عبد الباري عطوان
رغم تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبيّة ضدّ إقرار الكنيست الإسرائيلي التعديلات القضائيّة، وتفاقم حالة التمرّد في أوساط طيّاري، وضبّاط، وجُنود الاحتِياط في الجيش الإسرائيلي، فإنّ أكثر ما يُقلق بنيامين نِتنياهو هذه الأيّام هو حالة التوتّر المُتصاعدة على الحُدود مع لبنان، وتهديدات السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، وتحذيراته برَدٍّ قويٍّ على أيّ “حماقةٍ” إسرائيليّة، ومُطالبته لنِتنياهو بسحب قوّاته فورًا من الجُزء اللّبناني من قرية الغجر، وإلّا عليه تحمّل العواقِب، وذلك في خِطابه الأخير الذي ألقاه بمُناسبة العاشر من شهر محرّم (عاشوراء).
نِتنياهو، وتأكيدًا لما تقدّم، عقد اليوم الأحد اجتماعًا طارئًا مع وزير دِفاعه الجِنرال يواف غالانت، وكِبار قادة الأسلحة في الجيش الإسرائيلي لبحث هذه التهديدات، وكيفيّة إزالة الخِيام التي نصَبها مُقاتلو “حزب الله” في مزارع شبعا في تحدٍّ واضحٍ، وتأكيدٍ على جاهزيّة حزب الله، على الرّدع، والتصدّي بقُوّةٍ لأيّ عُدوانٍ إسرائيليّ.
كان لافتًا من خِلال مُتابعة ما نُشِر عن الاجتماع، ومن التّصريحات التي سبقته وتلته، تمسّك نِتنياهو بغطرسته، لإخفاء عجزه وخوفه، من الإقدام على أيّ اشتباكٍ مع قوّات المُقاومة الإسلاميّة، لِمَا يُمكن أن يترتّب على ذلك من نتائجٍ “مُزَلْزِلَةٍ” في غير صالح جيشه “المُهَلهل” المُدمّر معنويًّا، والمُنقسم داخليًّا، خاصّةً عندما قال “من الأفضل لنصر الله أن لا يختبر قُدرات الجيش الإسرائيلي، ويجب عليه أن يتجنّب وضع تل أبيب في الاختِبار، لأنّ الإسرائيليين سيقفون معًا كتفًا لكتفٍ في هذه الحالة”.
***
الأمر المُؤكّد أن ذاكرة نِتنياهو بدأت تَدخُل مرحلة النّسيان، وربّما الخرف، ربّما بسبب تقدّم سنّه، وضخامة الضّربات الداخليّة التي تنهال على رأسه، والعُزلة الدوليّة والشعبيّة الداخليّة التي يعيشها، وتُؤكّد للعالم بأسْره بدء العد التّنازلي لانهِيار دولته العُنصريّة.
حتّى لا نُتّهم بالإغراق في العُموميّات، “نُذكّر” نِتنياهو وجِنرالاته أن “حزب الله” وجُمهوره الواسِع سواءً في لبنان، والعالمين العربيّ والإسلاميّ، يعيش هذه الأيّام ذِكرى حرب تمّوز عام 2006، التي اشتَعل فتيلها عندما “اختبر “حزب الله” تل أبيب وقيادتها وجيشها وجرّها إلى مِصيَدةِ هذه الحرب بخطفه جُنودًا إسرائيليين، وهزَمَها وأذلّ جيشها الذي كان يتباهى بأنّه مُحصّنٌ من الهزيمة، ولا يُمكن قهره أيضًا، واعترف تحقيق لجنة “فينوغراد” بهذه الهزيمة الفضيحة، ونتائجها، وبحُدوث 156 إخفاقًا، والنّص موجود على الإنترنت لمن يُريد الاطّلاع عليه.
المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة اختبرت دولة الاحتِلال في وضحِ النّهار، وفي حرب تمّوز عام 2006، وجاء الدّور الآن على نِتنياهو وجيشه لاختِبار قُدرات “حزب الله”، وإذا كان “قَدّها”، فليتَفَضّل ويُرينا مراجله، وإذا لم يفعل، ونحنُ على ثقةٍ أنه لن يفعل، فعليه بالتِزام الصّمت، والكفّ عن إطلاق التّهديدات الفارغة التي لا تُخيف عُصفورًا في جنوب لبنان، والضّاحية الجنوبيّة.
***
قوّات المُقاومة نصبت خيمتين في مزارع شبعا، واحدةٌ في الجُزء المُحتلّ منها، ورفضت قِيادتها كُلّ المطالب والتّهديدات الإسرائيليّة بإزالتهما، أو واحدة منها في الشّق المُحتل على الأقل، فلماذا لا يُرسل نِتنياهو قوّاته لإزالتها بالقُوّة؟
وربّما مثلما كانت واقعة خطف الجُنديين الإسرائيليين من قِبَل أحد خلايا المُقاومة وبتخطيطٍ من الشّهيد عماد مغنية مِصيَدةً لاصطِياد الجيش الإسرائيلي، واستِدراجه إلى حرب تمّوز المُباركة، لا نستبعد أن تكون خيمتا مزارع شبعا هُما المِصيَدة الثانية للإيقاع بالجيش الإسرائيلي، وهذا ما يُفَسِّر “جعجعة” نِتنياهو الخالية من أيّ طحنٍ، وتردّده طِوال أكثر من شهرين من إرسال قوّاته لاقتِلاعهما، لأنّه يعلم جيّدًا أن 150 ألف صاروخ ومِئات المُسيّرات، ستكون جاهزة لدكّ مقرّ حُكومته في تل أبيب، والأهم من هذا وذاك، أنّ “كتائب الرضوان” ستكون جاهزةً لاقتِحام الحُدود، وتحرير الجليل وربّما ما بعد الجليل.. والأيّام بيننا.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم