آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » همروجة ترامب لا تحجب العقبات: بذور الحرب باقية

همروجة ترامب لا تحجب العقبات: بذور الحرب باقية

 

يحيى دبوق

 

 

 

توصَّلت إسرائيل وحركة «حماس» إلى اتّفاق حول «المرحلة الأولى» من اتفاق أوسع لإنهاء الحرب، يمكن وصفه بلا تردّد، بأنه مبهم وهشّ. وبمعزل عن الشكليات، و«دراما» مصادقة الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق، أو «الصورة» التي يسعى وراءها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلّا أن ما حصل، إلى الآن، لا يعدو كونه اتفاقاً على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، وتخفيف حدّة الحصار المطبق على القطاع، و«وعود» بإطلاق مفاوضات لاحقة لإنهاء الحرب، وفق بنود «مطّاطة» وقابلة للتأويل.

 

وانطلاقاً ممّا تَقدّم، يُفترض أن تتخلّص «حماس» قريباً من ورقة الأسرى، بعدما تحوّلوا إلى أداة ضغط ضدّها، خصوصاً أن جزءاً من السردية الإسرائيلية لمواصلة الحرب، يُبنى أساساً على قضيّة هؤلاء، وإنْ كان وجودهم غير ذي صلة في الواقع بأصل التصعيد والتدمير والقتل والتهجير. وينصّ الاتفاق المبدئي على إطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء (نحو 20 شخصاً) دفعة واحدة، بحلول الأحد المقبل، على أن يليه تسليم جثث القتلى على دفعات، اعتباراً من الإثنين، وذلك بسبب «صعوبات لوجستية» لدى «حماس».

 

في المقابل، تتعهّد إسرائيل بالانسحاب التدريجي من القطاع خلال 24 ساعة من توقيع الاتفاق، على أن تبقي 53% من مساحة غزة تحت سيطرتها، حتى يُفرَج عن آخر رهينة؛ كما سيُسمح بدخول 600 شاحنة مساعدات إنسانية يوميّاً، وفتح معبر رفح في الاتجاهَين، وسيتمّ إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين يجري التفاوض بشأن أسمائهم، مع استثناءات طلبتها إسرائيل، والسلطة الفلسطينية، وإنْ سرّاً.

 

ومع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وصف الحدث بأنه «يوم كبير»، وشكر ترامب على «التفاني في مهمّة مقدّسة»، لكن الاتفاق يبدو معلّقاً على خيط رفيع من التوازنات السياسية الداخلية التي قد تُجهضه قبل أن يبصر النور. فما تحقَّق هو صفقة تبادل أسرى موسّعة، مغلّفة بلغة ديبلوماسية توحي بإنهاء الحرب، في حين لم تُحسم البنود الرئيسية الجوهرية في الاتفاق الشامل، أي: نزع سلاح «حماس» والفصائل المقاوِمة في غزة، الترتيب الأمني الجديد، وطبيعة الترتيب السياسي البديل من حكم «حماس».

 

ومهما جرى تبرير مسألة الانسحاب الجزئي الإسرائيلي من القطاع، فهي تفتح الباب أمام استمرار الاحتلال العسكري تحت غطاء «الضمانات الأمنية»، وتمنح إسرائيل مرونة تكتيكية في اتجاهَين: الالتزام بالحدّ الأدنى من الأفعال لإرضاء ترامب ووقف الضغوط الغربية عليها والتي بدأت تتجاوز العقوبات الشكلية؛ وفي الوقت نفسه، الإبقاء على أدوات الضغط – ومن بينها العودة إلى الخيار العسكري – قائمة.

 

وجدت «حماس» نفسها مضطرّة إلى تسليم الأسرى من دون ضمانات حقيقية

 

على أن التحدّي الحقيقي يبدأ في اليوم الذي يلي عملية تبادل الأسرى، حيث سيواجه نتنياهو أزمة وجودية سياسية؛ فشركاؤه في الائتلاف (من اليمين المتطرف) – خصوصاً إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش -، وضعوا خطّاً أحمر واضحاً في حال إتمام الصفقة أو السير قدماً في مفاوضات جدّية لإنهاء الحرب. وإذا كان تبادل الأسرى بحدّ ذاته مقبولاً نسبيّاً لديهم، طالما أنه لا يُتبَع بمسار تفاوضي يؤدّي إلى وقف دائم لإطلاق النار، أو ترتيبات سياسية جديدة في غزة، فإنه بمجرّد أن يبدأ الحديث عن «المرحلة الثانية»، سيكون نتنياهو أمام خيار صعب: إمّا أن يُرضي شركاءه ويكسر الالتزامات الدولية، أو أن يُرضي واشنطن و«المجتمع الدولي» ويخسر حكومته.

