آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » هوامش بشأن الدستور السوري الجديد 

هوامش بشأن الدستور السوري الجديد 

 

 

د.سام دلا

 

تواصل معي عدد من الأصدقاء وألحوا أن أبدي برأيي في موضوع الدستور المقبل لسورية، بل طالبني البعض بأن أقدم صياغة لمشروع دستور.

في الواقع لا أريد أن أقدم أي طرح قد يثير سجال غير منتج حول مسألة تتعلق بقضية وطنية تهم كل مواطن سوري، حيث لا يملك أياً منّا مهما كان موقعه وخبرته الادعاء بأنه الأقدر والأحق على احتكار هذا الحق، فكل ما نملكه هو مجرد رأي فردي من الناحية الوطنية، أما من ناحية الخبرة الفنية فتختلف من شخص لآخر بحسب تكوينه وتأهيله المهني، ولذلك سأكتفي بإيراد بعد الهوامش البسيطة والسريعة.

 

في المبدأ:

1- بدايةً الدستور ليس عمل الخبراء الدستوريون، فدورهم ينحصر في الصياغة وتقديم الخيارات التقنية وفقاً لما تقرره الإرادة المجتمعية، يترجمون هذه الإرادة بخيارات من الأحكام الدستورية المطبقة في أنظمة دستورية مقارنة، ويبتكرون أدوات جديدة.

2- الدستور عمل الشعب كما يقال، أي أنه عمل يحدد بموجبه المواطنون شروط ممارسة السلطة السياسية، حيث إن الحكام ليسوا أحراراً في حيازة السلطة، والبقاء فيها، وفي استخدامها كما يشاؤون، بل هم خاضعون في ذلك لاحترام القواعد التي تمليها الأمة (الشعب).

3- والدستور ليس عمل ينحصر في تنظيم كيفية ممارسة السلطة، وإنما عمل يحدد فيه بنية الدولة وبنيان المجتمع، حيث إنه يشكل الضمانة الأساسية لحقوق المواطنين وحرياتهم. أي أنه محوره يهدف إلى تحقيق التوازن بين ضمانات الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين وضرورات فاعلية السلطة.

4- من ثم الدستور هو في صلبه وجوهره مجرد إحاطة قانونية بظاهرة سياسية، أي أن الدستور ليس سوى حياكة قانونية لتوافق سياسي/وطني في المجتمع. لذلك أي صياغة من أي فئة أو جهة دون تكليف أو تفويض من هذا التوافق السياسي/الوطني هو كمن يبدأ بقص وتفصيل القماش قبل معرفة مقاس الشخص الذي سيرتدي الثوب، أي ببساطة كما يُقال: وضع العربة قبل الحصان، أو بيع جلد الدب قبل اصطياده. وهذا سيكون جهداً عبثياً، وفي الحالة السورية سيزيد عن عبثية المشهد.

5- وبالتالي لا تملك أي فئة من المجتمع احتكار كتابة أو صياغة مشروع دستور دون تكليف أو تفويض من قبل هذا التوافق السياسي/الوطني. ومن باب أولى إذا تمت صياغة هكذا مشروع من قبل جهة خارجية.

6- بعيداً عن أي مزايدة بمسألة السيادة، والتأكيد بأن صناعة وإقرار الدستور قضية وطنية بامتياز من الألف إلى الياء، لا يمكن إنكار ولا يمكن نفي تأثير القوى الدولية والإقليمية، والأمثلة متعددة: ألمانيا، اليابان، كوريا الجنوبية، العراق…الخ.

7- وهنا لا بد من التأكيد بأن مسألة الشرعية ترتبط بالتوافق الوطني، والحديث عن الشرعية الخارجية هو مجرد وهم، فالخارج يمنح مجرد اعتراف بالسلطة وفقاً لمقتضيات مصلحته

8- لا بد من التأكيد مجدداً، إن مصداقية أي وثيقة دستورية ترتبط بدايةً وفي المقدمة بالجهة التي أعدت الدستور بتكليف أو تفويض من التوافق السياسي/الوطني والتي تحتاج من ثم لتصديق من هذا التوافق.

9- لا يوجد شيء يسمى دستور مثالي أو عصري، فالدستور الأمثل والأفضل هو ما يتوافق عليه الشعب والذي بالضرورة يراعي الحدود الدنيا لمتطلبات العصر.

 

من الناحية الفنية.

1- الدساتير التي تأتي بعد أزمة عميقة كالحالة السورية تأتي في صياغات مطولة، بحيث تُكتب معظم الأشياء الخلافية ولا تحال لقوانين لاحقة، والأمثلة كثيرة في هذا المجال (الدستور الروسي، الألماني، الإسباني، البرتغالي، التركي، الأرجنتيني…).

2- من الناحية الكمية، تقريباً 80% من أحكام دساتير دول العالم متشابهة من حيث الهيكل العام للحقوق والحريات والأحكام الناظمة للسلطات الدستورية، والـ 20٪ المتبقي هي من تحدد الخيارات السياسية التي يتوافق عليها الشعب والتي تتعلق بالحدود والعلاقات بين السلطات الدستورية ومدى التوازن بينها، إضافة للعلاقة بين المركز والأطراف (اللامركزية/أو الفيدرالية)، والرؤية التوافقية لتوزيع وإعادة توزيع الثروة (دور الدولة في الاقتصاد) إضافةً لمكانة ودور المحكمة العليا/أو الدستورية كضابط لإنفاذ الدستور حيث لا قيمة للدستور إلا بالالتزام بأحكامه.

 

أخيراً، إذا كان يحق لي أن أبدي بعض النصائح، أقول:

 

1- في معظم الدول التي شهدت أزمات عميقة، الأزمة لم تكن في الدستور والنصوص رغم أهميتها، فجوهر الأزمة أو المحنة هي في تفسير وتطبيق أحكام الدستور (في حوكمة Gouvernance النظام الدستوري) من خلال الحوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية. يكفي أن نقرأ الدستور الأمريكي لنستنتج مدى بساطة هذا الدستور وضآلة حجم أحكامه التي لم تستخدم كلمة “ديمقراطية” في أياً منها، ولكن الحرية والحامل الاجتماعي هو من فرض النموذج الديمقراطي الأشهر في العالم.

2- الدستور ليس مجرد صياغة جميلة ومحكمة لمن توافقوا واستولوا على السلطة في لحظة ما للإطلالة به على المجتمع المحلي والدولي، سيكون مزيفاً إن لم يقرن بهامش كبير من الحرية، وسيبدو على حد تعبير الفقيه André Hauriou “كمن يرتاد سهرة في فندق فخم بثياب الاستحمام”.

3- الدستور الذي يبني دولة هو من يحتضن جميع مواطنيه، من غير أن يعرف شيئاً عن انتماءاتهم العرقية والطائفية، ولا يفرق بين منطقة وأخرى أو طائفة وأخر. عكس ذلك هو ليس بدستور هو إطار للتقسيم.

4- بناء دستور أساسه “عقد اجتماعي سوري” يتطلب في الحد الأدنى بديهيات معاصرة غير قابلة لا للاجتهاد ولا للإنكار:

– المواطنة: أساس علاقة المواطن مع الدولة، مع احترام الهويات الفرعية

– الفصل: فصل بين السلطات، وفصل الدين عن الدولة (بمعنى الفضاء العام يحترم جميع المعتقدات الدينية ولا يتدخل فيها ولا يحابي أي منها)

– التوازن: توازن بين السلطات المركزية، وتوازن بيننها وبين السلطات المحلية (لامركزية واسعة)

– الحياد: استقلالية القضاء يضمن حياد القاضي، وحياد الإدارة الحكومية في تقديم خدماتها

– العدالة: عدالة انتقالية عمّ جرى، وعدالة تنقلنا لدولة القانون.

 

المدد الزمنية لكتابة دستور إذن تتعلق بإنجاز التوافق الوطني، وليس بالصياغة. فكلما استطعنا الإسراع في الوصول لهذا التوافق الوطني يمكننا صياغة دستور في مدة قريبة… والعكس بالتأكيد صحيح

(اخبار سوريا الوطن ١-صفحة الدكتور سام دلا)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كيف تنظر السعودية والإمارات لوصول “الإسلاميين” للسلطة في سورية؟

أشار تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إلى أن السعودية والإمارات العربية المتحدة تتعاملان بحذر مع القيادات الجديدة في سورية. وأوضح التقرير أن هاتين القوتين ...