جورج عيسى
“أعرب الرئيسان عن مصلحة مشتركة في تطبيع العلاقات الثنائية على ضوء المسؤولية الخاصة لضمان الأمن والاستقرار العالميين اللذين تتحمل (مسؤوليتهما) روسيا والولايات المتحدة”.
ثمة الكثير مما يمكن مواصلة استنتاجه من المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي. صحيح أن موضوع الحرب بين روسيا وأوكرانيا طغى على معظم العناوين بعد الاتصال الهاتفي، لكن تبقى نقاط أخرى تستوجب الاهتمام، منها ما يرتبط بملفات الشرق الأوسط وفي طليعتها البرنامج النووي الإيراني.
ذكر البيان الأميركي الذي أعقب الاتصال أن الشرق الأوسط هو “منطقة للتعاون المحتمل من أجل تفادي نزاعات مستقبلية” وأن ترامب وبوتين “ناقشا الحاجة لوقف انتشار الأسلحة الاستراتيجية وسينخرطان مع آخرين” لضمان أوسع مفاوضات ممكنة. وذكر البيان الأميركي أن “الرئيسين تقاسما النظرة إلى أن إيران يجب ألا تكون أبداً في موقع تدمير إسرائيل”. لكن لم يتطرق البيان الروسي إلى اسمي إيران أو إسرائيل.
لم يكن الموضوع الإيراني النقطة الوحيدة المتباينة في التقييمين الروسي والأميركي للمكالمة. ظهر الاختلاف أيضاً حول ماهية “البنية التحتية” التي يجب أن تخضع لتجنب الاستهداف الروسي والأوكراني خلال وقف إطلاق النار الجزئي. ذكر البيان الأميركي مفهوماً واسعاً للبنية التحتية بينما حصره البيان الروسي بالطاقة. بحسب المداولات الأخيرة في المملكة العربية السعودية، يبدو أن الدول الثلاث سارت بالمفهوم الروسي. يفسر ذلك الكثير من أسباب الرهان الأميركي على الروس للمساعدة في حل الملف النووي الإيراني، وربما يفسر أيضاً أسباب الفشل المحتمل لهذا الرهان.
نتائج عكسية
في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يقوم الروس بمراكمة المكاسب التي يقدمها الأميركيون مجاناً في جولات التفاوض وخارجها. بحسب التقارير المتداولة، لا مطالب أو ضغوطاً من جانب واشنطن على موسكو لوقف الحرب. من هنا، ستنتظر روسيا انتهاء المفاوضات حول أوكرانيا لمعرفة “حزمة المزايا” التي ستحصل عليها قبل الانتقال إلى التفاوض حول إيران. حتى ذلك الوقت، ربما تكون إيران قد حققت الاختراق النووي، أو حصلت على مزيد من النفوذ خصوصاً بعد انتهاء صلاحية “آلية الزناد” التي تعيد فرض العقوبات الأممية على إيران بشكل تلقائي إذا وجد أي طرف من أطراف الاتفاق النووي أن طهران تنتهك بنوده. بعبارة أخرى، ستكون روسيا في موقع الضغط على الولايات المتحدة لا العكس.
وطرح خوسانبوي كوتيبجونوف في صحيفة “ذا هيل” الأميركية سؤالاً معقولاً يوم الاثنين: “لماذا سيضغط بوتين على حليف يساعده بنشاط في موازنة النفوذ الأميركي؟ الإجابة هي ببساطة: لن يفعل”.
كذلك، يرى المحلل في “مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية” فرنشيسكو شيافي أنه “بينما قد لا تدعم روسيا علناً إيران مسلحة نووياً، يمكنها أن تتسامح – أو أن تمكّن بشكل ضمني – تقدم طهران للحفاظ على رافعة استراتيجية ضد خصومهما الغربيين المشتركين”.
يُترجم ذلك بأن طلب ترامب من روسيا كي تكون وسيطاً في الملف النووي الإيراني قد ينعكس سلباً على حظوظ واشنطن بالتوصل إلى اتفاق. قبل نحو أسبوعين، وفي مجلة “فورين بوليسي”، كتب جوناثان لورد من “مركز الأمن الأميركي الجديد” أن “دعوة روسيا إلى الطاولة ستخدم فقط في تعزيز يد إيران على حساب الولايات المتحدة والأمم… المصممة على عدم رؤية إيران تطور القنبلة”.
وقبل نحو أسبوعين، كتب جوناثان لورد من “مركز الأمن الأميركي الجديد” أن “دعوة روسيا إلى الطاولة ستخدم فقط تعزيز يد إيران على حساب الولايات المتحدة والدول… المصممة على عدم رؤية إيران تطور القنبلة”.
أسباب أخرى
لا ينحصر الموضوع فقط في أن إيران تدعم روسيا لمواجهة نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. فإلى جانب المكسب الاستراتيجي المتمثل في تشتيت انتباه واشنطن على مسارح صراع بعيدة عن روسيا، تكمن مصلحة الكرملين الأساسية في إبقاء الملف النووي معلقاً طالما أنها تستفيد منه. بمجرد فرض تسوية على إيران، ستخسر موسكو ورقة أساسية على المدى البعيد، وهذا لا يناسب مصالحها.
إن الأسباب التي ترجح فشل واشنطن في دق إسفين بين روسيا وإيران شبيهة إلى حد بعيد بالأسباب التي ترجح الفشل الأميركي المتوقع في الفصل بين روسيا والصين. إذا خسرت روسيا شريكها الإيراني في مقابل ربح شراكة مع ترامب، ما من ضمانة بأن تستمر سياسته في البيت الأبيض بعد سنة 2028. بمعنى آخر، قد يقطف رئيس ديموقراطي متشدد تجاه روسيا ثمار التعاون بين ترامب وبوتين، بينما قد يعاود الأخير مواجهة ضغط أميركي متعاظم.
كما أن العلاقات بين الصين وروسيا لا ترقى إلى الحلف، ينطبق الأمر نفسه على العلاقات بين روسيا وإيران. تتبادل الدولتان نظرتي شك تاريخيتين تجاه بعضهما البعض. لكن شكوكهما بنوايا الولايات المتحدة تجاههما أعمق بكثير.
أخبار سوريا الوطن١_النهار