في الوقت الذي تتسابق فيه القوى العالمية لبناء اقتصادات رقمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، البيانات، والعملات الرقمية، تبرز منطقة الشرق الأوسط كموقع استراتيجي يمتلك إمكانيات استثنائية للتحول إلى قوة اقتصادية موحّدة، تضاهي—بل وتنافس—الولايات المتحدة وأوروبا.
الخليج كنقطة انطلاق، ولكن؟
الاقتصادات الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات، قطعت أشواطًا كبيرة في التحول الرقمي، من خلال مشاريع كبرى مثل “نيوم”، والتحول الحكومي الكامل إلى الأنظمة الذكية. لكن التحدّي الأكبر لا يكمن فقط في الاستثمار بالأنظمة، بل في إيجاد رؤية إقليمية مشتركة تتجاوز السيادة الاقتصادية لصالح القوة الجماعية.
نحو اتحاد اقتصادي رقمي.
لأول مرة، يمكن للشرق الأوسط أن يعيد تعريف اقتصاده ليس من خلال النفط أو الحدود، بل من خلال:
• إنشاء عملة رقمية إقليمية تُمكّن من تداول مرن وسريع في داخل الدول الأعضاء.
• ربط البنية التحتية الرقمية بين الدول: من منصات التجارة الإلكترونية إلى شبكات الدفع السحابي.
• توحيد قوانين الأمن السيبراني والخصوصية لحماية المستثمرين والمستخدمين.
لماذا الآن؟
الفراغ الجيوسياسي العالمي: تعيش الساحة الدولية تحوّلات كبرى، من إعادة تموضع الولايات المتحدة إلى تراجع نفوذ بعض القوى الأوروبية، مما يخلق مساحة استراتيجية لدول الشرق الأوسط لتؤدي أدواراً جديدة.
توفر رأس المال والاستعداد للاستثمار: تملك دول الخليج احتياطيات مالية ضخمة، وبدأت فعليًا بتحويل جزء منها نحو الابتكار والتكنولوجيا، مما يخلق بيئة مناسبة لدعم اتحاد اقتصاديّ رقميّ.
التحول في طبيعة الاقتصاد العالمي: الاقتصاد لم يعد يعتمد فقط على الموارد الطبيعية، بل على البيانات، الذكاء الاصطناعي، والقدرة على بناء بنى تحتية رقمية مرنة؛ وهي مجالات يمكن للمنطقة أن تتفوّق فيها بسرعة إذا استثمرت بشكل صحيح.
الضغط الشعبي والتطلّعات الشبابية: الجيل الجديد في الشرق الأوسط متصل رقميًا، منفتح عالميًا، ويطالب بدور فعّال في الاقتصاد الحديث. هذا الضغط يشكل حافزًا حقيقيًا للتغيير.
لبنان: الغائب الحاضر؟
رغم الأزمات، لا يمكن استبعاد لبنان من هذا المشهد. بفضل موارده البشرية والتعليمية وريادة أعماله، يمكن أن يتحوّل إلى مختبر تجريبي لحلول رقمية تُطبق إقليمياً، من تطوير حلول الذكاء الاصطناعي باللغة العربية، إلى تصدير الخدمات الرقمية.
التحديات أمام الاتحاد
• غياب الإرادة السياسية المشتركة: كثير من الدول تضع مصالحها القطرية فوق المصالح الإقليمية، مما يصعّب التوصل إلى اتفاقات رقمية موحدة تتطلب تنازلات استراتيجية.
• الفروق في مستوى الرقمنة بين الدول: بينما تمتلك بعض الدول بنى تحتية متقدمة وشبكات رقمية متطورة، لا تزال دول أخرى تُعاني من ضعف الخدمات الأساسية، مما يخلق فجوة يصعب ردمها من دون دعم إقليمي واضح.
• صراعات النفوذ وتضارب المصالح: التنافس على الريادة الإقليمية يعوق أحياناً مشاريع التكامل، حيث تُفضل بعض الحكومات الهيمنة الفردية على التعاون الجماعي.
• غياب التشريعات الموحدة: لا تزال القوانين الخاصة بالتكنولوجيا، البيانات، والأمن السيبراني متباينة إلى حدّ كبير، مما يعيق أيّ نوع من الاندماج الرقمي أو التبادل التجاري الذكي.
• نقص الثقة بين الشعوب: إلى جانب السياسات، تبقى الثقة المجتمعية عاملًا حاسمًا. غيابها يعني مقاومة للمشاريع المشتركة، وتحديداً في ظل حملات التضليل أو التوترات السياسية المتكررة.
لكن هذه التحدّيات ليست أقوى من الإمكانات.
من المنافسة إلى التكامل
بدلًا من التنافس الثنائي، يمكن للمنطقة أن تبني منظومة رقمية تعتمد على التكامل الذكي: كل دولة تساهم بنقطة قوة—البنية التحتية، التعليم، الموارد، الابتكار، أو حتى الأسواق—ضمن شبكة موحّدة.
الشرق الأوسط أمام لحظة مفصلية: إما أن يبقى تابعًا للمنظومات الاقتصادية الغربية، وإما أن يصوغ مستقبله بيديه. التحول الرقمي ليس خيارًا، بل ضرورة استراتيجية.
القيادة الإقليمية الجريئة، والرؤية الاقتصادية الواضحة، قادرتان على تحويل الشرق الأوسط إلى قوة اقتصادية رقمية أساسية.
السؤال لم يعد: هل نستطيع؟ بل: هل نملك الشجاعة لنبدأ؟
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار