آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » هل سيعمّق رفع أسعار الكهرباء أزمة معيشة الفقراء؟ المواطن يواجه الظلام بمعنى جديد..ليس فقط غياب الضوء بل غياب العدالة في توزيع عبء النور!!

هل سيعمّق رفع أسعار الكهرباء أزمة معيشة الفقراء؟ المواطن يواجه الظلام بمعنى جديد..ليس فقط غياب الضوء بل غياب العدالة في توزيع عبء النور!!

هلال عون:

 

فجأة وجد المواطن السوري، وخاصة صاحب الدخل المحدود نفسه أمام أرقام غير مألوفة على فواتير الكهرباء، تم تطبيقها بدءاً من هذا الشهر.

 

 

 

الأرقام تجاوزت -وفق آراء المراقبين- قدرةَ الغالبية الساحقة على الدفع.

 

القرار الحكومي الأخير برفع أسعار الكهرباء عشرات الأضعاف أثار موجة انتقادات واسعة، وفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول ما إذا كان خطوة إصلاحية ضرورية؟ أم مغامرة اقتصادية غير محسوبة بشكل جيد؟ البعض يرى أن رفع أسعار الكهرباء ليس مجرّد قرار عابر، بل هو محطة ضمن مجموعة محطات سيمر فيها اقتصادنا أثناء تحوله إلى اقتصاد السوق الحر.

 

وبين من يعتبر القرار “مراهقة اقتصادية” ومن يعتبره “ضرورة واقعية”، يبقى المواطن السوري الخاسر الأكبر، فهو محاصر بين ارتفاع الأسعار وتآكل الدخل، وبين الحاجة اليومية إلى النور والقدرة على تحمّل تكلفته.

 

في هذا التحقيق نتابع آراء المواطنين والخبراء وردود فعلهم ومقترحاتهم..

 

 

 

بين تفهّم الضرورة ورفض التوقيت

في مقال نشره الباحث الاقتصادي عصام تيزيني، على صفحته على الفيسبوك، وصف القرار بأنه تجلّ لحالة من الارتباك الاقتصادي وغياب البوصلة الاجتماعية لدى الحكومة.

 

وانتقد تيزيني سلسلة من القرارات التي صدرت في الشهر الماضي، ورأى أنها موجعة وغير مدروسة، وأبرزها، قرار رفع أسعار الكهرباء المنزليّة بشكل صارخ، وقبله قرار السماح بتصدير خردة المعادن الناتجة عن الدمار، رغم حاجة البلاد الماسّة إليها في مرحلة إعادة الإعمار.

 

وطالب تيزيني المسؤولين بدراسة قراراتهم قبل إقرارها.

 

وقال: “ليس من الحكمة أن تكون فاتورة اليوم بضعة آلاف لتصبح غداً عشرات الآلاف”.

 

رجل الأعمال والخبير الاقتصادي أحمد الزيات، قارن التجربة السورية بنموذج بلدان الخليج، حيث الكهرباء في الإمارات للمواطن مجانية بالكامل، وسعر الكيلو ينخفض مع زيادة الاستهلاك، ولا يرتفع.

 

وهناك حكمة في إدارة الموارد، بينما نحن نرى رفعاً مفاجئاً بلا تفسير واضح”.

 

أما الخبير المصرفي محمد الخطيب فعبّر عن تأييده لفكرة رفع الدعم العام “غير الموجّه”، لكن بشرط إصلاح هيكل الدخل أولاً، حيث قال: “أنا مع رفع الدعم العشوائي بالمطلق، ولكن كنت أتمنى أن يتم ذلك بعد إصلاح الرواتب والأجور، إذ لا يمكن مطالبة الناس بتحمل الأسعار الجديدة، بينما دخولهم لا تكفي الأساسيات”.

 

 

 

في المقابل، طرح رجل الأعمال محمد ركاد حميدي وجهة نظر مختلفة، رأى فيها أن الحكومة بوصفها تعمل ضمن ظروف قاهرة من شح الموارد، وقال: علينا أن ننظر من وجهة نظر الدولة أيضاً، الجميع يعلم حجم الندرة في الموارد، فهل نبقى نستجدي المساعدات من هنا وهناك؟ سوريا يجب أن تنهض بقدراتها الذاتية”.

 

وأضاف: إن النقاشات تميل إلى النقد دون تقديم حلول عملية، داعياً إلى “شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع”، معتبراً أن “الإرادة موجودة، لكن الأدوات ناقصة”.

 

لا يمكن معالجة الندرة بالغلاء

الاقتصادي د.عابد فضلية قدّم مقاربة تحليلية للموضوع، رأى فيها أن رفع أسعار حوامل الطاقة ليس حلاً لمعالجة العجز، بل يؤدي إلى “تضخم متسلسل” يصيب الاقتصاد والمجتمع معاً.

 

وأضاف: نعرف مشكلة الشح والندرة، ولكن لا نؤمن بتعويضها برفع الأسعار، لأن ذلك سيؤدي إلى رفع أسعار كل شيء، وستكون النتيجة أننا عالجنا جانباً من الندرة مقابل خلق أزمة أكبر في العرض والطلب”.

 

واقترح فضلية بدائل لتأمين الإيرادات العامة دون المساس بحوامل الطاقة الأساسية، منها رفع الرسوم الجمركية على السلع غير الضرورية، وزيادة الغرامات على بعض المخالفات.

 

من جانبه، شدد الخبير الاقتصادي إيهاب اسمندر على أن المشكلة الأساسية تكمن في “غياب الإصلاح الاقتصادي الشامل”، قائلاً: “الحكومة تعتمد على إجراءات آنية لا تعالج جذور الخلل، فرفع الأسعار لا يمكن أن يكون حلاً دائماً، بل يجب العمل على منظومة الطاقة ككل، من البنية التحتية إلى ضبط الاستهلاك ومكافحة الفاقد”.

 

وأشار اسمندر إلى أن نحو 30 بالمئة من الكهرباء تستهلكها مؤسسات الدولة دون أن تدفع ثمنها، و30 بالمئة أخرى تضيع كفاقد فني وسرقات، وهي نسب ضخمة لو جرى ضبطها لأمكن توفير جزء كبير من التكاليف دون تحميل المواطن عبئاً إضافياً.

 

صناعيون: القرار غير واقعي

أما الصناعي حمود المفتي، فاختصر المعضلة بأرقام دقيقة، إذ قال: “الحديث عن شريحة مدعومة لا تتجاوز 150 كيلوواط شهرياً أمر غير واقعي، فالمنزل العادي يستهلك 650 كيلوواط شهرياً على الأقل، أي 1300 خلال دورة الفاتورة، ما يعني أن الفاتورة الشهرية ستتجاوز مليوناً و800 ألف ليرة، فهل هذا في متناول موظف قطاع عام راتبه حوالي مليون ليرة”؟

 

واقترح المفتي إعادة النظر في الشرائح بما يتناسب مع الدخل القومي، محذراً من أن “رفع الأجور حتى بنسبة 400% لن يكون كافياً لتعويض الزيادة الجديدة في الأسعار”.

 

في مواجهة العتمة

بالنسبة للمواطن العادي، لا يبدو الجدل الاقتصادي ذا أهمية كبيرة، فالحقيقة الماثلة أمامه هي أن كلفة المعيشة ارتفعت مجدداً، وهذه المرة عبر الكهرباء، وهي أحد أكثر الاحتياجات الأساسية ارتباطاً بالحياة اليومية.

 

في أحياء دمشق وحمص واللاذقية، يتداول الناس قصصاً عن فواتير تجاوزت كامل دخل الأسرة الشهري.

 

بعضهم اضطر إلى فصل سخانات المياه أو إطفاء البراد أثناء فترات التقنين الطويلة لتقليل الاستهلاك، بينما عاد آخرون لجؤوا لاستخدام المولدات الخاصة بأسعار مضاعفة، أو الشموع في المساء.

 

آراء مواطنين

تقول أم طارق، موظفة في إحدى المدارس الحكومية بريف حماة: “كنت أدفع 15 ألف ليرة في الدورات السابقة، واليوم ستصل الفاتورة إلى 600 ألف! كيف يمكننا أن نعيش؟.

 

القرار، وفق ما يراه كثيرون، لم يراع واقع الرواتب ولا الفجوة بين الدخل وتكلفة المعيشة، ففي حين يبلغ الحد الأدنى للأجور نحو حوالي ٨٠٠ ألف ليرة، فإن متوسط إنفاق أسرة صغيرة في المدن الكبرى يتجاوز 5 ملايين ليرة شهرياً.

 

ويرى اقتصاديون أن رفع أسعار الكهرباء سيؤدي تلقائياً إلى موجة جديدة من التضخم العام، نظراً لارتباطها بكل القطاعات الإنتاجية والخدمية.

 

الصناعات الصغيرة، الأفران، المشاغل، وحتى المزارع، جميعها تعتمد على الطاقة الكهربائية، وبالتالي ستنعكس الزيادة على أسعار السلع الأساسية والغذاء.

 

أبو محمد( ه.خ) كان قد اتفق قبل بضعة أيام على تفصيل عدد من نوافذ الحماية عند الحداد أبو محمود في منطقة الصناعة بدمشق، وكان قرار رفع أسعار الكهرباء لم يصدر بعد، وحين راجع الحداد أبو محمود لمعرفة ما إذا كان قد بدأ بتفصيل النوافذ، أخبره الحداد بأنه لم يبدأ بعد، وطالبه برفع الأجرة، لأن ما سيدفعه ثمن كهرباء أكثر من أجرته التي كان قد اتفق مع أبي محمد عليها.

 

أين الخلل؟

يتفق معظم الخبراء على أن المشكلة ليست في القرار بحد ذاته، بل في غياب الرؤية الشاملة لمعالجة أزمة الطاقة، فرفع الأسعار دون إصلاح هيكلي في قطاع الكهرباء يعني ببساطة نقل الخسائر من الحكومة إلى المواطن.

 

تشير البيانات الرسمية إلى أن الفاقد الفني في الشبكة الكهربائية السورية يتجاوز 30 بالمئة، أي أن نحو ثلث الكهرباء المنتجة لا تصل إلى المستهلك بسبب أعطال الشبكات أو السرقات.

 

كما أن نحو 30 بالمئة أخرى تستهلكها مؤسسات حكومية لا تدفع قيمتها.

 

يقول إيهاب اسمندر في هذا السياق: “قبل أن نحمّل المواطن أي عبء إضافي، علينا معالجة هذه الفواقد.

 

إصلاح الشبكات، وتحسين الجباية، ومكافحة السرقات يمكن أن يوفّر مئات المليارات دون رفع الأسعار”.

 

يرى بعض الخبراء أن الحكومة لم تستثمر بجدية في الطاقة المتجددة، رغم امتلاك سوريا موارد طبيعية تؤهلها لذلك.

 

ويتساءل البعض: لماذا لا تتجه الحكومة إلى مشاريع الطاقة الشمسية أو الرياح؟.

 

الصناعي محمد ركاد حميدي، يرى أن “الاعتماد الكامل على الكهرباء التقليدية في ظل شح الوقود يجعلنا ندور في حلقة مفرغة”.

 

ويوافقه الخبير إيهاب اسمندر يوافقه، لكنه يضيف: “لا شيء في علم الاقتصاد اسمه انتظار الموارد الجاهزة، فالموارد تُخلق وتُنمّى، وكثير من الدول المتقدمة ليس لديها ما نملك من ثروات، لكنها صنعت نهضتها عبر الاستثمار الذكي والإدارة الكفوءة”.

 

الشراكة المجتمعية

لم يغِب البعد الاجتماعي عن آراء الخبراء الذين حاورتهم “الثورة”، إذ يرى كثير من المتحاورين أن غياب التشاركية بين الدولة والمجتمع في صنع القرار الاقتصادي هو أحد أسباب الأزمة.

