| د. سعـد بساطـة
يربط كثيرون بين عـدد ساعـات العـمل وإنتاج العـامل، وهذا ربط خاطئ ولاسيما بحالة الشخص الذي يقوم بجهد فكري. وهذا قد ساهـم بتحويل مدير المؤسسة إلى مجرد مراقب دوام!
تدرس العديد من بلدان العالم (من ضمنهما الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وغيرها) دراسات جدوى بغـية تقليص أيام العمل الأسبوعية من 5 إلى 4 أيام من دون المساس بالرواتب. وهنالك دراسات أخرى تميل للعـمل 3 أيام مع 80 بالمئة من الراتب وإتاحة عمل لنسبة من العاطلين المنتظرين فرصة عـمل.
كمثال: في بريطانية وحدها ما يقارب 100 مؤسسة، تحوي زهاء 5000 موظف تجرب نمط العمل 4 أيام في الأسبوع (أي بمعـدل 80 بالمئة من أيام العمل لغيرها)؛ وتشترك مؤسسات علمية وجامعـات بباحثيها في تحليل نتائج هذه التجربة. وبحسب النتائج الأولية التي حصلنا عـليها، فقد كانت المؤسسات مرتاحة للنتائج التي حصلتها، لكون إنتاجية الموظفين إما إنها لم تتغير أو: قد تحسـّنت مقارنة بما كانت عليه عندما كانت أيام العمل 5 أيام.
أما في دول أخرى (آيسلندا ونيوزيلندا مثلاً) فقد أدى نجاح التجربة لتغيير بعـقود العمل، بحيث أصبحت أغلبية العاملين يختارون عقوداً مرنة، تنص على تقليص ساعات العمل.
النتيجة: ظاهرة آخذة بالتوسع على ما يبدو، والسبب يعود إلى أن فكرة تقليص أيام العمل الأسبوعية إلى 4 أيام ليست بلا أساس، فالذين يعتقدون أن العمل 5 أيام في الأسبوع هو من المخلفات البغيضة لعصر اقتصادي قديم، يأخذون بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت على الاقتصاد في الفترة الأخيرة بعد ظهور الاقتصاد الرقمي. وهي تغيرات كبيرة وموضوعية طرأت بشكل ملحوظ عـلى بيئة العمل في مصانع النسيج والملابس، أو في المناجم، رغم التطور الذي طرأ على الآلات المستخدمة، وفي شركات الاقتصاد التعاوني كما هو في «أوبر» أو الشركات العـاملة في مجال تأجير الشقق السكنية.
أتذكـر مدى الدهشة الممزوجة بالاستنكار التي لاقاها تطبيق (5 أيام عـمل أسبوعـياً ببلدنا قبل زهاء العـشرين سنة)!
عـلى أي حال، فجدوى أي تطبيق – ولاسيما تحت ظل العولمة – لا يمكن التوثـّق من صحة نتائجه، إذا ما اقتصرت على عدد محدود من البلدان، ففي نهاية المطاف التطبيق الذي يمكنه أن يعطي نتائج إيجابية في بريطانية مثلاً (التي قد يكون لها ممارسات خاصة بها) قد لا يؤدي إلى النتائج ذاتها في بنغـلاديش أو الصين وماليزيا ومصر- ذات الكثافة السكانية العـالية- فهذه البلدان لديها ميزة نسبية قد تتفوّق بها عـلى غـيرها، بسبب الاستخدام المكثف والمفرط لقوة العمل الرخيصة.
هنا أجد لزاماً أن أعـرّج عـلى تعـريف الإنتاجية: هي إنتاج العـامل مقسوماً عـلى ساعـات العـمل ضمن مستوى جودة محدد.
ولاشك أن إنتاجية عـاملنا منخفضة للغـايــة – تبعـاً لدراسات دولية رصينة – قامت بها منظمات موثوقـة مثل اليونيدو؛ ولاسيما إذا تمت المقارنة مع العـامل الياباني المتفاني إلى درجة الموت من الإجهاد (ويدعـى هذا «كاروتشي»: أو الموت من كثرة العـمل)!
طرفة لتليين الجو: تبارى ثلاثة تلاميذ صغـار برواية مآثر أبائهم؛ فقال الأول: والدي يكسب مبالغ هائلة أسبوعـياً؛ قال الثاني: والدي قوي جداً.. يزحزح خزانة بيد واحدة؛ أما الثالث فقال بهدوء: والدي أسرع رجل في العـالم! استفسر رفيقيه عـن السبب؛ قال: «هو ينصرف من عـمله بالخامسة مساء .. ويصل للبيت في الرابعـة!».
في الختام؛ عـدد ساعـات العـمل ليس هو الأساس؛ بل الإخلاص فيه؛ نتذكر هذا القول: «الرعـد الذي لا مطر معـه؛ لا ينبت العـشب؛ والعـمل الخالي من الإخلاص؛ لا يثمر عـن شيء».
سيرياهوم نيوز3 – الوطن