “كارثيا”.
وبدأ سريان اتفاق الهدنة الجمعة بعد وساطة قطرية بدعم من مصر والولايات المتحدة وسمح حتى الآن بالافراج عن 50 رهينة محتجزين في قطاع غزة و150 فلسطينيا من السجون الإسرائيليةـ وأفرج كذلك عن 19 رهينة آخرين غالبيتهم من العمال الأجانب لكن خارج إطار الاتفاق.
وقبل ساعات قليلة من انتهاء مدة الهدنة الأساسية، أعلنت قطر والولايات المتحدة الاتفاق على تمديدها ليومين إضافيين حتى الساعة السابعة من صباح الخميس (الخامسة ت غ)، ما من شأنه السماح بالافراج عن نحو 20 رهينة و60 معتقلا فلسطينيا إضافيا.
مجلة “إيكونوميست” البريطانية، توقعت أن تكون هناك مرحلة تالية من القتال في جنوب قطاع غزة، وستكون أصعب وأكثر إثارة للجدل بعد انتهاء الهدنة، معتبرةً ما يجري الآن لحظات سلام نادرة بعد أسابيع من المعاناة، حيث اجتمع شمل عشرات الإسرائيليين الذين كانوا محتجزين طوال 7 أسابيع مع عائلاتهم. كما أتاح التوقف القصير للحرب في غزة للفلسطينيين الخروج من ملاجئهم، والبحث عن الطعام والوقود وعن أقاربهم المفقودين وعما تبقى من منازلهم.
وذكرت المجلة أن تبادل الرهائن قد يستمر بضعة أيام أخرى، لكنه سينتهي، وقد يكون القتال التالي أسوأ مما حدث من قبل.
وأردفت أنه في مرحلة ما ستنفد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من الرهائن الذين ترغب في الإفراج عنهم في هذه الجولة من المفاوضات، ومن المحتمل أن يبقى كل من الجنود والرجال الإسرائيليين أسرى، على أمل غير مرجح في إبرام صفقة أكبر تشمل وقفا دائما لإطلاق النار والإفراج عن العديد من السجناء الفلسطينيين. وعندما تأتي الهدنة إلى نهايتها المحتومة ستستأنف إسرائيل القتال ضد حماس.
وترى إيكونوميست أن القوات الإسرائيلية ستواصل في الجولة المقبلة من القتال تمشيط أنقاض شمال غزة بحثا عن مداخل الأنفاق وراجمات الصواريخ وغيرها من المواقع العسكرية، مشيرةً إلى تخوف المسؤولين الإسرائيليين من طريقة المضي قدما في جنوب القطاع، حيث لا يمكنهم بسهولة إرسال وحدات مدرعة للسيطرة على المنطقة كما فعلوا في الشمال، لأنها مكتظة بالمدنيين النازحين.
وبدلا من ذلك، قد يسعون إلى القيام بذلك بشكل مجزأ، أي التوغل في منطقة واحدة في كل مرة، وربما البدء بمدينة خان يونس وسط القطاع، ومحاولة إجبار سكان غزة على الانتقال إلى “منطقة إنسانية” محددة قرب الساحل.
وهو ما اعتبرته المجلة أمرا محفوفا بالمخاطر، حيث سيتعين على المدنيين الاختيار بين التجمع على شريط مهجور من الشاطئ والاختباء في منازلهم أو في ملاجئ مؤقتة، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى نتائج مروعة. كما أن القتال في مناطق مكتظة بالسكان دون دروع ثقيلة سيكون أخطر بالنسبة للقوات الإسرائيلية.
– من المنتصر؟
وأضافت أن كل هذا يجعل أميركا متوترة. ومع أن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يدعُ إلى وقف إطلاق النار، لكن فريقه قلق بشأن خطة إسرائيل لشن هجوم كبير في الجنوب.
وتود أميركا أن توقف إسرائيل حملتها في الجنوب، خاصة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس لديه خطة لما سيحدث في غزة بعد الحرب.
وختمت المجلة بأنه إذا ضغطت أميركا على إسرائيل للتراجع، فقد يؤدي ذلك إلى تجنيب سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة جولة أخرى من القتال والتشريد. ولكنه قد يتركهم أيضا عالقين في جيب مكتظ ويائس أصغر حتى من ذلك الذي كانوا يعيشون فيه من قبل.
وفي هذا السياق يؤكد الدكتور المحلل السياسي التركي محمود علوش، أن الهدنة المؤقتة بغزة، بمعزل عن المكاسب التي تتطلع لها كل من إسرائيل وحماس منها، تعني شيئاً واحداً وهو أن الحرب لا يُمكن أن تستمر بالطريقة التي يُريدها نتنياهو وأن السلام مُمكن في نهاية المطاف إذا وصلت إسرائيل إلى قناعة باستحالة تحقيق أهدافها المُعلنة في الحرب، فلقد مضى شهر ونصف على الهجوم الوحشي الإسرائيلي ولم تتمكن إسرائيل من الوصول إلى الأسرى، ولا أعتقد أن أسابيع أخرى من الحرب ستؤدي إلى نتيجة مختلفة بالنسبة للإسرائيليين.
وأضاف علوش أن “فكرة قدرة إسرائيل على تحقيق أهداف الحرب من خلال استئناف القتال بعد انتهاء الهدنة وتوسيع الحرب إلى جنوب قطاع غزة لن تجلب سوى المزيد من التحديات العسكرية التي تواجه إسرائيل، علاوة على العواقب الهائلة المنتظرة على المدنيين في حال توسيع الحرب إلى جنوب غزة، فإن حقيقة أن إسرائيل لا تزال تواجه مقاومة في شمال القطاع تعني أنّ المقاومة الفلسطينية لا تزال قادرة على الصمود لفترة طويلة”.
وشدد أن قبول نتنياهو بصفقة تبادل جزئية للأسرى تعكس نقاط ضعف إسرائيل في الحرب وتتمثل بشكل أساسي في ملف الأسرى وفي العجز العسكري والاستخباراتي في إدارة الحرب في القضاء على حركة حماس والإفراج عن كافة الأسرى”.
فهل الهدن دليل فشل إسرائيل وانتصار “حماس”؟ أم أن الأيام المقبلة ستكون أكثر قسوة وتكشف ملامح غزة بعد الحرب؟ وأين الرئيس عباس؟
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم