آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » هل تستجيب الأنظمة العربية لميزان القوى الجديد؟

هل تستجيب الأنظمة العربية لميزان القوى الجديد؟

 

رأي طراد حمادة

 

ردّت إيران بقوة فائقة على اغتيال المستشارين في قنصليّتها في دمشق، وهو اعتداء مشهود وإرهاب صريح يكشف عن طبيعة حكومة العدو المتطرفة، التي لا رادع ذاتياً لها. وعليه، كان الرد الإيراني في صلب الدفاع المقدّس ومعاقبة المعتدي. لم تستطع الديبلوماسية الدولية منع إرهاب العدوّ، ولذلك وجبت معاقبته على جرائمه في مواجهة مباشرة تحت سقف معاقبة العدوان من دون الانزلاق إلى حرب واسعة. المسألة الأساسية التي استشعرتها الولايات المتحدة هي أن الحرب المباشرة بين إيران والعدو الصهيوني تشكّل تحوّلاً كبيراً في مسارات الحرب في غزة ونقلةً صريحة من إطار الحرب الفلسطينية وتاريخ الحروب حول فلسطين، المشهورة تحت عنوان الحرب العربية – الصهيونية، إلى مرحلة الحرب الإسلامية – الصهيونية. وهذا متغيّر استراتيجي واقعي لاعتبارات عدة؛ حيث تمثّل الجمهورية الإسلامية في إيران الدولةَ الإسلامية المعاصرة بالمعنى الدقيق لهذا البيان، ولذلك يشكّل دخولها في الحرب المباشرة مسألة استراتيجية كبرى، حسبت لها الولايات المتحدة ألف حساب في مرحلة دقيقة من الصراع الدولي. وإيران الإسلامية دولةٌ إقليمية كبرى، ولها امتداد إسلامي في الهضبة الإيرانية عامة، من أفغانستان إلى باكستان إلى مجموع دول غرب آسيا. ولها حدود قريبة من روسيا والصين، ولها علاقات كبرى مع كل الدول المحيطة بها وتتمتع بعناصر قوة كبيرة، تجعلها محصّنة من مخاطر الحرب المباشرة عليها، لأنها مرشحة إلى أن تتحوّل إلى حرب شبه دولية كبرى.

ولذلك، كان ردّ العدوّ على الضربة الإيرانية العقابية ردّاً مدروساً بعناية الشروط الأميركية، خشية من توسّع الحرب ضمن إطار عدم القدرة على فتح حرب مباشرة مع إيران، مع استمرار الحرب في مسارها في غزة وفلسطين ومحاور حرب الإسناد في جبهات محور المقاومة.

تعني هذه المعادلة في استراتيجية الحرب أن إيران استطاعت أن تعاقب المعتدي وتلجم عدوانه عليها، وتدفعه إلى الكشف عن ضعف قدراته، ولجوئه إلى حرب الإرهاب الدولي التي يمارسها منذ قيامه وفي مستوى أعلى من الحرب في معناها العسكري المحض، إلى ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، والتفلّت من كل قواعد الحرب في نسختها الرابعة المعروفة بقواعد الجنرال باول. حرب تفوق الحرب التقليدية المعروفة.

الموقف الإيراني أعطى ثماره في مسارات عدة، وشكّل عنصراً أساسياً في المسارات التالية: دعم غزة والدفع نحو إيقاف الحرب العدوانية عليها؛ بمعنى أنه دفع باتجاه إيقاف الحرب في غزة، وقد بلغت أوجها وفشل العدوّ في تحقيق أهدافه العدوانية منها. وكذلك مثّل هذا الموقف دعماً لجبهات المساندة في لبنان واليمن وسوريا والعراق، حيث لم يعد العدوّ قادراً على توسعة هذه الحرب. والموقف الأميركي صريح من كشف هذا الضعف الاستراتيجي في ميزان القوى، المرتبط بأحداث الحرب في غزة وفي جبهات المساندة في كل من لبنان واليمن وسوريا والعراق.

في هذه المعادلة داخل موازين القوى التي أظهرها الموقف الإيراني، ما يفتح المجال للدول العربية أن تضع ثقلها لو أرادت أنظمتها إيقاف الحرب على غزة. الموقف العربي الذي يكتفي بإدارة حركة التفاوض لا يزال مقصّراً عن ملاحقة مجريات الحرب والاستفادة من موازين القوى الجديدة التي كشف عنها الموقف الإيراني وموقف جبهات المساندة من الدول العربية في محور المقاومة. وكذلك الاستفادة من خشية الولايات المتحدة من توسعة الحرب، لأنها تدرك أنها لن تربح فيها وأن هزيمة العدوّ هي عنوان كل حرب إقليمية كبرى لا طاقة له عليها، ولو كان قادراً لما توانى عن الدخول بها منذ أيامها الأولى.

وعليه، هل يستفيد النظام الإقليمي العربي من ميزان القوى في تطورات الحرب؟ هل يحسب أن مصلحة قيامه هي في التضامن العربي الإسلامي في مواجهة العدوّ المحتلّ لفلسطين والقدس؟ سؤال صريح الوضوح، لكن يلزمه نهضة شعبية كبرى تعطي قوة الحياة إلى من تنادي.

* كاتب ووزير سابق

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صواريخ نيسان

  رأي عامر محسن   «جون ميرشهايمر: من الضروري لإسرائيل أن تكون لها الهيمنة المطلقة في حالة التصعيد من أجل الحفاظ على الرّدع … لو ...