فاطمة عباني
“لم أجرّب صوتي اليوم”… جملة مألوفة (بالنسبة لي على الأقل)، تعكس تلك اللحظات التي نختار فيها الصمت طوعاً، ونميل إلى الانعزال لتوفير طاقتنا. وسط الضحكات والثرثرة والازدحام الاجتماعي، ينفد مخزون طاقتنا فجأة. كل ما نريده هو العودة إلى المنزل والانغماس في متابعة “الريلز” على “إنستاغرام” بلا توقف، حتى تستنزفنا منصات التواصل بدورها.
قد تختلف سعة الطاقة الاجتماعية من شخص إلى آخر، لكن المؤكد أن الجميع يمتلك بطارية اجتماعية تحتاج للشحن مراراً، وهذا أمر طبيعي تماماً.
ما هي الطاقة الاجتماعية؟
الطاقة الاجتماعية هي القدرة الداخلية على الإصغاء والتفاعل والحضور الذهني والبقاء متاحاً للآخرين دون أن يشعر الإنسان بالاستنزاف أو الثقل. وترتفع وتنخفض اعتماداً على حالتنا النفسية، البيئة المحيطة، والأشخاص الذين نتعامل معهم.
في دردشة خاصة، تقول رانيا ( 34 عاماً): “أحياناً أشعر بأنني أستمتع بالتواصل وأستمد طاقة من الحوار الصادق والعميق، خصوصاً حين يكون بعيداً عن المجاملات. لكن في أوقات أخرى تستنزفني بعض المواقف بسرعة، مثل الاجتماعات الطويلة غير واضحة الهدف، أو التعامل مع أشخاص يصرون على الشكوى المستمرة، أو الدخول في نقاشات سطحية لا تقود إلى أي نتيجة”.
يستعيد البعض قدرته على التفاعل بسرعة من العزلة الهادئة، بينما يستمد آخرون طاقتهم من التفاعل مع الأشخاص الذين يشعرون معهم بالأمان. وهناك من يحتاج إلى مزيج متوازن بين الأمرين، توضح أخصائية تدريب على الحياة، دلال الجناعي، في حديث ل” النهار”.
وتؤكد أن التصنيفات التقليدية مثل الانطوائي أو الانبساطي لا تعكس الصورة الكاملة. فقد يبدو شخص اجتماعياً ومنفتحاً أمام الآخرين، لكنه يعود إلى منزله منهكاً بعد اللقاءات. بينما يبدو شخص آخر هادئاً أو قليل الكلام، إلا أنه يشعر بالانتعاش الحقيقي عند الجلوس مع من يفهمه بعمق: “السؤال المهم ليس هل أنا انطوائي أم منفتح، بل مع من أرتاح، مع من أشعر بالتقلص، وأين تتسع قدرتي على التفاعل وأين تنخفض”.
العوامل المؤثرة على الطاقة الاجتماعية
– الحالة الداخلية
التوتر، القلق، الاكتئاب، والتجارب غير المعالجة تقلل من القدرة على التفاعل حتى قبل بدء اليوم. الإنسان الذي يمر بمرحلة اكتئاب أو يحمل عبئاً عاطفياً تكون طاقته الاجتماعية أقل، ليس لقلة اهتمامه، بل لأن جزءاً كبيراً من جهده يُستهلك داخلياً.
– المسؤوليات والعمر والضغط اليومي
مع ازدياد المسؤوليات مثل العمل والعائلة واتخاذ القرارات، تصبح قدرة الجهاز العصبي على التحمل أقل. فقد يستمتع شخص ما عادة بجميع المناسبات الاجتماعية، لكنه اليوم يحتاج إلى لحظة هدوء ليستعيد توازنه.
– البيئة والأشخاص
البيئة الهادئة تساعد على الاستقرار، بينما البيئات الصاخبة تستنزف السعة الاجتماعية بسرعة. ومع ذلك، يبقى الشخص الذي نجلس معه هو العامل الأكثر تأثيراً. فقد نجلس في المكان ذاته مع شخصين مختلفين؛ يوسعنا أحدهما ويستنزفنا الآخر دون أن يقول شيئاً. بعض الأشخاص يشحنون حضورنا ببساطة، بينما يستنزف البعض الآخر طاقتنا لأن الجهاز العصبي يعمل بجهد أكبر معهم، بحسب الجناعي.
علامات نفاد الطاقة الاجتماعية
علامات الاستنزاف المبكر
الشرود الذهني
صعوبة الاستماع بتركيز
اختصار الجمل أو اختيار الصمت بدل التفاعل
حضور جسدي وغياب ذهني أو الانسحاب الداخلي
علامات الاستنزاف الكامل
شعور بالتعب أو الحزن
الحاجة إلى مساحة أو هواء
سرعة الانفعال أو الحساسية الزائدة
انخفاض نبرة الصوت وثقل الحركة
تراجع التواصل البصري
انسحاب رغم القرب الجسدي
الجناعي تلفت الانتباه إلى أن هذه العلامات غالباً ما يساء فهمها في العلاقات. الشخص المستنزف ليس غير مهتم، بل غير قادر على التفاعل.
الطاقة الاجتماعية وبيئة العمل
وتسلط الضوء على أن “القادة الناجحين يعرفون كيفية التعامل مع اختلاف الطاقة الاجتماعية لدى الأفراد. حين يدرك المدير أن الموظفين يختلفون في مستوى التفاعل، يصبح توزيع المهام أفضل والتواصل أوضح والخلافات أقل، ويقل الاحتراق الوظيفي. الأشخاص الذين يشعرون بالأمان والتقدير يصبحون أكثر قدرة على الإبداع والتعاون”.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الطاقة الاجتماعية
“كثير من الأشخاص لا يفتحون وسائل التواصل بدافع الملل، بل بدافع الهروب من الضغط أو شعور بالوحدة. الجهاز العصبي يُخدع في هذه العملية؛ فهو يتوقع الراحة أو الارتباط ويحصل بدلاً من ذلك على ضجيج بصري ومحتوى متلاحق يرفع التوتر. وهكذا يستنزف الشخص سعة الطاقة الاجتماعية قبل أي تفاعل حقيقي”، تضيف الجناعي.
استراتيجيات إعادة شحن الطاقة الاجتماعية
– الاستراتيجيات اليومية:
فواصل قصيرة بين التفاعلات
لحظات صمت قبل الرد
تقليل الضوضاء الرقمية
الخروج إلى الهواء الطلق
التحدث مع شخص يشعر الفرد بالأمان معه
التراجع فور الشعور بالإنهاك
– إعادة الشحن العميقة
يوم أو عطلة بدون أي التزامات اجتماعية
ديتوكس من وسائل التواصل الاجتماعي
جلسة تدريب على الحياة لمعالجة الضغوط وتفريغ المشاعر
الجلوس في الطبيعة لبعض الوقت
بيئة هادئة وحوار صادق لتخفيف الحمل الداخلي
حركة جسدية تساعد على التفريغ، مثل المشي أو اليوغا
مثلما يحتاج هاتفك للشحن، يحتاج الإنسان إلى إعادة شحن طاقته الاجتماعية. الاعتراف بنفاد الطاقة أمر طبيعي، ومن حقنا الانعزال موقتاً لإعادة التوازن، لنعود لاحقاً بحيوية أكبر للتفاعل مع الآخرين.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
