تشهد مُحافظة البصرة العِراقيّة تحرّكاً يحمل صفة الجديّة، تمثّل في الإعلان عن حركة سياسيّة جديدة أُطلق عليها اسم “ناشطون”، وهي حركة عراقيّة تحمل مشروعاً قديماً جديدًا، ولكنّه جُوبه على مدار السّنوات باعتراضاتٍ كبيرة، وتعطيلاتٍ كثيرة من قبل الحكومات المركزيّة في العاصمة بغداد.
وسعى البصريّون إلى إعلان مُحافظتهم إقليماً، على شاكلة إقليم كردستان العراق الذي كان أثار الجدل (كردستان) حين اختار بيع النفط الخام بشكلٍ مُستقل العام 2014، وعدم تقاسم إيراداتها النفطيّة مع الحكومة ما فتح باب الصّراع بين الحكومة الاتحاديّة وحكومة الإقليم حول حق إربيل بالتحويلات الماليّة ضمن المُوازنة العراقيّة، وهو صراع يُمكن أن يتكرّر مع البصرة لو باتت إقليماً نظرًا لغناها بالنفط.
تشكيل مُستقل أم طائفي؟
وابتعدت الحركة الوليدة “ناشطون” فيما يبدو عن تصنيف نفسها ضمن تصنيفات طائفيّة، وعِرقيّة، ووضعت نفسها في إطار الاستقلاليّة بحسب وصف بيانها، ونظرًا للتّداخل السنّي الشيعي في المُحافظة، حيث بيان نشره أعضاء الحركة على مواقع التواصل الاجتماعي قالوا فيه بأنه ضمن سعي ناشطي البصرة لتشكيل كيان سياسي يدعو إلى إقليم والعمل على تحقيقه، تمكّن ثلّة من الكفاءات البصريّة المُستقلّة من إقامة المؤتمر التأسيسي الأوّل لحركة ناشطون والتصويت على أعضاء المجلس السياسي للحركة وبحُضور ممثلين عن المفوضية المستقلة للانتخابات”.
ووفقاً للبيان، فإن الأساس الذي تقوم عليه الحركة الوليدة، هو الكفاءات البصْريّة “المُستقلّة والمُخلصة”، بعيدًا عن الطائفيّة والعِرقيّة، وفعليّاً انعقد المؤتمر التأسيسي الأوّل لحركة “ناشطون” مساء السبت في قاعة اتّحاد رجال الأعمال في البصرة فيما ذكرت وسائل إعلام محليّة أن القائمين على الحركة أشخاص وناشطون معروفون، إذ طالبوا على مدار السنوات السابقة بتشكيل إقليم البصرة على غرار إقليم كردستان.
الأهداف..!
ومن الأهداف المُعلنة للحركة الوليدة خوض غمار انتخابات مجالس المحافظات في العراق المقرر إجراؤها في نهاية العام الجاري 18 كانون الأوّل/ ديسمبر المُقبل، حيث ستكون تلك الانتخابات بمثابة استفتاء غير مُباشر للأهالي في المُحافظة الجنوبيّة بشأن دعم الحركة لأطروحة الإقليم من عدمه.
وتصاعدت المُطالبات بإقليم في البصرة منذ العام 2003 أي بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وقد جرت بعض المُحاولات لكنها فشلت بسبب معارضة المنظومة السياسية المتنفذة لهذا التوجه.
البصرة إقليماً.. مُحاولات فاشلة
وانطلقت أولى المحاولات في العام 2008 وقادها المحافظ الأسبق وائل عبداللطيف وبدعم من حزب الفضيلة الإسلامي الذي كان يسيطر على مجلس المحافظة حينها. وتم إجراء استفتاء فشل في الوصول إلى النسبة المخولة قانونا، فيما اتهم المؤيدون لهذا الخيار المفوضية العليا للانتخابات بإجهاض الاستفتاء من خلال عرقلة الناخبين عن الوصول إلى مكاتب الاقتراع.
وتجدّدت المُحاولة في العام 2010، حيث قدّم عدد من أعضاء مجلس محافظة البصرة طلبا إلى الحكومة لإجراء استفتاء شعبي، لكن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي تجاهل الطلب.
وفي العام 2014 برزت حملة شعبية لإقامة إقليم البصرة، وبدا أن الأمور تتّجه إلى الحلحلة بالنسبة إلى الدّاعمين، لكنّ سُرعان ما نجحت الحكومة مجددا في احتواء الأمر من خلال الدفع بقانون “إعلان البصرة عاصمة اقتصادية للعراق”، الأمر الذي جعل تلك الحملة تخفت ولا تلقى التأييد اللازم من قبل الأهالي.
وأعاد البصريون طرح مشروع الإقليم خلال الاحتجاجات غير المسبوقة التي عرفها العراق في العام 2019، لكنها ظلت مجرد شعارات، حيث أنه لم يتوفر لها الدعم السياسي فضلا عن كونه تم حل مجالس المحافظات، وهُنا تسعى حركة ناشطون إلى التحوّل من الشعارات والمُحاولات، إلى تطبيق فعلي للمشروع، وإعلان البصرة إقليماً، حسب بيان المسؤولين فيها.
البصرة.. وعوامل الرغبة بالحُكم الذاتي
عوامل عديدة تدفع أهل البصرة إلى التفكير بإعادة تجربة إقليم كردستان العراق والرغبة في حكم أنفسهم والتمتّع بخيرات مُحافظتهم، على رأس هذه العوامل التهميش الذي فرضته الحُكومات العراقيّة المُتعاقبة على المُحافظات، وبعد سُقوط نظام الرئيس العِراقي الراحل صدام حسين، التهميش قد يكون أحد الأسباب الرئيسيّة في رغبة تلك المُحافظات بالخُروج عن طاعة أو مركزيّة الحُكومة في بغداد، وصولاً لتأسيس أقاليم مُستقلّة لها حُكومتها وعلمها، وحتى سيادتها، على غِرار إمارات الخليج، لكنّها خطوة يقول مُنتقدون بأنها تُهدّد وحدة وسلامة أراضي العراق، وصولاً لتفتيته لغايات إضعافه، ويُلمّحون إلى مُخطّطاتٍ خارجيّة.
أهل البصرة الذين يشكون التهميش، يُدركون مخاطر تحويل مُحافظتهم إلى إقليم، كما يعون بأن مُحافظتهم من أغنى المُحافظات بالنفط، وتطل على الخليج العربي بساحل يمتد من رأس بيشة وحتى ميناء أم قصر جنوباً، ويجري عبرها تصدير أكثر من 90 بالمئة من النفط، إلى جانب كون البصرة مركزًا للصناعات التحويليّة والزراعة والإنتاج الحيواني، وفي مُقابل هذه الخيرات تُعاني البصرة من سُوء الإدارة والتهميش الحُكومي، ولا تزال عجلة الإعمار فيها مُتأخّرة، هذا عدا عن عدم حُصول أهلها على ما يكفيهم من الماء الصّالح للشّرب، وهُم كما يشكون عبر حساباتهم التواصليّة، ملّوا وعود حُكومتهم المركزيّة بتحسين وضع المُحافظة المذكورة التسويفيّة، ورغبتهم هي الأساس في تحويل أو إعلان البصرة إقليماً.
وكان لافتاً بأن نوّاب في البرلمان العراقي كانوا قد هدّدوا ما قبل تأسيس حركة “ناشطون”، بتوجّه النخب السياسيّة نحو إعلان البصرة إقليماً، وتحديدًا حال عدم إنصاف المُحافظة في المُوازنة العامّة.
وبالنسبة لقانونيّة حق المُحافظة بإعلانها إقليماً في الدستور العراقي، يحقّ لكلّ مُحافظة تكوين إقليم ولكن بشرط طلب الاستفتاء، ويكون بتحقيق طلب ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المُحافظات، أو تحقيق عشر الناخبين في المُحافظة التي ترغب في تكوين الإقليم.
مُعوّقات!
وأمام هذه المُعوّقات، من غير المعلوم إذا كانت الحركة الجديدة “ناشطون” قادرة على توجيه زخمها السياسي لإعلان البصرة إقليماً ضمن الدستور، ودون الصّدام مع الحكومة المركزيّة وسطوتها، حيث ينظر البعض لهذه الحركة بأنها أكثر تنظيماً، وكيف سيكون رد فعل الحكومة العراقيّة هذه المرّة لإجهاض إعلان البصرة إقليماً، حيث يقول أعضاء هذه الحركة بأن مشروعهم يسعى للقضاء على “ديكتاتوريّة المركز المقيتة”، وفي ذلك تحدٍّ صريح للحُكومة المركزيّة في بغداد.
وليس من السّهل على حكومة العراق، التخلّي عن التحكّم بالبصرة وأن تسمح لها بإدارة شُؤون نفسها بنفسها، وهي التي تطل على الخليج العربي، ويتم عبرها تصدير أكثر من 90 بالمئة من النفط، ولا تُريد تكرار أزمة تقاسم الإيرادات النفطيّة التي جرت مع إقليم كردستان، لذلك قد تكون أسباب الحُكومات العراقيّة في رفض تحويل البصرة إقليماً، ليست فقط سياسيّة أو وطنيّة تتعلّق بوحدة العراق وأراضيه، بل يتعدّى ذلك لأسبابٍ اقتصاديّةٍ بحتة.
تقسيم العِراق
وفي ظِل استمرار تردّي الخدمات والانقطاع المُستمر للتيّار الكهربائي، وتزايُد أعداد البطالة في مُحافظة البصرة العراقيّة، يرى مراقبون بأن الحكومات العراقيّة المركزيّة لها دورٌ كبير، وتتحمّل المسؤوليّة في رغبة المُحافظات بالانشِقاق عن طوعها، والرّغبة بالاستقلال، ولعلّها بعدم اكتراثها ستُسرّع بتطبيق مُخطّط الرئيس الأمريكي جو بايدن، في تقسيم العراق إلى 3 أقاليم على أُسسٍ طائفيّة، وعِرقيّة، وإن كانت نوايا أهل البصرة تكمن في تحسين الظروف الاقتصاديّة لمُحافظتهم بالأكثر، وليس تحقيق رغبات الأمريكي الخبيثة، فيما كان عزف بصريّون آخرون أساساً عن التصويت للاستفتاء، حيث تحقيق الزّخم الشعبي حول إقناع البصريين بأهداف حركة ناشطون الوليدة في تحويل البصرة إقليماً، من أبرز التحدّيات الماثلة أمام الحركة.
مُحاولات عديدة على اختلاف أسباب فشلها، لم تنجح في إعلان البصرة إقليماً، فهل تكون مُحاولة الحركة “ناشطون”، “نابتة” هذه المرّة، فيما التحذيرات والمخاوف قائمة، بأن دعوات التحوّل لإقليم تحت شعارات تحقيق العدالة والمُساواة، قد تتحوّل فيما بعد لدعوات حُلم دولة البصرة، فقد ظهر فعليّاً علم إقليم البصرة علانية، وحمله أهل البصرة في مُناسبات عديدة للمُناكفة، والأعلام عادةً ما تُعبّر عن حُلُم الاستقلال، إن كان استقلالاً عن دولةٍ مركزيّة، أو دولةٍ مُحتلّة!
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم