| مصعب أيوب
المسرح هو فن جماعي له متطلبات مُعقدة وليس جان لـ«الوطن»: هناك مطالبات دائمة من المسرحيين لتحسين ظروف الإنتاج المسرحي وتحقيق شيء من التوازن بين التلفاز والمسرح
ت سهلة، فهو ليس فناً فردياً أبداً، ولا يمكن مقارنته بالفنون الفرديّة والرواية أو السينما، لأنه ظاهرة فنية مركبة، لا تتحقق إلا في عمل جماعي تتضافر عبره جهود مجموعة من البشر، منسجمة في توجهاتها الفنية والفكرية، ولا يبنى العرض المسرحي إلا على قاعدة اقتصادية متينة قبل أن يلتقي الجمهور الذي يشكل الطرف الآخر في هذه المعادلة الثنائية، وقد قدم المسرح السوري أشكالاً فنيّة طوّرت نفسها بسرعة.
وكتبت في فترة الستينيات والسبعينيات النصوص المسرحية المهمة، وعرف المسرح المكتوب ازدهاراً مع كتّاب ومخرجين وممثلين اشتهروا على مستوى العالم العربي وحتى على المستوى العالمي ووصفت بالفترة الذهبية، وقد كان يعي كل فرد من رواد المسرح سابقاً أهمية التنوع في الأعمال إدراكاً منهم لطبيعة تنوع الجمهور، فكانت تقدم الأعمال بالاعتماد على عناصر الدراما والرقص والغناء والحكايات الشعبية على اختلاف أنواعها.
إثبات حضور
حققت عروض مسرح مصر انتشاراً واسعاً رغم أنها واجهت انتقادات كثيرة، وقد أرجح البعض سر نجاحها إلى أن العروض لم تقتصر على المسرح وإنما اقتحمت المنازل عبر الشاشة الصغيرة ومواقع التواصل، وهو ما اعتبره البعض تجربة فريدة وغير مألوفة، في سورية يبدو الأمر مختلفاً بعض الشيء، فقد انخفض معدل الإنتاجات المسرحية بدرجة كبيرة منذ عقود وقد عزا كثيرون ذلك إلى سطوة التلفاز، ومؤخراً بات العامل الاقتصادي يعوق أي تحرك من شأنه الرفع من مستوى العمل المسرحي ولاسيما أنه يمول من القطاع العام، إضافة إلى الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي والمردود المادي المتدني العائد على العاملين في المسرح الذي في بعض الأحيان لا يغطي تكلفة المواصلات.
فتكاد العروض المسرحية الأخيرة تعد على أصابع اليد، فغياب الدعم المادي وغياب التعاون بين القطاع الفني الرسمي والقطاع المسرحي المستقل يلعب دوراً كبيراً في ابتعاد بعض المخرجين المتميزين عن العمل في المسرح.
كما فرضت الظروف الأخيرة تغيراً جذرياً على العروض المسرحية لكنها لم تتوقف نهائياً حتى خلال سنوات الحرب، ولكن لم تتم ترجمة ما حدث بنصوص مسرحية.
غزارة في النصوص
ابتعد المسرح عن التجريب وابتكار أشكال فنيّة ومعالجات بصريّة جديدة ليغيب معه عنصر الدهشة والمفاجأة، وبقيت تجارب بتوقيع مخرجين قدامى تكرّر نفسها تماماً كما كانت منذ ثلاثين عاماً عند بداية مسيرتهم المهنيّة.
كما لمعت بعض الأعمال التي اعتمدت على اسم المخرج وممثلين من نجوم التلفزيون، فتحولت إلى عروض جماهيريّة بغض النظر عن مضمونها وشكلها الفني، فاستقطبت جمهوراً من خارج دوائر المختصين والمهتمين بالمسرح.
وبات هناك غزارة في الكتابة المسرحيّة على الرّغم من الصعوبات الشديدة والظروف القاهرة التي يمرّ بها السوريون، وقد برز ذلك من خلال فرص عدّة أتاحت للشباب الإفادة من ورشات عمل في الكتابة المسرحيّة.
نجاح محقق
يعيش المسرح اليوم مشاكل حقيقيّة، أهمها فقدان المرجعيّة، فالجيل الجديد لا يشكل استمراريّة طبيعيّة لما سبقه. إن ما ينتج أو يُكتب للمسرح اليوم يدل على أنه غير قادر على أن يستند إلى الحاضر المُركّب المعيش والتعبير عنه بشكل واضح، من عبثيّة الحياة وإلحاح القضايا الكبيرة والمصيريّة، كذلك لا تبدو ظاهرة المسرح الخاص أو التجاري واضحة وجلية، ربما لغياب الوجوه التي كانت تشدّ الجمهور للمسرح ولاسيما في مظاهر المسرح الشعبي، ولم يظهر جيل جديد أو بديل يُكمل مسيرة رواد المسرح الخاص، وإن وجد، فإنّ ظروف العمل تغيرت والتكاليف أصبحت باهظة.
كما أن عدم الإيمان لدى الكثير من المسرحيين السوريين بالنص المحلي، وتعويلهم على شهرة نصوص أجنبية بعينها، ظناً منهم أنهم يضمنون نجاح عروضهم المستوردة، لكن المعنيين بصناعة المسرح تناسوا أن تكرار استخدام نصوص مستهلكة والاستمرار في الاقتباس من الأعمال الأجنبية ربما يسهم في نفور الجمهور من معظم العروض.
فن نخبوي
الكاتب المسرحي جوان جان في لقاء مع «الوطن» أوضح أنه منذ تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية في سبعينيات القرن الماضي شكل حالة إيجابية في خريطة فن الدراما المسرحية والسينمائية والتلفزيونية في سورية، وساهم خريجو المعهد في نشر الدراما التلفزيونية في أرجاء العالم العربي، كما كان لهم دورهم في العروض المسرحية على صعيد التمثيل والإخراج، وأضاف جان: باعتبار أن فن التلفزيون أكثر إغراء من المسرح على صعيد سعة الانتشار والمردود المادي اتجه معظم خريجي المعهد باتجاه التلفزيون، ومنهم من ابتعد نهائياً عن المسرح، والبعض الآخر له إطلالات مسرحية بين الحين والآخر.. من هنا تأتي المطالَبات الدائمة من المسرحيين لتحسين شروط العمل المسرحي حتى يتمكنوا من الحضور فيه بشكل دائم وإقامة شكل من أشكال التوازن بين عملهم في التلفزيون وعملهم في المسرح.
كما أكد على أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال المقارنة بين جمهور المسرح وجمهور التلفزيون عندنا أو في الدول التي يُعتَبَر فيها المسرح حالة متقدمة وحاجة يومية، ذلك أن انتشار التلفزيون واقع لا يمكن نكرانه، ليس الآن فقط إنما منذ أن عرف فيه هذا الجهاز طريقه إلى البيوت واحتل ركناً أساسياً فيها.
وشدد جان على أنه في بلادنا تبدو العلاقة غير المتوازنة بين التلفزيون والمسرح وعدم التناسب في أعداد جمهور الفنّيين أكثر نفوراً بسبب محدودية الحركة المسرحية وضعف الموازنات المرصودة لها بالمقارنة مع ما يُضخّ من أموال في الإنتاج التلفزيوني الدرامي، العام منه والخاص.
وختم أنه بنفس الوقت علينا ألا نتجاهل حقيقة أن الفن المسرحي، وخاصة الجاد والملتزم منه، فن نخبوي ومن الصعب أن يكون جماهيرياً بالمعنى المتعارف عليه لمصطلح الجماهيرية وهو لم يكن كذلك في يوم من الأيام، أما عندما كان المسرح الشعبي مزدهراً في بلادنا فكان يشكل حالة من التنافس ولو محدودة للتلفزيون، وخاصة قبل الانتشار الواسع للأقنية الفضائية.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن