تتناسل التقارير الإعلامية عن بدء دخول أرتال الجيش التركي إلى ريف اللاذقية الشمالي، وهو ما أشار إليه نشطاء سوريون، ومواقع سورية محلية بنشر مقاطع فيديو لهذه القوات التركية، مؤكدين أن تلك الخطوة تأتي في سياق التوسّع التركي داخل الأراضي السورية، واستكمال مُحاولات “التتريك الناعمة”، لكن هذا التواجد التركي تباينت الأنباء حول شكل وجوده، والحديث يجري عن تواجد مخابراتي تركي في المنطقة.
حماية العلويين أم سحق الأكراد؟
تقول الأوساط السورية إن تلك الخطوة التركية باتجاه الساحل السوري، تأتي لتقديم تركيا كحامية للعلويين، والذين يسعون (العلويون) للتواصل مع فرنسا للحماية، يكتب الصحفي السياسي محمد هويدي شارحًا عبر حسابه في “إكس” يقول: “تسعى تركيا من خلال هذه الخطوة إلى منع التدخّل الفرنسي والإسرائيلي في الساحل، وتقديم نفسها كحامية للعلويين، ما يُتيح لها تعزيز نفوذها في شرق المتوسط، في الوقت ذاته، تحرص أنقرة على منع الأكراد من الوصول إلى منفذ بحري، مما يضاعف تعقيد المشهد هذا الصراع الجيوسياسي يعكس لعبة نفوذ كبرى تدور رحاها داخل سوريا، لكن للأسف، ثمنها يدفعه الشعب السوري”.
هل دخل الجيش التركي سورية؟
المشهد الثابت والأكيد في رواية التواجد التركي باللاذقية، بأنه جرى رفع العلم التركي احتفالًا بعودة طارق صولاق إلى منطقة ريف اللاذقية، وصولاق مُقاتل “سوري-تركي” شارك مع عناصر من فرقته أمس بالاحتفالات وأدى صلاة الجمعة كما ألقى كلمة، وظهور فرقته التي ترتدي زيًّا عسكريًّا مُشابهًا للزي العسكري التركي أوحى بوجود جنود من الجيش التركي في المنطقة، وهي مقاطع مُوثّقة جرى بثها إعلاميًّا كما رصدت “رأي اليوم”، وهذا لا ينفي بطبيعة الحال وجود الاستخبارات التركية في سورية.
التركمان السوريون والشعار العثماني
وترفع تركيا شعار حماية التركمان، وكانت تقول إن النظام السوري السابق قد أهملهم، وكان المقاتلون التركمان من الأوائل الذين رفعوا الشعار التركي القديم المصبوغ باللون الأزرق (التركوازي)، إضافة إلى الشعار العثماني المعروف لدى الشعب التركي، وهُم من أوائل القرى التي وقفت عسكريًّا ضد الدولة السورية السابقة.
وقبل سُقوط نظام الأسد، كان يُقسّم التركمان في الساحل إلى قسمين، أحدهما يدعى “الباير” وهم يسكنون في القرى الجبلية القريبة من تركيا، كقريتي شحرورة وربيعة الواقعتين تحت سيطرة المُعارضة قبل سُقوط الأسد، والقسم الآخر يدعى “البوجاق” وهم الذين يقطنون في القرى البحرية، كقرية برج سلام القريبة من القصر الجمهوري في اللاذقية.
مُحاولات تتريك ناعمة؟!
وفي سياق متصل بمحاولات التتريك الناعمة، أكّد موقع “نورث برس” السوري استيلاء شركة اتصالات تركية مُنذ أسبوع على مبنى البريد وسط مدينة حلب، ومنذ فترة، بدأت شركة اتصالات تركية تفتتح فروعاً لها في معظم المدن بـ الشمال السوري في إطار خطّتها للتوسّع في باقي المناطق السورية.
وقالت مصادر محلية، إن الشركة التركية افتتحت عدّة فروع لها في مدينة عفرين شمال حلب وكان آخرها مبنى البريد وسط المدينة بعد أن استولت عليه.
كل هذه المشاهد، تقدمها تركيا في سياق تقديم المساعدات لسورية، وبالتنسيق مع حكومة هيئة تحرير الشام، التي ساندتها في إسقاط نظام الأسد والوصول للعاصمة دمشق.
كرم تركي إنساني!
وتُبدي حكومة دمشق الجديدة انفتاحًا لافتًا على تركيا، حيث أكّد أحمد الشرع قائد الإدارة السورية الجديدة بأن بلاده “ستظل مدينة لهذا الكرم التركي الإنساني”، وقال الشرع تفصيلًا: “لقد لجأ السوريون إلى العديد من الدول، لكن الشعب التركي كان الأكثر احترامًا وتقديرًا لمُعاناتهم، نأمل أن تظل سوريا مدينة لهذا الكرم الإنساني”.
تركيا خطر على الأمن القومي السوري كيف؟
وذكرت صحيفة “ديلي صباح” التركية، أنّ تركيا ستبدأ في طباعة بطاقات هوية وجوازات سفر ورخص قيادة جديدة للمواطنين السوريين، وقالت الصحيفة إنّ المؤسسات التركية “تعمل على تلبية طلبات الإدارة الجديدة في سوريا، والتي تشمل طباعة الوثائق الرسمية”.
ويُحذّر خبراء تقنيون من خطورة تسليم بيانات السوريين لطباعتها في تركيا، فجميع بيانات المواطنين والمقيمين في سوريا ستكون بيد الدولة التركية، ممّا يُشكّل تهديدًا كبيرًا للأمن القومي السوري، لكن هذه المخاوف اختُزلت وبُرّرت كما تقول قناة “سي إن إن تورك” بوجود المشكلات في البنية التحتية السورية، وعليه لا يُمكن طباعة المستندات الرسمية كالبطاقات الشخصية وجوازات السفر ورخص قيادة السيارات، لذا طلبت الإدارة السورية الجديدة الدعم لطباعة هذه الوثائق في تركيا.
نفوذ إيراني ثم تركي وليرة الأسد
وفيما كان المُعارضون لنظام الأسد، ينتقدون تمدّد نفوذ إيران في سورية، يأتي الحكم الجديد ليفتح الباب أمام النفوذ التركي في سورية واسعًا على جميع الأصعدة، وصولًا حتى للعملة النقدية السورية الجديدة، فقد صرّح وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، أن تركيا ستقدم المساعدة للسلطات السورية الجديدة في طباعة أوراق نقدية جديدة، وذلك في إطار التعاون بين البلدين.
وتُستخدم الليرة التركية في عدد من المدن السورية، تحت مبررات عدم الرغبة باستخدام عملة نقدية تحمل صورة الرئيس السوري السابق بشار الأسد التي كانت مطبوعة في روسيا.
أردوغان والصّدفة.. كيف سيرفع الأيادي عن سورية؟
ولا يبدو أن المُساعدة التركية لسورية الجديدة كما وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تأتي في سياق العواطف الجيّاشة المُتضامنة مع سورية فقط، فأردوغان أقرّ أن بلاده موجودة في سورية، وتُشارك في الأحداث وتتدخّل بها، مؤكدًا أنه لا يترك شيئًا للصدفة أو الحظ، وجاء ذلك التصريح الجمعة من مدينة قونيا، خلال فعالية المؤتمر الإقليمي العادي بنسخته الثامنة لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
الأربعاء الماضي، قال أردوغان، إنه على جميع الدول “رفع أياديها” عن سوريا، مشيرًا إلى أن تركيا قادرة على سحق كل “المنظمات الإرهابية”، بما فيها “المقاتلون الكرد”، طبقًا لكلامه.
علّق ماركو روبيو، المرشح لتولي وزارة الخارجية في إدارة دونالد ترامب الذي سيبدأ ولايته الرئاسية الجديدة، الاثنين المقبل، على الدور الذي يلعبه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا، واصفا إياه بأنه يعيق تحسّن الأوضاع في الشام، وأكد روبيو، أن إدارةَ ترامب ستتواصل فورَ بدء أعمالها مع أردوغان لثنيه عن اتخاذ أي خطوة ضد الكرد في سوريا، فيما شدّد على ضرورة استمرار دعم واشنطن لـ “قوات سوريا الديمقراطية”.
تُطرح تساؤلات حول أي مدى يستطيع أردوغان الاصطدام مع أمريكا ترامب، فيما إذا ذهبت بعيدًا في تقديم الدعم للأكراد، وهل سيزج بالجيش التركي ليُجبر كل الدول كما قال على رفع أياديها عن سورية، دفاعًا عن حلفائه الجدد الإسلاميين القابعين اليوم في دمشق، أم أن أمره يتعلّق في طمأنته بخُصوص مخاوفه من الأكراد، لا سلامة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية؟
دمشق وحلب وإدلب وحماة “مُحافظاتنا التركية”
وكان أردوغان قد أثار جدلًا سابقًا قد لا يُخفي مخاوف نوايا بلاده ضم مدن سورية إلى الأراضي التركية في المُستقبل بعد سُقوط نظام الأسد، حيث قال أردوغان في خطابه: “لا يسألون أنفسهم، ماذا لو كانت الظروف مُختلفة، بينما كانت الحرب العالمية الثانية تُعيد رسم الحدود، فمن المُحتمل أن تكون المدن التي نسمّيها حلب وإدلب وحماة ودمشق والرقة من مُحافظاتنا مثل عنتاب وهاتاي وبورصة”.
بكُل حال، تنفي تركيا رغبتها بإعادة استعمارها العثماني لسورية، وتؤكد أن للسوريين حريّة القرار واختيار المصير، ولكن حتى تحقيق ذلك، تحتاج حكومة دمشق الجديدة كما قال الشرع إلى 3 سنوات لكتابة الدستور، و4 حتى إجراء انتخابات رئاسية، وحتى ذلك الحين ستبقى كُل المراحل الانتقالية السورية في سياق التعاون مع الأتراك، والذين جرى حذف الإساءة إليهم للمُفارقة من مناهج الدولة السورية السابقة حتى قبل مُرور شهر على سُقوط نظام الأسد، يلفت مُعلّقون!
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم