آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » هل من امل بمستقبل افضل لشعب لبنان.. وكيف يمكن تحقيقه؟

هل من امل بمستقبل افضل لشعب لبنان.. وكيف يمكن تحقيقه؟

 

بشارة مرهج

 

إن لبنان إعتماداً على المعطيات الحالية ، غير قادر ذاتياً على النهوض من المستنقع العالق فيه وذلك بسبب ممارسات أركان السلطة على مدى عقود، وإصرارها على تقاسم ثروات البلاد واستغلال الدولة ومواردها، والتعدي على حقوق وأموال المؤسسات والأفراد اللبنانيين والعرب، المقيمين منهم والمغتربين .

 

 

 

لقد أفرغوا الدولة من أمكاناتها، واستنزفوا المجتمع من مجمل طاقاته وأرغموا نخبة أبنائه من الشباب ، خاصة، على الهجرة بحثاً عن السلام والأمن وفرص العمل .

 

 

 

واليوم اذ تستقر الجماعات الحاكمة على عرشها غير آبهة بالجرائم والمخازي التي ترتكبها بالتنسيق مع الطغمة السياسية وأصحاب المصارف وحاكمية البنك المركزي وأعوانهم في الخارج والداخل تبدو هذه المنظومة عاجزة تماماً عن إتخاذ أي اجراء إصلاحي أو تدبير وقائي يهيئ المسرح لحركة إيجابية تبث الأمل في النفوس، على الرغم من وجود عدة طرق ووسائل لوقف الأنهيار والعودة الى طريق البناء والاعمار . فالحقيقة المفجعة أن هذه المنظومة التي تعودت على استحواذ المال الفاحش واستخدام الموجود والموروث لمصلحتها ليس في أجندتها سوى بند واحد وهو شراء الوقت، وأنتظار المساعدات من الخارج، جرياً على عادتها في الاستقراض والهدر والتبذير ، دون أن تعترف بالتغييرات التي حصلت على صعيد الأقليم والعالم، والتي تشير الى توقف البرامج المجانية وربط القروض ببرامج محلية تحتم استخدام هذه الإمكانات بصورة اقتصادية متفق عليها ، على أن تسدد الديون حكماً في اطار جدول محدد ومعلن مما يلقي على أي فئة تختار هذا الطريق مسؤولية العمل الجدي الخاضع للرقابة والمعايير الدولية، وهذا ما لا طاقة لها به كونها تعودت على فوضى الانفاق والاسراف والاستفادة من مواقع القرار دون أن تبذل أي جهد حقيقي بالمقابل إلا اذا اعتبرنا ترتيب المحاصصات عملاً مُتعباً يعتد به .

 

 

 

وفي مرحلة شراء الوقت استمر نفس النهج حيث تم السطو على أموال الدعم وأموال منصة صيرفة رغم أن المقصود منهما كان مساعدة المواطنين الأشد فقراً والمودعين الذين تبخرت أموالهم بفضل ممارسات أصحاب المصارف والبنك المركزي والفئات الحاكمة على حد سواء. وترافق ذلك مع عملية طبع العملة من قبل حاكم البنك المركزي، الملاحق اليوم من الانتربول، بحيث ارتفع مستوى التضخم الى معدلات خيالية فقدت معها الليرة اللبنانية 98% من قيمتها الشرائية ، وتقلصت ديون الدولة والبنوك والمصرف المركزي بشكل مفتعل الى حدود متدنية .

 

 

 

وفيما كان مثلث الشر يرفض توزيع الخسائر وإعادتها ويمعن تهجماً على خطة التعافي المالي التي أعدتها حكومة حسان دياب وصولاً الى رفض طلبات صندوق النقد الدولي الخاصة بالإصلاحات والتشريعات ، كان المواطن ينؤ تحت وطأة أسوأ أزمة مرت على لبنان ، وكانت المؤسسات تتراجع في أدائها أو تتعطل بذاتها أو تتفكك في بنيتها وكان الشغور يسود الموقف سواء في سدة الرئاسة او الإدارة حتى كادت الدولة أن تغيب لولا وجود الجيش وقوى الامن مع حكومة تصريف أعمال ومجلس نيابي يتنافسان في اهمال مصالح الناس والاستهتار بالإصلاح ، ويتباهيان برؤية حاكم البنك المركزي متمرداً على اللجان النيابية رافضاً تسليم الحكومة ما تطلبه من أرقام واحصاءات لتبني على الشيء مقتضاه .

 

 

 

وفي ظل الحصار الأميركي ، سياسياً ومالياً، والذي وصل الى حد حرمان لبنان من غاز مصر وكهرباء الأردن، وفي ظل انقطاع المساعدات والهبات العربية التي تعودت عليها الفئات الحاكمة، وفي ظل إحجام الدولة عن إتخاذ أي مبادرة للإصلاح، وفي ظل المحاولات الإسرائيلية المتواصلة لخرق الأمن اللبناني أصبحت البلاد تعيش على شفير الفوضى والمجاعة والانهيار التام لولا مبادرات المغتربين وبعض الأوساط العربية ولولا إصرار اللبنانيين المتضررين والمنهوبين على الصمود ومقاومة الاستغلال والاستلاب والعمل على ضوء الشموع وبنوبات مضاعفة بأجور لا تذكر لابقاء المستشفيات والمدارس والجامعات والأسواق والمؤسسات على قيد الحياة.

 

 

 

وعلى عكس الفئات الحاكمة المتحالفة مع الطغم المالية التي تجاوزت الرقم القياسي في استهتارها واستبدادها وجشعها عضّ شعبنا على جراحه مودعاً أبنائه على الموانئ والمطارات، عاملاً في الليل والنهار، مستحثاً الموظفين على مداومة العمل، مكتفياً أحياناً بكسرة الخبز وجرعة المياه، مبرهناً بنضاله وتضحياته أنه صاحب البلد الحقيقي يتمسك به، يضحي من أجله، ويسعى لقيامته مهما تألب عليه الأعداء ومهما اشتدت عليه الأنواء . فلبنان بالنسبة لشعبنا لم يكن يوماً فندقاً يغادره اذا حاقه الخطر وانما أرض وكيان ورسالة يتشبث به ويذود عنه بأغلى ما يملك .

 

 

 

هل من أمل بنهوض لبنان؟

 

 

 

وبعد، هل من أمل بنهوض لبنان والأحداث الأمنية تتوالى على أرضه من عين الحلوة الى عين أبل، الى الكحالة قارعة ناقوس الخطر منذرة بأسواء منها فيما لو لم يتم تداركها بإحياء القضاء وتفعيله لكشف الجناة وتبديد البلبلة وتهدئة النفوس!

 

 

 

وهل يمكن مجابهة الخطر بدون وحدة الشعب واحتواء التوتر الطائفي الذي ينفخ فيه جهلة وأعداء أو بدون توسيع دوائر التواصل والحوار بين مختلف الفئات؟!

 

 

 

وهل يمكن التوصل الى ما نبتغيه دون صون الجيش والقوى الأمنية وتمكينهم من القيام بدورهم دفاعاً عن الحدود وتصدياً للفوضى وخلايا الإرهاب النائمة وخلايا العمالة للعدو الصهيوني في الداخل ؟!

 

 

 

وهل من أمل اذا لم يرتدع سياسيون وقادة مليشيات عن اعتماد الخطاب الطائفي في علاقاتهم ومنازعاتهم وهم يعلمون ان هذا الخطاب المتهور يشد العصب الطائفي ويزيد الهوة بين اللبنانيين ويثير الخلافات بينهم؟

 

 

 

وهل من أمل بوجود فئات حاكمة تتشبث بالسلطة وتستخدم السلطة في عز الازمات لمراكمة الثروة وتوسيع النفوذ؟

 

 

 

وهل من أمل دون أجراء حوار وطني واسع يراجع تجربة الطائف بثغراتها التي يجب ان تُعالج، وايجابياتها التي يجب أن تُعزز بسلوك الطريق الديمقراطي طريقاً وحيداً لحل الخلافات بين اللبنانيين توصلاً الى تفاهمات تُخرج لبنان من الطائفية السياسية ، وتقر قانوناً انتخابياً عصرياً يرتكز على النسبية والدائرة الانتخابية الموسعة التي تحفظ الحياة النيابية من شر المذهبية والشرذمة السياسية وتُسقط دعوات التقسيم والفدرالية وتفتح الطريق نحو لامركزية إدارية موسعة وانشاء مجلس شيوخ وتكريس مبدأ الجدارة والاستحقاق في الإدارة اللبنانية؟

 

 

 

وهل من أمل بمستقبل أفضل لشعب لبنان والقوى الشعبية الديمقراطية مترددة حتى اليوم في تشكيل جبهة وطنية عريضة تتخطى المذاهب والمناطق لمجابهة السلطة الفاسدة والطغمة المالية المتكبرة عبر برنامج سياسي – اقتصادي تقدمي عصري ينقذ الجمهورية من الانهيار ويستعيد وحدتها المهددة بشتى الاخطار؟

 

 

 

وهل من أمل والمشروع الصهيوني يهدد بلسان وزير دفاعه بإعادة لبنان الى العصر الحجري ، ويحث الخطى نحو الدولة اليهودية الخالصة التي تفرض حكماً تنفيذ خطط معدة سلفاً لإشاعة الفوضى والانهيار في المنطقة كلها بالتزامن مع تهجير ملايين الفلسطينيين الى الأردن ولبنان وسوريا.

 

 

 

مما لا شك فيه ان لبنان الجريح ينزف اليوم كما لم ينزف من قبل ويبدو مُعرّضاً لمخاطر الانزلاق الى مهاوي الفوضى والتفكك لكنه من ناحية ثانية مرشح للصمود بوجه العاصفة العاتية والنهوض من اشداق المحنة. لأن شعبه رغم ما يعانيه من إنقسامات وتوترات ومآسي يرفض رفضاً قاطعاً التخلي عن لبنان الوطن إرثاً وفكرة وانتماء ودولة أو الاستسلام للأمر الواقع أو الانصياع لأغراض الغير ويملك في الوقت نفسه تجربة عريقة ومريرة تعلم منها ان لا بديل عن وحدته وإصلاح دولته والتغلب على دعوات الانقسام والفتنة .

 

 

 

ثم أن للشعب اللبناني المنتشر بقوة وفعالية في رياح الأرض الأربع خبرة في التعامل مع الأحداث الجسام ودرء الأخطار وابتكار وسائل المقاومة لكل ما يهدد ارضه ووحدته واستقلاله وإنتماءه.

 

 

 

ان لبنان رغم كل ما أصابه من سهام لا زالت جعبته غنية بالوسائل والإمكانات التي تؤمن له الحصانة الستراتيجية وتكفل نهوضه من بين الأشلاء والانقاض . وأقول قولي هذا ليس اعتماداً على الخيال وانما استناداً الى وقائع تشع بالأمل وتخالف الكثير من التوقعات، المغرض منها والبريء.

 

 

 

ان تدفق المغتربين ومعهم أشقاء عرب الى لبنان بصورة فاقت كل الحسابات والتوقعات رغم الأزمة التي يعانيها على صعيد الكهرباء والمواصلات والخدمات على المكانة التي يحتلها لبنان في قلوب أبنائه وأشقائه ، ودليل على المحبة التي يكنّها أبناؤه واشقاؤه له، خاصة في الملمات والمحن، وبرهان على قوة لبنان وقدرته على مواجهة الصعاب سواء كان مصدرها الخارج أو الداخل .

 

 

 

إن سقوط رياض سلامة وتواريه عن الأنظار تفادياً للقبض عليه بموجب البطاقة الحمراء الدولية التي عممها الانتربول بناء على التحقيقات الأوروبية يدلان على امرين رئيسين من بين أمور كثيرة:

 

1- إن إصرار الشعب وممثليه الحقيقيين على التصدي لسرقة العصر ومهندسها رغم حلقات التأييد القوية لسلامة في القضاء والدولة والإعلام لا بد وأن يؤتي ثماره لا كما أدعى كثيرون بأن رياض سلامة محصن ضد العدالة ويستحيل أن يتخلى عنه حماته. كما ان الصوت الشعبي الصادق مهما ظهر خافتاً ومعزولاً في بعض المراحل فأنه يفعل فعله كبقعة الزيت وينال من أخصامه في نهاية الأمر عندما يقرر المجابهة .

 

 

 

2- ان الاهتراء الذي انحدر اليه النظام السياسي – المالي في لبنان اصبح متمكناً من هذا النظام بعدما أوغل قادته، ومنهم رياض سلامة واعوانه، في مسالك الفساد والاستبداد ولم يحسبوا لحظة حساب الشعب أو العدالة التي مزقوا رايتها ولوثوها بتصرفاتهم المخزية. إن سقوط رياض سلامة هو مقدمة لسقوط المنظومة التي ظلمت لبنان وخانت العهد ولطخة سمعة اللبنانيين بالوحل.

 

 

 

· نعم الامل ممكن وموجود لان أكثرية اللبنانيين تتمسك بلبنان ونظامه الديمقراطي وانتمائه العربي وترغب في العيش معاً تحت كنف الدستور والقانون والدولة العادلة .

 

 

 

· الامل ممكن وموجود لأن أخصام الوحدة ودعاة التقسيم وإن كانت أصواتهم عالية إلا إنهم مجرد أقلية غارقة في مستنقع الطائفية وعالقة بالثقافة الانعزالية ومبهورة بالتقاليد الأجنبية. وهذه الأقلية يمكن معالجة أوضاعها بالانفتاح والتفاعل والحوار وتعزيز الحياة اللبنانية المشتركة المرتكزة على مبادئ العدالة والمساواة.

 

 

 

· الامل ممكن وموجود لأن أغلبية اللبنانيين اختبرت مضار الانقسامات المذهبية التي لم تسفر إلا عن زيادة ثروات القادة المستفيدين من تأجيج الصراعات، والتي لم تؤد إلا الى تعميق معاناة الناس بصرف النظر عن المنطقة أو الحزب أو المذهب.

 

 

 

· الامل ممكن وموجود لأن لبنان حتى في مرحلة التراجع والانتكاس وإنحطاط السلطة قادر بفضل شعبه وجيشه ومقاومته أن يحافظ على الأمن الداخلي وأن يدافع عن بلاده بوجه الإرهاب . كما هو قادر على صد العدوان الصهيوني إذا اختار قادة تل ابيب تكرار محاولات الغزو التي انقلبت عليهم من قبل وبالاً وهزيمة يستشعر بها كل جندي وضابط في الجيش الإسرائيلي أو حرس الحدود.

 

 

 

· الامل ممكن وموجود لأن موازين القوة في العالم تشهد تغييراً ملموساً ينعكس في بروز التعددية القطبية من جديد كما ينعكس في تراجع قوة الولايات المتحدة تدريجاً مقابل الصين والتكتلات الدولية الأخرى مما يُضعف من قبضتها وهيمنتها على مختلف الدول ومن بينها لبنان الذي تضرب حوله حصاراً اقتصادياً وسياسياً لا يستهان به على الاطلاق.

 

 

 

· الامل ممكن وموجود من خلال النزعة الاستقلالية التي تهب من جديد في دول العالم الثالث المصممة على استعادة حقوقها وثرواتها المنهوبة من قبل الشركات الكبرى التابعة للدوائر الاستعمارية .

 

 

 

ان هذه النزعة تتجلي اليوم في منطقتنا بإنتفاضة الشعب الفلسطيني وصمود لبنان وسوريا والعراق واليمن واتجاه الدول للتفاهمات الواقعية، وخفض منسوب التوتر فيما بينها وعقد الاتفاقات الاقتصادية الثنائية والجماعية واطلاق مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود، وكل ذلك سيؤدي ، مع تبني سياسة التوجه شرقاً ، الى تسريع عملية التحرر من الاستعمار الجديد وتحقيق معدلات أعلى للتنمية الاقتصادية لجميع دول المنطقة ومنها لبنان اذا تنبهت للمخططات المعادية وعملت على تفاديها أو احباطها.

 

 

 

واختم بالقول إن لبنان يملك الكثير من الإمكانات وأمامه العديد من الفرص للنهوض ولكنه يحتاج أول ما يحتاج إليه إلى إدارة حكيمة متجردة ناجحة تثق بنفسها وببلدها وتعرف كيف تنحي لصوص المال العام من على كراسيهم المتداعية وكيف تبث الأمل في النفوس وكيف تبني الدولة من جديد على أسس العدالة والكفاءة والاستحقاق

 

(سيرياهوم نيوز3-مركز الحوار واشنطن)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ليلة وقف النار… ليلة القدر

    نبيه البرجي   ايلون ماسك، الرجل الذي قد نراه قريباً يختال على سطح المريخ، هدد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـاحراق شاربيه من الفضاء. ...