 

فهل يُقدم على الدفع في اتّجاه مفاوضات جادّة لإنهاء الحرب؟ أم يكتفي بـ«الإنجاز الإنساني»، ويجمّد بقية البنود إلى أجل غير مسمّى؟ في الحالتَين، هو مهدّد بانهيار ائتلافه، ما يجبره إمّا على البحث عن شركاء جدد من الأحزاب الوسطية، أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة، علماً أن هذا الخيار الأخير محفوف بالمخاطر في ظلّ شعبية نتنياهو المتداعية، واتهامات الفساد التي لا تزال تلاحقه.

 

على أيّ حال، تدرك كلّ الأطراف أن الاتفاق الحالي ليس سوى وقفة تكتيكية مؤقتة، خاصة من ناحية إسرائيل التي تراهن على تبدُّد الزخم الدولي بمجرّد الاحتفال بالاتفاق الجزئي. فالبنود غير المحسومة (الترتيبات الأمنية، الانتهاكات المحتملة، أو حتى طبيعة الحكم البديل)، وُضعت لتكون غامضة، وقابلة للتأويل، ومفتوحة على كلّ الاحتمالات، أي أن الغموض فيها ليس ثغرة، بل إستراتيجية مخطّط لها، يراد عبرها السماح لإسرائيل بالتمسّك بإنجازاتها الميدانية، والتسويف في المفاوضات من دون الالتزام بجدول زمني، وفي الوقت نفسه، منحها الذرائع الكافية لاستئناف العمليات العسكرية، إذا فشلت «حماس» في الوفاء بشروط لم تُفصّل بعد.

 

ومن جهتها، وجدت «حماس» نفسها مضطرّة إلى تسليم الأسرى من دون ضمانات حقيقية لبقائها ككيان، أو لإعادة إعمار غزة، أو حتى للانسحاب الإسرائيلي الكامل. فبعد أكثر من عامين من حرب شرسة دمّرت البنية التحتية والبشرية في القطاع، لم يَعُد أمام الحركة من خيار سوى القبول بما هو متاح، حتى لو كان ناقصاً أو مؤقتاً أو محفوفاً بالمخاطر. وهذا الاضطرار، مهما بدا كـ«تنازل»، فهو معذور ومنطقي في سياق الواقع الميداني والسياسي الذي فُرض عليها.

 

إزاء ذلك، يبدو أن ثمة أربعة سيناريوات محتملة لِما بعد تبادل الأسرى:

 

– التنفيذ الكامل للاتفاق: تنجح الحكومة الاسرائيلية في تمرير الصفقة، وتتسلَّم أسراها، لكن الوضع في غزة يبقى معلّقاً بين الحرب واللاحرب، من دون رؤية سياسية واضحة.

– انهيار الائتلاف: ينسحب اليمين المتطرّف، وتسقط الحكومة الإسرائيلية، ويُجمَّد الاتفاق.

– الالتفاف على الصفقة: تنفّذ مرحلة تبادل الأسرى فقط، ثم تُستأنف الحرب تحت ذرائع من مثل «خرق حماس» أو «عدم التعاون في تسليم الجثث»، باستغلال غموض البنود المتبقّية.

– انتخابات إسرائيلية مبكرة: يُستخدم الاتفاق كذريعة لحلّ «الكنيست»، وتأجيل القرارات المصيرية إلى حكومة مقبلة، فيما تبقى غزة في دوامة «اللاسلام واللاحرب».

 

بالنتيجة، ما تحقَّق حتى الآن، هو اتفاق جزئي، لا ينهي الحرب بل يجمّدها في انتظار قرار إنهائها. وإذا كانت الآمال معقودة على إمكانية التوصّل إلى تسوية شاملة، فإن الجانبَين يختلفان جذريّاً – بل ويتعارضان تماماً – في كل تفصيل من تفاصيل المرحلة المقبلة، وهو محدّد رئيسي لا يمكن تجاوزه، في تقدير ما إذا كانت الحرب ستُستأنف أم أنها ستتوقّف بالفعل.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

محاولة قطرية لإحياء «الخماسية» في لبنان

  ندى أيوب       يزور وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي بيروت قريباً للقاء الرؤساء الثلاثة والكتل البرلمانية ...