آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » هل يُمكن لبلد أن يعيش بلا مصارف؟

هل يُمكن لبلد أن يعيش بلا مصارف؟

 

علي عبود

يبدو السؤال غريبا جدا للوهلة الأولى في عالم تتحكم فيه المصارف بالتجارة الدولية، وتضخ الأموال في مختلف قطاعات التنمية الاقتصادية والإجتماعية، وقد شهدنا عدة أزمات في أمريكا والإقتصادات المرتبطة بها عندما تعرضت مصارفها لخضّات مالية اضطرت معها الحكومة لإنقاذها.
وإذا جاز القول أن الدول المتقدمة لايمكن أن تعيش بلا مصارف، وخاصة إن معظمها عابر للحدود، فإن الوضع قد يكون مختلفا في الدول النامية التي تتعرض لأزمات واضطرابات وحروب..الخ!

نعم، يمكن لبلد ما أن يعيش ويستمر بالحياة اليومية دون مصارف، والمثال هو لبنان، وقد يتكرر بسهولة في دول أخرى!
من كان يُصدّق أن لبنان الذي لطالما وصفه الكثيرون بـ “سويسرا الشرق”، وكان “المصرف” المركزي لأثرياء العرب، وخاصة الفاسدين منهم، ستعصف به أزمة مالية ونقدية تبخّرت معها ودائع تجاوزت قيمتها الـ 170 مليار دولار، وأطاحت بالمصارف كلها، وكأنّها لم تكن على مدار العقود الماضية، مقصد المودعين العرب، وخاصة السوريين!

فجأة، تبخّر كل شيئ، وهاهو لبنان يعيش منذ ست سنوات تقريبا بلا مصارف، ومن الصعب جدا أن يتمكن القطاع المصرفي كسب ثقة اللبنانيين والمودعين ـ ربما باستثناء السوريين ـ مجددا حتى لو أعاد الودائع لاصحابها التي خسروها بطرفة عين!
والمسألة ليست عابرة ولا طارئة كي يُمكن معالجتها كما حصل سابقا عند تعرض بعض المصارف لأزمات سيولة أو إلى الإفلاس، بدليل توقف القطاع المصرفي اللبناني عن العمل منذ عام 2019، ولا يوجد أمل ان تعود الحياة إليه قبل الإجابة على السؤال: أين ذهبت أموال المودعين؟

وبدلا من أن تشرح المصارف أو البنك المركزي اللبناني خلفيات تبخّر 170 مليارا من صناديقها وخزائنها فإنها تكتفي بالإنتظار، لعل الحكومة الحالية تجد الحلول لإعادة هيكلتها ودعمها ومساعدتها بإرجاع أموال الناس!
ويمكن وصف حال المصارف اللبنانية منذ ستة أعوام بانها “مفلسة بلا إشهار” وإحياؤها يتطلب ضخّ رساميل جديدة، وإقرار قوانين تعيد ثقة اللبنانيين بها، والسؤال: من سيضخّ الأموال في المصارف اللبنانية قبل الكشف عن مصير أموال المودعين؟

الوضع في لبنان منذ سنوات يُشبه تماما الوضع في سورية، فأموال الناس مخزّنة في المنازل لعدم ثقتهم بالمصارف لأسباب مختلفة، والفارق الوحيد هو ان المصارف اللبنانية توقفت عن منح القروض إلا في حالات نادرة، في حين إن المصارف السورية لم تتوقف عن منح القروض للمواطنين وللمستثمرين.
والسؤال: ماالبديل في بلد يعيش بلا مصارف؟

مرة أخرى لاإجابة على هذا السؤال إلا في لبنان، لأنه الوحيد حاليا في منطقتنا إن لم يكن في العالم يعيش بلا مصارف منذ ستة أعوام، وهذا الوضع السائد فيه يعجب كثيرا جدا دعاة “الدولرة”!
نعم، لقد تحول لبنان تدريجيا إلى “الدولرة” والتعامل بـ “الكاش” بعد أن تحولت المنازل إلى خزائن أموال إلى جانب مؤسسات مالية تقدم خدمات مالية إلكترونية في مجالات متنوعة، وبالكاد يشعر اللبنانيون بخروج مصارفهم من الخدمة، بل لايتوقعون عودتها في الأمد المنظور!

ومهما نجح بديل المصارف أي “إقتصاد الكاش”، فهو غير آمن لبلد يعمل على استعادة الثقة بقطاعه المصرفي، فمنظمة “تاتف” الدولية تهدد لبنان منذ أشهر بوضعه على اللائحة الرمادية لتقصيرة في مكافحة تبييض الأموال من جهة، ولعدم مكافحة “إقتصاد الكاش” تنفيذا لطلب الصندوق والبنك الدوليين من جهة أخرى، ففي ظل “إقتصاد الكاش”، لا أحد يطلب أيّ تصريح عن مصدر الأموال.
ويبدو إن لبنان عاجز عن وضع آليات تتيح الإنتقال من “إقتصاد الكاش” إلى التعاملات المصرفية دون إعادة هيكلة المصارف كي تعيد ثقة المودعين بها، وبالتالي المعضلة أن مكافحة “إقتصاد الكاش”، بلا قطاع مصرفي هو أمر شبه مستحيل مادامت قيادات سياسية تعارض إعادة هيكلة المصارف!

الخلاصة: لايوجد أي أمل بعودة القطاع المصرفي اللبناني إلى ماكان عليه قبل عام 2019، فسيبقى لبنان بلا مصارف إلى أمد غير منظور، وإذا تمكّن في مرحلة ما من إعادة هيكلة المصارف وإلزامها بإعادة الودائع للبنانيين، فإن ودائع السوريين والتي لاتقل عن 40 مليار تبخّرت نهائيا ولن تعود لأصحابها أبدا!!
(موقع اخبار سوريا الوطن-2)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

العنف متجذر في أمريكا!!

    علي عبود   لو قرأنا تاريخ أمريكا لاكتشفنا بسهولة أسباب لجوء إداراتها وحكوماتها العميقة إلى الحروب المدمرة التي تعتبرها الحل السريع لحل نزاعاتها ...