عصام هيطلاني
ـ تعد العلاقات السورية – التركية من المواضيع المحورية في منطقة الشرق الأوسط ، حيث فرضت الجغرافيا والتاريخ على البلدين أن يكونا جارين لا غنى لأحدهما عن الآخر. ورغم التباين في المصالح وتفاوت الرؤى السياسية ، تظل المصالح المشتركة ضرورة ملحة لإرساء أسس السلام والاستقرار بين الدولتين ، بما يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين ويحفظ وحدة سوريا وسلامة أراضيها.
الجغرافيا والتاريخ : عوامل التقارب والإخاء.. لا التنافر والعداء
ـ لا شك أن الجغرافيا قد رسمت مسار العلاقات بين سوريا وتركيا ، حيث تمتد الحدود البرية بينهما لتشكل رابطًا جغرافيًا وتاريخيًا لا يمكن تجاوزه ، حيث شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين محطات طويلة اتسمت بالقطيعة والعداء، ولكنها أيضًا شهدت فترة من التعاون البنّاء ، كانت بين عامي 2007 ـ 2010. في تلك الفترة ، تطورت العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية بشكل ملحوظ ، بما في ذلك اتفاقية إلغاء التأشيرات وزيادة حجم التبادل التجاري. ورغم أن هذه التجربة لم تدم طويلا ، إلا أنها أثبتت أن التعاون المشترك بين البلدين يمكن أن يحقق مكاسب ملموسة لكلا الجانبين.
سوريا وتركيا: شراكة حقيقية أم مصالح آنية؟
ـ تمر السياسة التركية تجاه سوريا اليوم بمنعطف تاريخي حساس ، حيث تتابع الأنظار العربية والإقليمية والدولية تطورات الملف السوري عن كثب. وبما أن كلا البلدين يعد لاعبًا إقليميًا رئيسيًا من الناحية الجيوسياسية ، فإن بناء علاقات متوازنة بينهما يتطلب العمل على عدة أسس
أولا ـ احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها: على تركيا أن تثبت أن دعمها للشعب السوري خلال فترة الثورة لم يكن مدفوعًا بأطماع جيوسياسية أو اقتصادية ، بل كان موقفًا إنسانيًا نابعًا من المبادئ الأخلاقية وحسن الجوار. وتجدر الإشارة إلى أن تركيا قدمت دعمًا كبيرًا خلال الأزمة الإنسانية ، حيث استقبلت ملايين اللاجئين السوريين ووفرت لهم التعليم والعمل والمأوى والخدمات الأساسية. ويُسهم التفاهم السوري – التركي في منع تقسيم سوريا أو ظهور دويلات جديدة قد تهدد الاستقرار الإقليمي..
ثانيا ـ التعاون المشترك في إعادة الإعمار: يمكن لتركيا ، بحكم قربها الجغرافي ومعرفتها بالواقع السوري ، أن تسهم في إعادة إعمار سوريا بشكل إيجابي عبر تقديم إمكانياتها وخبراتها في مجالات عديدة مثل الإدارة والتنظيم والصناعة والنقل والتنمية البشرية. ولعل تجربة التعاون السوري – التركي في مجالات الطاقة والإسكان والمياه سابقًا تمثل نموذجًا ناجحًا.
ثالثا ـ تجنب المقايضة الجيوسياسية: يجب أن يرتكز الدعم التركي على أسس عادلة تخدم مصلحة الشعب السوري دون استغلال الظروف الصعبة التي مر بها خلال سنوات الحرب. فرض معاهدات أو اتفاقيات مجحفة قد يزعزع الاستقرار ويزيد من تعقيد الاوضاع والفوضى وعدم الاستقرار مستقبلا.
التنمية الاقتصادية: بوابة لتعزيز العلاقات
ـ أثبتت التجربة السابقة بين البلدين أن التكامل الاقتصادي يمكن أن يكون أداة فعّالة لتعزيز العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية. ويمكن لتطوير الميزان التجاري والاستثمارات المشتركة أن يعزز الثقة بين البلدين. على سبيل المثال
ـ سوريا بوابة تركيا إلى الدول العربية: نظرًا لموقعها الجغرافي المميز، يمكن لسوريا أن تكون نقطة انطلاق تركيا تجاريا واقتصاديا نحو الدول العربية.
ـ تركيا بوابة العرب إلى أوروبا: بالمقابل ، تستطيع تركيا أن تكون الجسر الذي يربط الدول العربية بالقارة الأوروبية ، فضلًا عن تقديم الدعم اللوجستي والخبرات الإدارية التي تحتاجها سوريا في إعادة إعمارها واستعادة مكانتها السياسية والاقتصادية.
ضرورة التعاون بدلاً من التناحر
ـ إن التناحر السياسي لا يخدم مصلحة أي من الطرفين ، بل يفتح الباب أمام التدخلات الخارجية ويزيد من الشكوك حول أطماع تركيا في سوريا. لذا، فإن إرساء علاقات حسن الجوار بين البلدين ، يستوجب التعاون المتوازن والعادل ، الأمر الذي يعزز التآخي بين الشعبين ويحقق:
ـ التنمية والمشاريع المشتركة: التعاون في مشروعات تنموية من شأنه تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للطرفين.
ـ حماية الأمن القومي ووحدة سوريا: سوريا القوية والمستقرة تمثل عامل دعم وحماية للأمن القومي التركي، فضلاً عن الحد من خطر التنظيمات الإرهابية.
ـ تعزيز الاستقرار الإقليمي: إن بناء علاقات متوازنة بين الطرفين ، يسهم في تعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ، التي كانت دائمًا محطة التقاء للحضارات والثقافات.
في النهاية
إن بناء علاقات متينة بين سوريا وتركيا، قائمة على الاحترام المتبادل وحسن الجوار، ليس خيارًا بل ضرورة تفرضها التحديات الراهنة. التعاون الاقتصادي ، وتبادل الخبرات ، والعمل المشترك للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها يمكن أن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات البناءة التي تخدم الشعبين وتحقق الاستقرار والازدهار في المنطقة.
سوريا وتركيا أمام فرصة تاريخية لتحويل الصراعات إلى شراكات ، والتحديات إلى فرص، من أجل مستقبل زاهر أفضل يسوده التعاون و السلام والرخاء لجميع دول المنطقة
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم