عصام هيطلاني
ـ في خطوة أثارت تساؤلات عديدة على الصعيدين الداخلي والدولي ، أدلت وزيرة الخارجية الألمانية ” أنالينا بيربوك ” بتصريحات لافتة غير مألوفة ، وذلك خلال حديثها أمام البرلمان الألماني ، حيث أكدت أن عملية الحوار السورية يجب عدم الإضرار بها ، لا داخليًا ولا خارجيًا ، لأننا إذا أردنا السلام في المنطقة ، لا يجوز الإضرار بالأمن الإقليمي لسوريا. إن احتلال إسرائيل لهضبة الجولان طويل الأمد ، ينتهك القانون الدولي ولا يخدم السلام في المنطقة)
ـ جاءت هذه التصريحات عقب إعلان الحكومة الإسرائيلية عن نيتها زيادة عدد المستوطنين وإقامة مشروعات طويلة الأمد في هضبة الجولان المحتلة ، مما أثار تساؤلات كثيرة حول دوافع الوزيرة ” بيربوك ” الحقيقية
ـ هل كانت هذه التصريحات تكتيكًا سياسيًا مدروسًا يعكس التماهي مع التوجه الأمريكي تجاه العهد الجديد في سوريا ، وبالتالي مقاربة الموقف الألماني من الوضع الراهن في المنطقة ؟ أم أنها تحمل بعدًا انتخابيًا ، وتأتي في إطار محاولاتها تعزيز مواقف حزبها قبل الانتخابات المقبلة ؟
ـ من خلال هذه المقالة ، نحاول استعراض الأبعاد السياسية والتكتيكية لتصريحات الوزيرة في محاولة لفهم خلفيتها وما تحمله في طياتها
التناقض السياسي والموقف الدولي
ـ لا شك أن التصريحات التي أدلت بها ” بيربوك ” بشأن هضبة الجولان المحتلة تتماشى مع المواقف التي عبر عنها العديد من الأطراف الدولية التي تعتبر احتلال إسرائيل للجولان انتهاكًا واضحًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ، مثل قرار مجلس الأمن رقم (497) الذي أكد أن قرار إسرائيل بضم الجولان غير قانوني وغير شرعي . إلا أن دعم الوزيرة القوي لسياسات إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية في مناسبات عديدة سابقة ، يثير الجدل والتساؤلات بشأن هذا التناقض بين حديثها عن احترام القرارات الدولية فيما يتعلق بالجولان ، ودعمها المعلن والمطلق لإسرائيل في قضايا أخرى مثل احتلال فلسطين ، مما يجعل من الصعب فهم وتقبُّل موقفها المتقلب والمتذبذب
ـ إن هذا التناقض الواضح والصريح في مواقف وتصريحات الوزيرة يُثير القلق داخل الأوساط الألمانية بشأن مصداقية سياسة وزيرة الخارجية في الحفاظ على التوازن بين المبادئ التي تُعلنها في الأوساط الحزبية والداخلية والمواقف الرسمية التي تُظهرها على الساحة الدولية ، خاصة في ظل كون القانون الدولي جوهر السياسة الخارجية الألمانية
الدوافع الحقيقية
ـ من الممكن فهم تصريحات الوزيرة “بيربوك” في سياق سياسي داخلي متشابك ، حيث تعد الحكومة الألمانية الحالية حكومة تصريف أعمال ، وبالتالي تمر بمرحلة حرجة يسعى خلالها العديد من الأحزاب الألمانية إلى تعزيز مواقفها استعدادًا للانتخابات القادمة
ـ وفي هذا السياق ، نجد أن وزيرة الخارجية التي تنتمي إلى حزب الخضر، الذي يُعرف بمرتكزاته السياسية المبدئية المناهضة للحروب والمصالح العسكرية ، بالإضافة إلى كونه من أبرز الداعين لحماية البيئة ورفض بيع الأسلحة ومحاربة كل ما يبعث على التلوث البيئي والانبعاثات الحرارية ، قد خرجت عن أحد أهم مرتكزات الحزب (مبدأ السلام والجانب الإنساني) في القضية الفلسطينية
ـ من يعرف الشعب الألماني جيدًا ، يدرك تمامًا مدى قيمة المبادئ الإنسانية التي تحظى بدعم واهتمام كبير من المواطنين الألمان الذين يعتنقون هذه الأفكار ويتأثرون بها ، وهو ما ساهم فعليًا في زيادة تمثيل حزب الخضر في البرلمان الألماني ليصبح شريكًا في الحكومة الألمانية لاحقًا
ـ إضافة إلى ذلك ، يتكون العمود الفقري لحزب الخضر من أعضاء ينتمون إلى أصول متنوعة ، من بينهم عدد كبير من العرب ، حيث يُعد الحزب ملاذًا للجاليات التي تعود إلى أصول مختلفة ، بسبب مبادئه القائمة على الإنسانية والسلام والمناهضة للعنصرية والحروب والتلوث. وهو ما يفسر بشكل أو بآخر محاولات الوزيرة “بيربوك” العودة إلى مبادئ وجذور حزبها ، الذي يواجه إمكانية تراجعه بشكل كبير خلال الانتخابات القادمة ، وفق الإحصائيات التي تشير بوضوح إلى تصاعد حدة الانتقادات الداخلية بسبب مواقف الحزب من قضايا جوهرية وهامة مثل حقوق الإنسان
ـ هذه الانتقادات كشفت عن حجم التناقض الواضح بين مواقف الحزب الداعمة لحقوق الإنسان في العديد من القضايا الساخنة على الساحة الدولية (مثل قضايا حقوق الإنسان في أوكرانيا ) ومواقفه المتساهلة بشكل مفرط وغير إنساني تجاه السياسات العنصرية والقمعية الإسرائيلية في فلسطين المحتلة بشكل عام وفي غزة العزة بشكل خاص
وفي النهاية
، ـ يبدو أن التصريح الذي أطلقته الوزيرة الألمانية ” أنالينا بيربوك ” أمام البرلمان الألماني بشأن هضبة الجولان المحتلة وزيارتها لسجن صيدنايا في سوريا ، وحديثها عما شاهدته وسمعته عن طرق وأساليب التعذيب وتأثرها الإنساني بمجريات الأحداث التي جرت هناك ، أعتقد أنه محاولة يائسة ، ولن يشفع لها التماهي المطلق مع الموقف الأمريكي في استعادة ثقة مؤيدي الحزب الألمان ، إضافة إلى ثقة الجاليات الألمانية التي تنحدر من أصول عربية وأصول متنوعة أخرى
ـ من ناحية ثانية ، يشعر العديد من المواطنين الألمان بأن حزب الخضر قد انحرف عن مبادئه السلمية والإنسانية المناهضة للحروب والاحتلال ، بسبب دعمه المفرط والأعمى للاحتلال الإسرائيلي الذي ارتكب أفظع المجازر الوحشية بحق الشعب الفلسطيني . وبالتالي ، من المتوقع أن تنعكس هذه المواقف سلبًا على نتائج الحزب في الانتخابات القادمة ، وقد يدفع الحزب ثمنًا باهظًا وينال عقابًا شديدًا في صندوق الاقتراع
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم