آخر الأخبار
الرئيسية » الزراعة و البيئة » هل ينجح التوافق المصريّ-الإثيوبيّ في حلّ أزمة سدّ النهضة؟

هل ينجح التوافق المصريّ-الإثيوبيّ في حلّ أزمة سدّ النهضة؟

ثابت العمور

 

من مؤشّرات تلطيف الأجواء وامتصاص ردّ الفعل، إعلان آبي أحمد بأن حكومته اتخذت قراراً بالتقليل من وتيرة التعبئة الرابعة لسد النهضة وتمديدها.

 

من دون سابق إنذار وفي بيئة ملبّدة بالتوتر على مدار أكثر من 10 سنوات من التفاوض المتعثّر بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم، وبعد عامين على آخر جولة مفاوضات جرت بين الدول الثلاث في العاصمة الكونغولية كينشاسا في نيسان/أبريل 2021، تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، عاد الحديث عن سدّ النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل مرة أخرى.

 

على ضفاف لقاء قمة دول جوار السودان؛ الذي استضافته القاهرة في 13 تموز/يوليو الجاري، عقد كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، اجتماعاً ثنائياً لمناقشة أزمة سد النهضة، وخرجا بإعلان توافق مشترك على “إنجاز اتفاق خلال 4 أشهر”، علّه يفلح في تحريك المياه الراكدة وحلّ الأزمة المستعصية بينهما.

 

جاء في البيان المشترك الذي نشرته الرئاسة المصرية أن الرئيس السيسي اتفق ورئيس الوزراء الإثيوبي، على “الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سد النهضة وقواعد تشغيله، واتفقا على بذل جميع الجهود الضرورية للانتهاء منه خلال 4 أشهر”. ومناقشة “سبل تجاوز الجمود الحالي في مفاوضات السد”؛ المتوقّفة منذ نيسان/أبريل2021.

 

التوافق الطارئ بين مصر وإثيوبيا، جاء بعد أقل من شهر على إعلان الأخيرة في 22 حزيران/يونيو الماضي، استعدادها “منفردة” لإطلاق المرحلة الرابعة من ملء خزان سد النهضة، وكان آبي أحمد أعلن في 6 تموز/يوليو الجاري، عزم بلاده إجراء الملء الرابع لخزان سد النهضة على نهر النيل، خلال موسم الفيضان الحالي.

 

ذهاب إثيوبيا إلى المرحلة الرابعة من ملء السد، شهد تحوّلاً في موقفها يمكن وصفه بتلطيف بيئة الملء وتمريرها بهدوء، وتجنّب استفزاز القاهرة، وقد يكون أحد المحدّدات المفسّرة للتوافق الحاصل مؤخّراً بين القاهرة وأديس أبابا، ذلك أنه خلال إعلان أحمد عن الملء الرابع للسد، أبدى استعداد بلاده لاستئناف المفاوضات مع كل من القاهرة والخرطوم.

 

من مؤشرات تلطيف الأجواء وامتصاص ردّ الفعل، إعلان آبي أحمد بأن حكومته اتخذت قراراً بالتقليل من وتيرة التعبئة الرابعة لسد النهضة وتمديدها، على أن تنجز في نهاية شهر آب/أغسطس أو أوائل أيلول/سبتمبر المقبلين، بدلاً من نهاية تموز/يوليو الجاري، مشيراً إلى حرص بلاده على عدم إلحاق الضرر بدولتي المصبّ مصر والسودان.

تحوّلُ الموقف من سدّ النهضة لم يقتصر على إثيوبيا فقط، القاهرة هي الأخرى حوّلت موقفها، ولا سيما عقب اعلان إثيوبيا عن الملء الرابع للسد، قرّرت القاهرة العودة إلى مفاوضات ما يعرف بمسار أبو ظبي للتعامل مع أزمة السد، ويتضمن المسار مفاوضات فنية بين ممثلي كل من مصر والسودان وإثيوبيا، بمشاركة مراقبين من دولة الإمارات التي ترعى تلك المفاوضات. وكانت أبو ظبي قد استقبلت، منذ منتصف العام الماضي ومطلع العام الحالي، نحو 6 جولات من المفاوضات الفنية بين متخصصين من البلدان الثلاثة.

 

مؤشّر آخر على تحوّل الموقف المصري، جاء في حديث الرئيس السيسي عن “حلول وسطى” للأزمة، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الموريتاني محمد ولد الغزواني، الذي زار القاهرة في 4 حزيران/يونيو الماضي. وقال: “شدّدنا على أهمية حثّ إثيوبيا على التحلي بالإرادة السياسية، للأخذ بأي من الحلول الوسطى التي طُرحت على طاولة التفاوض، والتي تلبّي مصالحها، من دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتي المصب، وذلك من أجل إبرام اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة”.

 

قرار القاهرة العودة إلى مسار أبو ظبي جاء بضغط إماراتي بعد تصاعد التوتر بين القاهرة وأديس أبابا، عقب القمة العربية الأخيرة التي استضافتها السعودية. وأصدرت في ختام أعمالها في 19 أيار/مايو الماضي؛ قراراً بشأن سد النهضة، أكدت خلاله أن “الأمن المائي لكل من مصر والسودان جزء لا يتجزأ من الأمن المائي العربي”، ورفض أي عمل يمس بحقوقهما في مياه النيل. معبّرة عن “القلق الشديد إزاء استمرار تعثّر المفاوضات في هذا الإطار بسبب المواقف التي تبنّتها إثيوبيا”.