 

يقول رانسي اندار، وهو خبير اقتصادي: ما نسمعه من المسؤولين هو تبرير لقرارات، لا شراكة في صنعها، الحكومة تتحدث عن التشاركية، لكن الواقع يقول إن القرارات تُتخذ من الأعلى دون حوار حقيقي مع الصناعيين والتجار والمجتمع المدني”.

 

ويرى أن ما يحتاجه السوريون اليوم هو عقد اجتماعي جديد يربط بين الدولة والمواطن على قاعدة المسؤولية المشتركة، لا علاقة المتفضِّل والمستفيد.

 

أما محمد ركاد فيردّ بالقول: إن “الإرادة السياسية موجودة”، لكن ما ينقص هو “الأدوات والموارد”، مضيفاً أن “التنظيف الاقتصادي ضروري قبل البناء”، في إشارة إلى ضرورة مكافحة الفساد وإعادة هيكلة المؤسسات قبل أي إصلاح شامل.

 

تداعيات متوقعة

الخبراء يحذرون من أن قرار رفع الكهرباء قد يؤدي إلى سلسلة من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية خلال الأشهر المقبلة، منها أولاً: زيادة التضخم وارتفاع أسعار الإنتاج سينعكس على مجمل السلع والخدمات.

 

ثانياً: تراجع القدرة الشرائية، فرواتب الموظفين لن تواكب الزيادات، ما يؤدي إلى تآكل الدخل الحقيقي.

 

ثالثاً: توسع السوق السوداء للطاقة، وعودة الاعتماد على المولدات الخاصة، بأسعار مضاعفة.

 

رابعاً: تعميق الفجوة الطبقية، فبينما يستطيع الميسورون دفع الفواتير، سيُقصى الفقراء تدريجياً من الخدمات الأساسية.

 

خامساً: إضعاف الثقة بالحكومة، إذ إن القرارات المفاجئة من دون شرح أو تمهيد تزيد شعور المواطنين بالعزلة عن مراكز القرار.

 

أحد الاقتصاديين ختم حديثه بالقول: “رفع الأسعار ليس إصلاحاً.. الإصلاح الحقيقي يبدأ عندما تتحمل الدولة مسؤولياتها في إدارة الموارد ومحاربة الهدر، لا عندما تنقل العبء إلى الناس”.

 

هل صار النور عبئاً

بعد مرور أيام قليلة جداً على القرار، لا يزال المواطنون يحاولون استيعاب الصدمة، فالبعض يراجع حساباته الشهرية، والبعض الآخر يبحث عن حلول بديلة، كألواح شمسية، بطاريات، أو ببساطة مزيد من الظلام في المساء لتقليل الفاتورة.. لكن ما بين مبررات الحكومة ومخاوف الناس، تبقى الحقيقة واحدة، وهي أن الكهرباء تحوّلت من خدمة عامة إلى عبء معيشي يضاف إلى سلسلة طويلة من الأعباء اليومية التي يرزح تحتها السوريون منذ سنوات.

 

في النهاية، لا يختلف السوريون على أن إصلاح قطاع الكهرباء ضرورة، لكن الخلاف يتمحور حول كيف ومتى ومن سيدفع الثمن؟ ففي بلد أنهكته الحرب والعقوبات وتراجع الإنتاج، يبقى المواطن الحلقة الأضعف في معادلة الاقتصاد، يواجه الظلام بمعنى جديد، ليس فقط غياب الضوء، بل غياب العدالة في توزيع عبء النور.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزارة العدل تجري امتحانين للمتقدمين لمسابقة المعهد العالي للقضاء ولتعيين المحامين بوظيفة قاضٍ

أخبار سوريا محليات اقتصاد سياسة المحافظات رياضة دولي محليات وزارة العدل تجري امتحانين للمتقدمين لمسابقة المعهد العالي للقضاء ولتعيين المحامين بوظيفة قاضٍ 1/11/2025 دمشق-سانا أجرت وزارة ...