لؤي حاج صالح
أنا من بلدٍ لا أجرؤ فيها على الكتابة عن واقعنا الداخلي على الفيسبوك دون أن أُعطّل خاصيّة التعليقات، خشيةً من سيلٍ من التعليقات المليئة بالكراهية، لا يخلو أكثرها من الطائفية.
أنا من بلدٍ أخاف فيها أن أُعبّر عن تضامني مع مواطنٍ بريء تعرّض للظلم، لأنّ تضامني سيُفسَّر طائفيًا، إن كان المظلوم من طائفة، والمُتَّهَم من أخرى.
أنا من بلادٍ إذا وقفتُ فيها مع ضحايا مدنيين سقطوا في جريمة ضدّ الإنسانية، سأتَّهَم بالتحيّز، وبادّعاء الإنسانية، لأنني في نظر البعض لم أُظهر نفس التضامن مع ضحايا جريمةٍ أخرى، وهكذا نتبادل الاتهامات بالانحياز، بدل أن نتقاسم الألم.
أنا من بلادٍ إن دعوتُ فيها إلى السلام، والحوار، ووقف القتل وسفك الدماء، ستُعتَبَرْ دعوتي “مشبوهة”، ويُشكَّك في نواياي بسبب توقيت الكلام، وسأُتَّهَم بالتواطؤ مع القَتَلة، أو بالتعاطف مع الخونة، أو بدعم الإرهابيين، أو بمساندة طرفٍ ضدّ آخر.
هل عرفتُم بلدي؟
أنا من بلادٍ أصبح فيها التعاطف الإنساني تُهمة.
في بلدي، لا أستطيع نشر تضامني مع كلّ الضحايا في كلّ وقت، لكثرة المآسي وتتابعها. وإن عبّرتُ عن تضامني مع ضحيةٍ بعينها، قد يستفزّ ذلك بعض أصدقائي. وإن التزمتُ الصمت، اعتُبِر صمتي تواطؤًا أو تجاهلًا.
قمت بتمحيص كلماتي بحذر، لأعلن تضامني المطلق والدائم مع كلّ ضحيةٍ مدنية بريئة تتعرض للأذى الجسدي أو النفسي، للقتل، أو التهجير، أو الخطف، أو التعذيب، أو الإذلال، أو الحصار، أو التجويع، أو التحريض.
حتى لو بدا أيُّ تضامنٍ غيرَ متوازن أو غيرَ شامل، لا ينبغي اعتباره تحريضًا. يمكنك أن تصفه بعدم الحياد، إن كنتَ فعلًا تلتزم الحياد التام في مواقفك الإنسانية.
وإن كنت غير منحازًا في إنسانيتك، فلن يُزعجك أيُّ تضامن، ولن تسارع إلى تأويله أو تصنيفه.
انكمشت أحلامي، و أصبحت طموحي بأن يتوقّف الهجوم على التعاطف الإنساني في بلادي، ويصبح للناس الحقّ في أن يصرخوا من الألم، بلا خوف، وبحرية!
(أخبار سوريا الوطن 1-صفحة الكاتب)