تتسارع الأحداث في سورية، وتتسلّط الأضواء على حكّام دمشق الجُدُد، وتتباين الآراء حول قُدرتهم على حُكم البلاد، من عدمه، وتراجع شعبيّتهم، من عدمها، أمام مجازر الساحل السوري، ومن ثم مجازر السويداء، في حين تتبنّى دمشق خطابًا مُعتدلًا تقول فيه إنها على مسافةٍ واحدة من جميع السوريين.
السويداء مجددًا إلى الواجهة هذه المرّة بعد الأحداث الدموية، التي سجّلت اقتتالًا بين العشائر البدو، والدروز، وسط علامات استفهام حول مُشاركة “الأمن العام” السوري الجديد إلى جانب العشائر، حيث حملة حصار يقول نشطاء سوريون إنها مفروضة على السويداء جنوب البلاد، عقابًا لهم على خُروجهم عن الدولة المركزية الجديدة، أو استعانتهم بإسرائيل كما تقول دمشق، وأنصارها.
ووثّق نشطاء وصحافيون، ومواقع إخبارية، صور وشهادات ومقاطع فيديو في الأيام الأخيرة، أظهرت طوابير طويلة اصطفّ فيها المدنيون للحصول على الخبز والمواد الغذائية في ظل نقص حاد في الموارد الأساسية، بما في ذلك ضمن مدينة السويداء نفسها.
وفي حين تنفي دمشق الرسمية مُشاركتها في حصار السويداء، قابل “إعلاميو السلطة الجديدة” هذا الحصار، بطريقةٍ تهكّيمة، وساخرة، حيث أقدموا على نشر صُورٍ لهم، إلى جانب موائد فاخرة وعامرة بمُختلف أنواع الأطعمة، في استفزازٍ واضح أظهر أنصار السلطة الجديدة في وضع الشماتة بمُكوّنٍ من السوريين.
وعادت للأذهان السورية، ما حصل من حالة شماتة أظهرها بعض المُوالين للنظام السابق، خلال حصار مضايا الشهير في العام 2015 أو حصار درعا في العام 2011، لكن ذكّر نشطاء أن جبهة النصرة حكام دمشق اليوم كانت تُحاصر مدينتين مُواليتين لنظام الأسد في إدلب في المُقابل حينها.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن الأزمة الإنسانية مستمرة في محافظة السويداء، وسط تفاقم معاناة السكان جراء الحصار المفروض على المدينة وريفها منذ أكثر من أسبوع، حيث تشهد المنطقة شحاً في المياه وغياباً شبه كلياً للمواد الغذائية الأساسية.
وسلّط المرصد الضوء على مناشدات انطلقت من داخل الفرن الآلي في السويداء، تُحذّر من قرب نفاد كميات الطحين والمحروقات اللازمة لتشغيل خطوط الإنتاج، وهو ما يهدد بتوقف تام لصناعة الخبز خلال وقت قريب.
ونشر الدروز بياناً موجهًا للأمم المتحدة جاء فيه: “نناشدكم بأقصى درجات الاستعجال التدخل لمنع كارثة إنسانية تتكشف فصولها أمام أعين الجميع”، بسبب الحصار الذي يمنع تدفق المواد الأساسية، وهذا “ما يجعل المجاعة والعطش واقعاً يومياً لا سيناريو مستقبلياً”.
وأمام هذا المشهد الكارثي، تُقدّم دمشق روايتها، ويقول مُحافظها مُحافظ السويداء مصطفى البكور، إن “المساعدات تدخل يومياً من جهة بصرى الشام ولا يوجد حصار”، مشيراً إلى أن قافلة ستصل اليوم الاثنين بـ200 طن طحين، مؤكداً استمرار إدخال المحروقات، ومواد طبية وأدوية ومستهلكات تكفي لـ400 عملية جراحية. وأضاف: “الورشات تواصل العمل لتأهيل الطرق، وحركة المرور طبيعية”.
تلفزيون “سوريا” المُقرّب من السلطات الجديدة، تناول قضية حصار وتجويع السويداء، وقال إن وسوم إلكترونية “هاشتاق” مجهولة تتصدّر الواجهة المنصّاتية للإيحاء بأن السويداء مُحاصرة، وجائعة، واستند في ذلك إلى مشاهد مصورة أظهرت دخول المساعدات للسويداء، وأن كل الحملات ليست إلّا من صُنع “ذباب إلكتروني”.
ووثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان خروج مظاهرات في السويداء وريفها للمطالبة بفك الحصار والدعم الدولي.
ووجّه نشطاء نداءات عاجلة للأردن بفتح ممر إنساني عاجل يُنقذ مليون إنسان مُحاصر، هذه الدعوات التي يقول مُشكّكون إنها تهدف إلى تقسيم سورية، وإعلان استقلال أو انفصال السويداء عنها، من بوابة المجاعة، والحماية الدولية حيث كان ناشد شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، الأردن لفتح معبر حدودي بين السويداء والأردن، عقب إعلان السويداء مدينة منكوبة، إثر هجوم قوات الأمن العام الجديدة الذي خلّف مئات القتلى والجرحى.
وأكّد المندوب الدائم لسورية لدى مجلس الأمن الدولي رفض بلاده لمحاولات الاحتلال استغلال ما جرى في محافظة السويداء من أحداث مؤلمة، مشدداً على أن تلك المحاولات تهدف إلى تبرير أعمال عدوانية مرفوضة ضد سوريا.
وأضاف أن السلطات السورية أرسلت عدّة قوافل إنسانية إلى محافظة السويداء عبر الهلال الأحمر السوري، وبالتعاون مع الشركاء الإنسانيين، لتأمين الاحتياجات الأساسية للسكان، رغم التحديات الأمنية القائمة.
ووسط تبادل الاتهامات والتشكيك بين أنصار السلطة الجديدة، والجائعين في السويداء، حول حقيقة حصار السويداء، وتجويعها، بل والشماتة بها، قد يُلخّص المشهد العام في سورية بخُصوص السلطة الجديدة ومعيار الثقة فيها، ما قاله المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، اليوم الاثنين، بأن “العملية الانتقالية في سوريا مرت خلال هذا الشهر باضطرابات كبيرة نتيجة تصاعد العنف، ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، وتقويض الثقة، وزيادة مخاطر الانقسام”.
وأضاف بيدرسون في إحاطة لمجلس الامن الدولي بشأن سوريا، أنه من الواضح أن هناك حاجة لإجراء تغييرات جوهرية في المسار، سواءً في المجال الأمني أو في مسار الانتقال السياسي.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم