آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » هل خسر بوتين الشرق الأوسط للأبد؟

هل خسر بوتين الشرق الأوسط للأبد؟

د. حامد أبو العز

لقد كشفت التطورات الأخيرة في سوريا والشرق الأوسط وأوكرانيا عن مسعى استراتيجي من جانب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتقليص نفوذ روسيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وفي حين يبدو ظاهريًا أن الإجراءات التي تتخذها إسرائيل في سوريا تهدف إلى تعطيل محور المقاومة والحد من تسليح حزب الله عبر القنوات السورية، فإن التحليل الأعمق يكشف عن جهد متضافر من جانب كل من تل أبيب وحكومة أنقرة، باعتبارهما امتدادًا لمصالح الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لإخراج روسيا من موطئ قدمها المحوري والتاريخي في البحر الأبيض المتوسط.

يتمتع البحر المتوسط ​​بأهمية استراتيجية هائلة، حيث يعمل كقناة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، ويوفر الوصول إلى الطرق البحرية الحيوية. بالنسبة لروسيا، فإن الحفاظ على وجودها في هذه المنطقة أمر حيوي لإبراز القوة وحماية مصالحها الجيوسياسية. ويمثل ميناء طرطوس في سوريا المرفق البحري الوحيد لروسيا في البحر المتوسط، مما يؤكد أهميته في الاستراتيجية العسكرية لموسكو.

كان الصراع السوري مسرحًا تتنافس فيه قوى عالمية وإقليمية مختلفة على النفوذ. إن التدخل العسكري الروسي لدعم نظام بشار الأسد لم يكن يهدف إلى الحفاظ على حليف فحسب، بل كان أيضاً يهدف إلى تأمين أصولها الاستراتيجية في المنطقة. ولكن سقوط نظام الأسد مؤخراً، كان سبباً في تغيير ميزان القوى بشكل ملحوظ. حيث عرّض القاعدة البحرية الروسية في طرطوس للخطر، وبالتالي هدد وصولها إلى البحر الأبيض المتوسط.

وفي الوقت نفسه، أدى الصراع في أوكرانيا إلى زيادة الضغوط على الموارد العسكرية الروسية ومكانتها الدولية. فقد أدى ضم شبه جزيرة القرم والحرب الجارية في شرق أوكرانيا إلى فرض عقوبات شديدة وعزلة دبلوماسية من جانب الدول الغربية. ويشير تعزيز حلف شمال الأطلسي لجناحه الشرقي، من خلال زيادة الانتشار في الدول الأعضاء المتاخمة لروسيا، إلى موقف قوي وعدواني ضد روسيا. وقد وضع هذا التحدي المزدوج ــ المشاركة العسكرية في أوكرانيا وتآكل النفوذ في الشرق الأوسط ــ روسيا في موقف استراتيجي محفوف بالمخاطر.

إن الدور الذي تلعبه تركيا في لعبة الشطرنج الجيوسياسية هذه جدير بالملاحظة بشكل خاص. فمن خلال دعم الفصائل السورية وممارسة النفوذ على شمال سوريا، وضعت تركيا نفسها كلاعب رئيسي في إعادة تشكيل ديناميكيات المنطقة. ويتماشى هذا التحرك مع الهدف الأوسع لحلف شمال الأطلسي المتمثل في الحد من النفوذ الروسي، حيث تعمل تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، كجسر بين المصالح الغربية وشؤون الشرق الأوسط. وقد أدت التطورات الأخيرة في سوريا، والتي سهلها جزئيًا الدعم التركي، إلى تهميش المواقف الروسية في المنطقة.

في هذا المشهد الجيوسياسي المعقد، تستحق تحركات إسرائيل أيضًا الاهتمام. لم تهدف الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت خطوط إمداد حزب الله في سوريا إلى إضعاف المجموعة فحسب، بل تحدت أيضًا المصالح الروسية بشكل غير مباشر. وعلاوة على ذلك، يعكس تنسيق إسرائيل مع الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في حلف شمال الأطلسي مصلحة مشتركة في الحد من النفوذ الروسي في الشرق الأوسط ومحاولة تصفيته.

نظرًا لهذه التطورات، فمن الضروري أن تعيد روسيا تقييم استراتيجيتها في المنطقة. تاريخيًا، حافظت روسيا على درجة من المشاركة مع لبنان، غالبًا من خلال قنوات غير مباشرة. ومع ذلك، فإن التحولات الجيوسياسية الحالية تتطلب نهجًا أكثر مباشرة. إن الانخراط في مفاوضات مباشرة مع لبنان وتقديم الدعم العسكري لحزب الله بشكل غير مباشر يمكن أن يخدم أغراضًا متعددة هي تعزيز نفوذ روسيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، وموازنة جهود الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

إن مثل هذه الخطوة من شأنها أن ترسل رسالة واضحة إلى كل من الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية حول التزام روسيا بالحفاظ على مصالحها الاستراتيجية. كما أنها ستوفر للبنان مصدرًا بديلًا للدعم العسكري، مما قد يؤدي إلى استقرار المنطقة من خلال ردع الإجراءات الأحادية الجانب من قبل جهات فاعلة أخرى.

إن النافذة التي يمكن لروسيا أن تتحرك من خلالها تضيق. فقد أدت التغيرات السريعة في سوريا والصراع الدائر في أوكرانيا إلى خلق بيئة متقلبة حيث قد يؤدي التأخير إلى المزيد من تآكل النفوذ. ويتعين على الاستراتيجيين الروس أن يدركوا بسرعة مدى إلحاح الموقف وأن ينفذوا التدابير اللازمة لحماية مصالح بلادهم. وهذا لا يستلزم المبادرات العسكرية والدبلوماسية فحسب، بل يستلزم أيضا الاستفادة من الروابط الاقتصادية والثقافية لتعزيز التحالفات وبناء شراكات جديدة في المنطقة.

وفي الختام، تؤكد الاضطرابات الأخيرة في سوريا، إلى جانب الصراع المطول في أوكرانيا، على الجهود المتضافرة التي تبذلها الولايات المتحدة وحلف الناتو وإسرائيل لتقليص الوجود الروسي في البحر الأبيض المتوسط. ولمواجهة هذا، يتعين على روسيا أن تتبنى استراتيجية استباقية ومتعددة الأوجه، مع كون المشاركة المباشرة مع لبنان عنصرا محوريا. والآن هو الوقت المناسب لاتخاذ إجراءات حاسمة، حيث يقدم المشهد الجيوسياسي المتطور بسرعة تحديات وفرصا من شأنها أن تشكل مستقبل ديناميكيات القوة الإقليمية والعالمية.

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

سوريا القديمة اختفت.. لكن سوريا الجديدة لم تولد

كمال خلف سوريا القديمة اختفت، لكن سوريا الجديدة لم تولد، اتفق مع هذا التوصيف للواقع السوري بعد سقوط النظام، وهو توصيف لرئيسة المفوضية الأوروبية ” ...