يقوم الرئيس الامريكي جو بايدن في الوقتِ الرّاهن بجولةٍ في أوروبا تستغرق ثمانية أيّام وتشمل ثلاث محطّات رئيسيّة، الأولى بريطانيا حيث يُشارك حاليًّا في قمّة الدّول السّبع الرأسماليّة الكُبرى “G7″، ثم يطير بعدها إلى بروكسل يوم الاثنين لحُضور قمّة حلف “النّاتو”، وستكون جنيف المحطّة الأخيرة يوم الأربعاء المُقبل، حيث سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
طِوال هذه القمم الأوروبيّة الثّلاث سيكون جسم بايدن في أوروبا، ولكنّ عقله في شرق آسيا، والصين على وجه الخُصوص، ولا نُبالغ إذا قُلنا إنّ هذه الجَولة الأوروبيّة واللّقاءات التي ستتم في محطّاتها الهدف منها التّركيز على هدفٍ واحد عُنوانه كيفيّة التّعاطي مع هذا التنّين الصيني الذي يَصعَد بقوّةٍ واقتِدار، إلى قمّة الزّعامة في العالم والإطاحة بأمريكا التي تتربّع على عرشه.
مُضيفو بايدن في القارّة الأوروبيّة يُدركون هذه الحقيقة جيّدًا، مثلما يُدركون أنّ قارّتهم لم تَعُد تحظى بالأولويّة بالنّسبة إلى جميع رؤوساء أمريكا بِما فيهم الرئيس بايدن نفسه، رُغمَ أنّ الأخير ألغى بعض سِياسات سلفه دونالد ترامب المُعادية والابتزازيّة لها، خاصّةً قرار تخفيض أعداد القوّات الأمريكيّة في ألمانيا، وإضعاف حلف “النّاتو”.
الرئيس بايدن سيعمل في قمّة حِلف “النّاتو” في بروكسل يوم الاثنين على مُحاولة إحياء الحِلف مُجَدَّدًا، في إطار سياسته لمُواجهة الصين، وحليفتها روسيا، ولهذا اتّخذ مواقف أكثر مُرونةً تُجاه المصالح الأوروبيّة عندما تراجع عن مُعارضته خطّ غاز “نورد ستريم” الذي يَمتَدُّ من روسيا إلى ألمانيا عبر الأراضي الأوكرانيّة مُراعاةً لمصالح الأخيرة، أيّ ألمانيا، وتبنّي لهجة تصالحيّة لتعزيز العُلاقات الأوروبيّة الأمريكيّة ومُواجهة التّحدّيات التي تَقِف في طريقها وأبرزها التّحدّي الروسي العسكري في أوكرانيا، واعتِراض روسيا البيضاء طائرة أوروبيّة واعتِقال مُعارض “بيلاروسي” كان على متنها، وكذلك مرحلة ما بعد سحب القوّات الأمريكيّة وحلف “النّاتو” من أفغانستان، وكيفيّة مُواجهة الفراغ الاستراتيجي الذي سيتَرتّب على ذلك.
أنْ يُرجِئ الرئيس بايدن لقاء القمّة الذي سيجمعه مع بوتين في جنيف لكيّ يكون المحطّة الأخيرة في جولته الأوروبيّة، فهذه خطوةٌ مدروسة، لكيّ يستطلع آراء ونصائح، ومطالب حُلفائه الأوروبيين أوّلًا، ويضَع الخُطوط العريضة لتحديث حِلف النّاتو ورَصِّ صُفوفه، وإخراجه من حالةِ التَّرهُّل التي يعيشها ثانيًا، وبحث كيفيّة زعزعة التّحالف الروسي الصيني المُتسارِع ثالثًا.
أكثر ما يُقلِق القادة الغربيين، وعلى رأسهم الرئيس بايدن، هو الخطر التّكنولوجي الصيني، والتّقدّم الصيني الكبير في ميدان الذّكاء الصّناعي، وبناء الصين قوّة اقتصاديّة كُبرى، مدعومة بأُخرى عسكريّة يَتَوقّع المُراقبون أن تتفوّق على نظيرتها الأمريكيّة في سنواتٍ قليلةٍ قادمة.
لا نُريد أن نَستَبِق الأحداث، ونُقيّم هذه الجولة الأهم للرئيس الأمريكي الجديد خارج الولايات المتحدة مُنذ تولّيه السّلطة، فمِنَ السّابق لأوانه التّطرّق إلى نتائجها المُتَوقَّعة، وكُل ما يُمكِن قوله، أو التّنبّؤ به، أنّ الضّرر الذي ألحقه ترامب ببلاده طِوال السّنوات الأربع من حُكمه كان كبيرًا جدًّا، وأنّ التّحالف الصيني الروسي أكثر صلابةً من مُحاولات بايدن إضعافه، أو منعه، تطبيقًا لوصيّة هنري كيسنجر له، أيّ لبايدن، وجوهرها أنّ هذا التّحالف أكبر خطر حقيقي للعالم الغربي ولا بُدَّ من منعه مهما كلّف الأمْر.. واللُه أعلم.
سيرياهوم نيوز 6 – راي اليوم