الأخطار التي تواجهها الولايات المتحدة نتيجةَ الانقسام، حزبياً ومجتمعياً، وارتفاع العنصرية، قد تدفع إلى انقسام الجيش.
في مقال لافت ومثير للاهتمام، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، في الـ 17 من كانون الأول/ديسمبر الحالي، مقالاً كتبه ثلاثة جنرالات متقاعدين في الجيش الأميركي، بعنوان “على الجيش الاستعداد الآن لانتفاضة 2024”.
يشير الجنرالات، في مقالهم، إلى القلق الشديد من فكرة “نجاح الانقلاب في المرة المقبلة”، معتبرين أن القلق يتأتّى من أنه “في السادس من كانون الثاني/يناير 2020، شارك عدد مثير للقلق من المحاربين القدامى وأفراد الخدمة الفعلية في الجيش في الهجوم على مبنى الكابيتول”. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 1 من كل 10 من المتهَمين في الهجمات على الكابيتول لديه سِجِلّ خدمة في الجيش.
لذا، يعتبر كتّاب المقال أن التاريخ قد يتكرّر مرة أخرى، وأنه “في انتخابات متنازَع عليها”، مع انقسام الولاءات في الولايات المتحدة، سوف ينقسم الجيش الأميركي، بحيث يتبع البعض أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة “الشرعي”، بينما يتبع البعض الآخر أوامر المرشح الخاسر. ويشير كتّاب المقال إلى “سابقة” رفض الجنرال توماس مانشينو، القائد العام لحرس أوكلاهوما الوطني، أمراً من الرئيس بايدن يقضي بتلقيح جميع أفراد الحرس الوطني ضد فيروس كورونا. ادّعى مانشينو أن قائده العام هو الحاكم الجمهوري للولاية، وليس الرئيس بايدن.
كاتبو المقال، أي الجنرالات الثلاثة المتقاعدون، ليسوا وحدهم من حذّر من إمكان أن يقوم ترامب والحزب الجمهوري بانقلاب في حال خسرا الانتخابات عام 2024. في وقت سابق، كانت مجلة The Atlantic حذّرت من أن “انقلاب ترامب المقبل بدأ بالفعل”، مؤكدة أن “الـ 6 من كانون الثاني/يناير كان مجرد تمرين، وأن الحزب الجمهوري، بقيادة دونالد ترامب، بات في وضع أفضل كثيراً لتخريب الانتخابات المقبلة”. ويشير كاتب المقال في “أتلانتيك” إلى أنه، لأكثر من عام حتى الآن، وبدعم ضمني وصريح من قادة الحزب، يبني الجمهوريون أجهزة لسرقة الانتخابات. ويضيف “لقد درس المسؤولون المنتخَبون في أريزونا وتكساس وجورجيا وبنسلفانيا وويسكونسن وميتشيغان وولايات أخرى، حملة دونالد ترامب الشاملة لإلغاء انتخابات 2020، ودرسوا نقاط الفشل، واتَّخذوا خطوات ملموسة لتجنب الفشل في المرة المقبلة”.
إلى أيّ مدىً تبدو هذه الهواجس محقّة؟
– واقعياً، وعلى الرغم من أن الانقسام والتنوع هما سمة الولايات المتحدة الأميركية اللافتة، فإنه منذ مجيء ترامب إلى الحُكم في الولايات المتحدة، ارتفع منسوب الشعبوية وبثّ الكراهية بين المجتمعات المتعددة في الولايات، وتَرَسَّخ الانقسام العمودي على نحو لم يسبق له مثيل.
– يُضاف إلى ما سبق، أن التطورات التي حدثت بعد “غزوة الكابيتول”، وعدمَ قيام المؤسسات الأميركية بمحاسبة أي مسؤول قام بتحريض المتظاهرين على العنف والشغب، تدفع إلى التساؤل بشأن الرسالة التي يمكن استخلاصها من الإفلات من العقاب الذي حدث سابقاً، ومدى إمكان تكراره في المستقبل.
– إن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان أعطى انطباعاً عن فشل قيادة المؤسسة العسكرية الأميركية واستخباراتها في التخطيط والتنفيذ، والأهم: التنبّؤ.
– إن الأزمات الاقتصادية تولّد عادة إمكاناً في تجذُّر الشعبوية ونجاحها وتوسّعها. هذا ما حدث في إثر الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، بحيث ارتفع منسوب الحنق الشعبي الأميركي على المؤسسة السياسية الأميركية، على نحو غير مسبوق، وخصوصاً بعد أن قام البنك الفيدرالي، بدعم من الكونغرس والحزبين الجمهوري والديمقراطي، بتعويم البنوك ومؤسسات “وال ستريت”، وتمّ ترك الطبقات الفقيرة والمتوسطة لمصيرها بعد أن انهارت الأسهم وفقد المواطنون بيوتهم ومدَّخراتهم.
اليوم، في موازاة ارتفاع الشعبوية، وتجذّر الانقسام المجتمعي نتيجة عدة عوامل، تعاني الولايات المتحدة الأميركية ارتفاعَ معدّل التضخم إلى 6.8٪ في عام 2021، وهو أعلى مستوى منذ عام 1982. منذ إعلان إنهاء حالات الإغلاق بسبب كورونا في الصيف الماضي، ارتفعت الأسعار على نحو كبير في عدد من القطاعات، بما في ذلك الغاز والغذاء والسكن.
يُعيد عدد من الخبراء الاقتصاديين أسباب التضخّم الكبير هذا إلى السياسات التي يتَّبعها المركزي الفيدرالي، بينما يقول آخرون إن سياسة توزيع الأموال الهائلة التي قامت بها إدارة الرئيس بايدن، بعد إجراءات كورونا، هي السبب في ذلك التضخم، وإنها أدّت إلى بطالة مقنّعة لم يسبق لها مثيل.
بناءً عليه، وبما أن الأخطار التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية نتيجة الانقسام، حزبياً ومجتمعياً، وارتفاع العنصرية، وهي أخطار حقيقية، وقد تدفع إلى انقسام الجيش الذي يبدو اليوم مرآة للمجتمع المنقسم، بعد أن كان المؤسسةَ التي لا تتأثر بالخلافات الحزبية، والتي نأت بنفسها دائماً عن الصراع الحزبي الأميركي… نتيجة لتلك الأخطار الداخلية، والخوف من انقسام الجيش، قد تحتاج المؤسسات الأميركية إلى تصدير أزماتها إلى الخارج. وهكذا، تغدو الحاجة إلى خلق عدو في الخارج أكثر إلحاحاً، وذلك من أجل إعادة اللُّحمة إلى الداخل، وتخطّي الانقسامات الداخلية في المجتمع والجيش. وبناءً عليه، وفي ظل حاجة المؤسسة الأميركية الحاكمة إلى عدوّ لتصدير أزماتها، يُخشى أن تتورّط الولايات المتحدة الأميركية، ومعها حلف “الناتو”، في توتّرات عسكرية مع كل من الصين وروسيا.
(سيرياهوم نيوز-الميادين24-12-2021)