 

لم تأتِ رياح قرار القمة العربية في السعودية بشأن سد النهضة بما تشتهي سفن التوافق، إذ عاد التراشق بين القاهرة وأديس أبابا، وردّت وزارة الخارجية الإثيوبية على قرار الجامعة العربية بالقول إنّ “محاولات مصر للضغط على أديس أبابا في ملف سد النهضة عبر الجامعة العربية تعكس عدم حسن نيتها، وانتهاكها لاتفاق إعلان المبادئ بين الدول الثلاث”، مضيفةً أنّ “إثيوبيا تحترم مبدأ الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل، والادعاء أنها قد اتخذت تدابير أحادية، وصف خاطئ متعمّد”.

 

رداً على ردّ؛ في المقابل ردت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها وقالت إنّ “مفاوضات سدّ النهضة استمرّت لأكثر من 10 سنوات من دون جدوى، أو أي التزام أو اعتبار من الجانب الإثيوبي لحقوق دول المصبّ”، وأضافت أنّ “بيان وزارة الخارجية الإثيوبية… جاء مضلّلاً ومليئاً بالمغالطات”، معتبرةً أنّه “محاولة يائسة للوقيعة بين الدول العربية والأفريقية، من خلال تصوير الدعم العربي لموقف مصر العادل والمسؤول باعتباره خلافاً عربياً أفريقياً”.

 

تدوير المواقف وتحوّلها من التوتر إلى التوافق من دون تغيير المحدّدات والاكتفاء بالقفز إلى البيانات المبنية على النوايا والاكتفاء بالتصريحات بشأن سد النهضة، يدفع إلى السؤال هل ينجح التوافق المصري-الإثيوبي في حل أزمة سد النهضة؟ تقتضي الإجابة هنا التعرّض لمجموعة متغيرات ضابطة لبيئة التوافق الطارئ، ومعرفة حيثياته ذات العلاقة بالأطراف المعنية، وهو ما يمكن إيجازه في الآتي:

– التوافق المعلن عنه بين القاهرة وأديس أبابا لم يكن مخطّطاً له، كان عبارة عن قفز واستغلال للقاء قمة دول جوار السودان المنعقدة في القاهرة. والتوافق على استئناف المفاوضات لا يعني أن الأزمة في طريقها للحل، إذا قد تستمر المفاوضات 10 سنوات أخرى. والإعلان لم يذكر إذا كان هناك تأكيد وتوافق سياسي أم فنيّ حول النقاط الخلافية. ومجرد تفاوض من أجل التفاوض.

 

– تحوّلُ الموقف الإثيوبي وتغليبه للتهدئة وطمأنة القاهرة والخرطوم لا يعني أن حل الأزمة قد بات قريباً وممكناً، فالمحدّد الإثيوبي هنا هو تمرير الملء الرابع للسد من دون توتر أو تصعيد.

 

– انتهاء أثيوبيا من الملء الرابع خلال شهرين على أبعد تقدير سيضعها في موقع تفاوض قوي تستطيع فيه إملاء الشروط التي تريدها، معادلة واحد إلى صفر، وعلى القاهرة والخرطوم القبول بما هو معروض من أثيوبيا بعد تصفير الخيارات. خاصة أن التوافق المعلن يتحدث عن العودة إلى التفاوض خلال 4 أشهر.

 

– في القضايا الدولية والمصيرية، لا يُبنى على النوايا وتصريحات الطمأنينة، وبالتالي التعويل على خطاب التزام إثيوبيا بعدم إلحاق “الضرر” بدولتي المصب خلال عملية الملء الرابع لسد النهضة، لا يتعدى كونه تصريحات دبلوماسية غير ملزمة وغير واقعية ولا يترتّب عليها أي ضمانات، و”الضرر” كلمة قابلة للتحريف وتحمل عدة أوجه. والحاصل حتى اللحظة أننا أمام مجرد تصريحات من دون أي خطوات عملية، أو أسس أو أطر ومبادئ يمكن البناء عليها والاستناد إليها في عملية التفاوض إن حدثت.

 

– تحوّلُ موقف القاهرة وعودتها إلى مفاوضات مسار أبو ظبي، رغم أن لها بعض التحفّظات عليه؛ جاء نتيجة خذلان القوى الدولية الفاعلة للقاهرة، ورفضها الضغط على أديس أبابا من أجل التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء سد النهضة، وتحديداً واشنطن والاتحاد الأوروبي. وبالتالي لم يبقَ أمام القاهرة رغم تحفّظاتها إلا بوابة أبو ظبي.

 

– الخلاف حول سد النهضة سياسي بالأساس، ولا يمكن تجاوز الخلافات الفنية في التفاوض من دون وجود قرارات سياسية، وهو ما لم تقرّره إثيوبيا ولم تعلنه، وبالنظر للواقع السياسي والاقتصادي الداخلي واستحقاقاته في كل من الخرطوم والقاهرة فإن إثيوبيا في أريحية سياسية إذا ما تقرّر بالفعل عودة الأطراف للمفاوضات. والتوافق المعلن عنه مؤخّراً في القاهرة لجهة توقيته يعتبر موافقة مصرية ضمنية على الملء الرابع لسد النهضة، وبالتالي أي مفاوضات مقبلة ستبدأ من حيث انتهت إثيوبيا.

 

 

 

سيرياهوم نيوز 1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

زراعة 303 هكتارات بمحصولي عباد الشمس والسمسم بالحسكة

بلغت المساحة النهائية المزروعة بمحصولي عباد الشمس والسمسم في محافظة الحسكة 303 هكتارات من أصل المساحة المخططة والبالغة 350 هكتاراً. وبين رئيس دائرة الإنتاج النباتي في ...