بقلم:أحمد يوسف داود
في أَيّامِ المِحنِ والكَوارثِ تَعمَدُ الدُّولُ عادةً، إلى اعتِمادِ نَهجٍ لإجراءاتٍ استِثنائِيّةٍ من أَبرزِها: إِعادةُ هَيكلةٍ لِسائرِ مالَدَيها منَ أَجهِزةْ، ولِكلِّ طَرائقِ عَملِها في كلِّ ماهوَ ذو صِلةٍ بِما يَضمَنُ بَقاءَ الفَعالِيَةِ الإيجابيَّةِ – بِمُختَلفِ صِيغِها – لَدى فِئاتِ الشَّعبِ المُواليةِ لَهذا الوَطنِ مُوالاةً شِبهَ كُليَّةٍ عُموماً، والتي تَكونُ هيَ – في النّهايَةِ – مَنْ تَصنَعُ النَّصرَ بدَفعِها ثَمنَهُ إجمالاً!.
إِنّني أَعني هُنا فئاتِ الشَّعبِ البَسيطَةَ، والأَكثَرَ حُبّاً للوَطن، والأقوى تَعلُّقاً بصَونِهِ، مِثلَما إنّها هيَ الأكثرُ التِزاماً بكلِّ قَضاياهُ المَصيريّةْ: إذْ هيَ التي تُواليهِ بِكلِّ إخلاصْ، وَهْيَ التي تَفتَديهِ حينَ يَحتاجُ إلى الفِداءْ، كما إنَّها هيَ التي تَسعى إلى ابْتِكارِ سائرِ الصِيَغِ النّاجِعةِ لِذلكَ حينَ يُواجِهُ خَطَراً داهِماً، وإلى خَلقٍ صِيَغٍ جَديدَةٍ للتَّعامُل العامِّ مَعَ الذاتِ: هيَ صِيَغُ التّعامُلِ الذي يَخدِمُ قَضيّةَ بَقائِهِ شَعباً قادرٍاً على أَنْ يَظلَّ مُستَمِرّاً في مُستَوىً مَقبولٍ نِسبيّاً منَ القُدرةِ على العَيشِ في الحَدِّ البَسيطِ منَ الكِفايَةِ، ومِنَ الكَرامةِ في آنٍ مَعاً!.
أَمّا عِندَنا – وبَعدَ كُلِّ ماقدْ جَرى منْ تَقديمِ التّضحِياتِ، ومايَزالُ يَجري – فَقدْ صارتْ قَضيَّةُ عَيشِ هذا الشَّعبِ – رَغمَ كُلِّ تَضحِياتِهِ المُشارِ إِلَيها لِلحِفاظِ على هذا الوَطنْ – أَمراً مُرهِقاً لِكلِّ مَنْ هُمْ فيهْ، وهي تَزدادُ حِدَّةً إلى دَرجَةِ الإرْهاقِ لِكلِّ فُقَرائِهِ: يَوماً بَعدَ يَومْ!.
لقد كانتِ غالِبيّةُ هذا الشّعبِ هيَ التي راحتْ تُدفَعُ بِبُطءٍ أَوّلاً، إلى الضّيقِ في مُتَطلّباتِ استِمرارِ بقائِها، وظلّتْ هيَ تَتَقبَّلُ كلَّ مايَجري لَها على أَنّهُ مِنْ (لَوازمِ النَّصرِ في مُواجَهَةِ العُدوانْ)، لكنَّ أَجهِزةَ الدَّولةِ لم تَقُمْ بمُعالجَةِ أمرِ الضِّيقِ المَعاشيِّ، بل هي قد زادتْ تَفاقُمَهُ زِيادةً غيرَ مَسبوقَةٍ بِكلِّ تَأكيدْ!.
ولكنَّ الفُقراءَ أو المُفقَرينَ عَمداً – رغمَ ماقدَّموهُ ويُقدِّمونَهْ – قدْ راحوا الآنَ يَرونَ أنّ ذلكَ كلًّهُ لم يَعدْ يُقابَلُ بما يكفي منَ الاهتِمامِ بهم، بلْ هُمْ قد تُرِكَ أَمرُ بَقائِهم إلى يَدِ المُصادَفةِ وَحدَها.. وهاهوَ كلُّ شيءٍ يَمشي إلى ماهوَ أسوأُ مِمّا كانْ.. ودائماً: بقَراراتٍ حُكوميَّةٍ غَيرِ مَسبوقَةٍ في إرْهاقِ غالبيّةِ الشَّعبِ حتّى أَنّ (روحَ الحَماسَةِ) للنَّصرِ: قَريباً أو بَعيداً، لم تَعدْ هيَ الرُّوحَ الّتي كانتْ سائِدَةً منْ قَبلُ، بلْ حلَّ مَحَلَّها الغَضَبُ وقِلّةُ الاهتِمامِ بِما قد يَكونْ!.
لقد أَخذَتْ روحُ التَّفاؤلِ تَضمَحِلُّ، أو لنَقُلْ: تكادُ تَتلاشى، ويَحِلُّ مَحلَّها الغَضَبُ وفُقدانُ الثِّقةِ والأَملْ، فَهلْ من مَخرَجٍ أَو مُنقِذٍ أَو مُجيرْ؟!.
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز)