لا يوجد في لبنان من يجيب على سؤال حول غياب الاستراتيجية التفاوضية في شأن مصالح لبنان وحقوقه. إذ أن التضارب في المصالح بين أركان الدولة والقوى القابضة على الاقتصاد الوطني لا يرتبط فقط بالنزاعات الداخلية، بل أيضاً بالتأثير الهائل للعواصم العربية والإقليمية والدولية على القوى اللبنانية. ولولا حالة الخضوع التي تسيطر على غالبية أركان الدولة، لكان بإمكان لبنان الوصول إلى مبتغاه بطرق أكثر سلاسة وفي وقت أقل
واشنطن | وفي هذا المجال، يمكن إيراد ملف الكهرباء المعطّل بصورة كاملة منذ نحو ثلاث سنوات، بعدما تسبب النزاع الداخلي والخضوع للضغوط الخارجية في منع لبنان من الحصول على مساعدات أو دعم من دول عدة لإصلاح القطاع أو تغذية المعامل بالفيول اللازم. ولا يزال حاضراً في الأذهان كيف سارعت الإدارة الأميركية إلى إعلان دعمها لخطة نقل الغاز من مصر والكهرباء من الأردن بمجرد إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله نية المقاومة استقدام مشتقات نفطية من إيران.
وقد روج الأميركيون وجماعتهم في لبنان لهذه الخطوة كثيراً، لكن من دون أي نتيجة ملموسة. وفي كل مرة كانت العوائق تظهر من الجانب الأميركي أو من المنظمات الدولية المعنية بهذه العمليات وتمويلها. والمشكلة أن لبنان لم يحسن إدخال هذا الملف ضمن البحث الذي انطلق قبل شهور طويلة حول ملف الترسيم البحري، إذ كان في الإمكان تحقيق نتائج كبيرة لو أن الديبلوماسية اللبنانية أحسنت إدارة الملف.
الآن، وفي موازاة العمل على إنجاز ملف الترسيم البحري، تستمر الاتصالات، ولو بوتيرة منخفضة، في شأن عقد استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن. وإلى جانب المطالبة اللبنانية الدائمة للإدارة الأميركية بالعمل على تسهيل الاتفاقات، تعمل القاهرة وعمّان من جانبهما على هذا الملف أيضاً. علماً أن ثمة تعديلات طرأت خصوصاً على صعيد سعر الغاز، في ظل الارتفاع العالمي للأسعار ربطاً بالحرب بين روسيا والغرب في أوكرانيا.
في لبنان، كان الجميع يقف عند ما اسموه بشروط البنك الدولي، لا سيما بندي رفع سعر التعرفة وإنشاء الهيئة الناظمة للقطاع. ورغم الاتفاق بصورة مبدئية على رفع سعر التعرفة، مع مطالبة وزير الطاقة وليد فياض بربطها ببدء إنتاج يتجاوز الـ 8 ساعات من التغذية يومياً، إلا أن رئيس الحكومة يريد منه الإسراع في إنجاز القرار وإبلاغ مؤسسة كهرباء لبنان به.
أما الخلافات حول الهيئة الناظمة فلا تزال قائمة، خصوصاً لناحية صلاحياتها. إذ يعارض المدراء في وزارة الطاقة إلى جانب قوى سياسية يتقدمها التيار الوطني الحر نزع صلاحيات الوزارة لمصلحة الهيئة، فيما تصر الأطراف الأخرى، ولا سيما الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط، على أن تكون الهيئة لاعباً مركزياً ليس في العقود فقط بل في الإشراف على التنفيذ أيضاً. رغم ذلك، يؤكّد مرجع كبير لـ«الأخبار» أن «الجميع يعرف أن الموانع القائمة من جانب البنك الدولي أو وزارة الخزانة الأميركية سببها قرار سياسي أميركي وأوروبي في سياق الضغط على لبنان». ولفت المرجع إلى أن هذا الأمر طرح مرات عدة مع الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين، على هامش عمله على ملف الترسيم البحري، وقد كرر أكثر من مرة أمام وزير الطاقة اللبناني ومسؤولين آخرين أن إدارته ستعمل على إزالة العقبات.
هوكشتين: عندما تجد الإدارة الأميركية الوقت السياسي المناسب ستضغط على البنك الدولي لتمرير المشروعين
وفي سياق شرحه للموقف، تطرق هوكشتين إلى عقبة إضافية تتعلق بموافقة البنك الدولي على تمويل المشروع الذي «لا يزال قيد الدرس لدى لجنة العمليات operations committe في البنك، وبعد موافقة هذه اللجنة ترفع التوصيات إلى مجلس إدارة البنك ليتم التصويت على توفير التمويل لمشروعي الكهرباء والغاز».
وللمرة الأولى، هاجم هوكشتين إدارة البنك الدولي ولدى إلحاح السفيرة الأردنية على معرفة طبيعة العوائق، وهو السؤال نفسه الذي سبق للوزير فياض أن طرحه على هوكشتين في لبنان، ألقى المسؤول الأميركي، بحسب المصدر الديبلوماسي العربي، مسؤولية التأخير على عاتق نائب رئيس البنك الدولي المدير العام النمساوي – الهولندي أكسل فان تروتسينبورغ. وقال هوكشتين لقعوار إن فان تروتسينبورغ «هو من يؤخر الأمر، ولديه تحفظات كثيرة ويفرض شروطاً إضافية على كل ما يتعلق بالمشاريع الخاصة بلبنان ومشروعي الغاز والكهرباء على وجه الخصوص».
وعندما طلب إليه العمل على معالجة الأمر انطلاقاً من موقعه في الإدارة الأميركية رد هوكشتين بأنه «عندما تجد الإدارة الأميركية الوقت السياسي المناسب، ستتواصل على أعلى المستويات مع رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس للضغط من أجل تمرير المشروعين».
تجدر الإشارة إلى أنه سبق لهوكشتين أن تحدث أمام مسؤولين لبنانيين عن أن إدارته «غير مقتنعة بدراسات الجدوى التي يريدها البنك الدولي»، وقال «إن البنك ليس مؤسسة ربحية، وأنه ممول من دول غنية، وأنه لطالما مول مشاريع فيها درجة عالية من المخاطر السياسية والأمنية».
يشغل النمساوي-الهولندي أكسل فان تروتسينبورغ مركز مدير العمليات في البنك الدولي، منذ تشرين الأوّل عام 2019. وهو يشرف على البرنامج التشغيلي للبنك ويضمن استمرار نموذجه في «تلبية حاجات البلدان العميلة». كما أنه مسؤول عن تأمين الدعم بالموارد المالية، من خلال «المجتمع الدولي»، للمشاريع في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
بدأ الاقتصادي فان تروتسينبورغ مسيرته المهنية في منظمة التعاون الاقتصادي في عام 1986، وفي العام 1989 انتقل للعمل في البنك الدولي، حيث تدرّج من خبير اقتصادي في غواتيمالا وساحل العاج، وترقّى لاحقاً إلى منصب مدير قطري للأرجنتين وتشيلي والباراغواي والأوروغواي، وبعدها للمكسيك وكولومبيا. بعد ذلك انتقل ليشغل مراكز إدارية في البنك، كنائب رئيس البنك الدولي لشؤون التمويل الميسر والشراكات العالمية، ومن ثم عمل نائباً للرئيس عن منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، ونائب الرئيس لتمويل التنمية، ونائب الرئيس لمنطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، حتى وصل أخيراً إلى مركزه الحالي. علماً أنه أنجز دراساته الأكاديمية في الاقتصاد والعلاقات الدولية بين جامعات في النمسا والولايات المتحدة الأميركية.