هل تحمل عمليّة اختطاف السعودي مشاري المطيري في لبنان، أبعادًا سياسيّة، هذا تساؤلٌ مطروح على الأقل بين اللبنانيين على منصّاتهم، والذين عبّر بعضهم عن مخاوف سلبيّة قد تترتّب على العلاقات السعوديّة- اللبنانيّة، تصل إلى حد سحب السفير ومن خلفه سُفراء دول الخليج، كما جرى في واقعة وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي، على خلفيّة تصريحات له اعتبرتها السعوديّة نقديّة لحربها في اليمن.
على أرض الواقع، على الأقل حتى الآن، تبدو عمليّة الخطف ذات طابع إجرامي، وتتعلّق بمطالب فدية، كما أن سياسات الحكومة السعوديّة ذهبت لتصفير المشاكل، وإعادة العلاقات مع الجميع، كان آخرها عودة العلاقات بينها وبين كندا، كما أن العلاقات السعوديّة- الإيرانيّة في أحسن أحوالها، ما يعني أن توجيه أصابع الاتهام للأذرع الإيرانيّة وفق الأدبيّات السعوديّة غير وارد لعلّه، إلا إذا كان ثمّة جهة ثالثة مُرتبطة أو مُنزعجة من تحسّن علاقات السعوديّة مع الجميع وإيران تحديدًا، تُريد إرجاع الأمور إلى زمن الخلافات، والتراشق الإعلامي، وإغلاق السفارات، أو على الأقل ضرب موسم السياحة في لبنان، وهو على أبواب فصل الصيف، ويُعوّل على السياحة في تحسين اقتصاده المُنهار.
قناة “الإخباريّة” السعوديّة، قالت في تغريدة على حسابها، وهي تغريدة توقّف عندها مُتفاعلون مع القصّة، بأن المواطن المُختطف في لبنان يعمل لصالح الخطوط الجويّة السعوديّة في بيروت، وأن الاختطاف جرى مساء أوّل أمس وسط المنطقة التجاريّة بالعاصمة اللبنانيّة.
اللافت في تغريدة القناة السعوديّة الرسميّة، بأنها أضافت في التغريدة بأن الخاطفين بعثوا برسالة طالبوا فيها بفدية ماليّة، تُقدّر بحوالي 400 ألف دولار، ما يعني أن الاختطاف كان لأجل فدية ماليّة كبيرة، ولكن “الإخباريّة” لم تكتف بهذا، وأشارت بأن الرسالة الهاتفيّة صدرت “من الضاحية الجنوبيّة” لبيروت، والضاحية الجنوبيّة تجدر الإشارة هي معقل حزب الله، ما يطرح تساؤلات حول رغبة جهة ما توريط الحزب، ولماذا حرصت القناة السعوديّة للإشارة للضاحية الجنوبيّة.
الإعلام السعودي مثل قناة “العربيّة” كما رصدت “رأي اليوم” استضافت على شاشتها مُحلّلين للتعليق على الاختطاف، ذهب غالبيّتهم للقول بأن واقعة الاختطاف تتعدّى مسألة الفدية، ووجّهوا اتهامات صريحة لوقوف تنظيمات مُنظّمة خلفها، وعلى رأسهم كما قالوا “حزب الله”.
السلطات الرسميّة اللبنانيّة لم تُعلن من جهتها وجود أدلّة على تورّط “حزب الله” بالاختطاف، ولم تُؤكّد فرضيّة صُدور الرسالة الهاتفيّة من الضاحية الجنوبيّة، فيما صمت الحزب حتى كتابة هذه السّطور عن التعليق.
هذه الحادثة ومع جدليّات خلفيّة أحداثها إن كان ماليّاً، أو سياسيّاً، تفتح الباب أمام حالة التشكيك بالأمن في بلاد الأرز، وما إذا كان الواقع الاقتصادي المُتراجع في لبنان، يجعل لتجّار السّلاح والمخدرات سطوة، أقوى من المُؤسّسات الأمنيّة، والتهديد الذي قد يطال اللبنانيين، أو الرعايا الموجودين في لبنان، ولكن سُرعة الجيش اللبناني والمخابرات اللبنانيّة في تحرير المخطوف بعد ساعات من اختطافه، قد يُخفّف من المخاوف المُتعلّقة بالأمن والأمان في لبنان، إضافةً إلى اعتقال عدد من الخاطفين.
وأعلن قائد الجيش اللبناني جوزيف عون أن مديريّة المخابرات في قيادة الجيش اللبناني تمكّنت من تحرير المخطوف السعودي، وتوقيف خاطفيه.
وفي تفاصيل قصّة الخطف، كان الخاطفون وهُم 7 أشخاص اختطفوا مُواطناً سعوديّاً، وأقلّوه من منطقة بيروت، وفرّوا به إلى منطقة حدوديّة بين لبنان، وسورية عبر منطقة الهرمل في البقاع الشمالي.
ووفقاً لمواقع لبنانيّة محليّة، فإن المجموعة التي خطفت المواطن السعودي يترأسها تاجر المخدرات المعروف بأبو سلّة، والأخير هو تاجر المخدرات المعروف علي منذر زعيتر، ويعد من أخطر تجّار المخدرات، ومن أخطر المطلوبين.
لماذا يتورّط تاجر مخدرات بخطف مواطن سعودي، هذا تساؤلٌ مطروح، وقد يكون للأمر علاقة فقط بالفدية الماليّة، إلا إذا كان الأمر سيتطوّر إلى قرارات بخلفيّات أبعد من الفدية في القادم من الأيّام، وهو قد يكون مُستبعدًا، فالجيش اللبناني بسُرعة قبضه على الخاطفين أغلق الباب على جدل أو تطوّر سياسي سلبي مُتوقّع، خاصّةً أن المخطوف السعودي بصحّة جيّدة، ولم يتعرّض للأذى.
السلطات السعوديّة رسميّاً، لم تُوجّه حتى كتابة هذه السّطور اتهامات لجهة ما بالوقوف خلف حادثة الاختطاف، ومن جهته توجّه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري بالشّكر إلى قيادة الجيش اللبناني وقوى الأمن وشعبة المعلومات، وثمّن تعاونها مع بعضها على رأسها وزير الداخليّة، وقائد الجيش، ما يعني هُنا أن السعوديين قدّروا عالياً حِرص اللبنانيين على استمرار العلاقات بين البلدين، وحِرصهم على أمن الرّعايا السعوديين.
هذه حادثة انتهت بكُل حال، ولكن من غير المعلوم نظرًا لتوقيتها “الصيفي” إذا كانت ستدفع السعوديين والخليجيين الامتناع عن الذهاب إلى لبنان للسياحة والتمتّع بطبيعته الخلّابة، فكان سبق للسلطات السعوديّة العام 2017 أن حظرت سفر مُواطنيها إلى لبنان “لأسبابٍ أمنيّة” ثم رفعت الحظر العام 2019، فهل تُضطر لهذا الحظر، وهل ستكون هذه الحادثة فرديّة عابرة، أم أن لها مُستفيد سيُعيدها ويُكرّرها؟!
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم