اتخذت الأوضاع الأمنية المتوترة في الشمال، وتحديداً في منطقة وادي خالد، منحى خطيراً أول من أمس، مع العملية الأمنية التي قام بها فرع المعلومات في أحد منازل خراج منطقة الفرض عند الحدود اللبنانية – السورية، والتي شهدت مواجهات ضارية استمرت لساعات، قبل أن تتمكن القوى الأمنية من القضاء على عدد من عناصر المجموعة الإرهابية وتوقيف بعضهم.
من يزر منطقة وادي خالد ويتجول في شوارعها، يدرك تماماً حال التململ غير المسبوقة التي تجتاح الأهالي، من مختلف التوجهات السياسية. فالحماسة السياسية وظروف العام 2011 لم تعد موجودة بعد مضيّ تسع سنوات على اندلاع الأحداث الأمنية في سوريا. أولئك الذين راهنوا بداية على سقوط النظام في سوريا في غضون أشهر وجني ثمار «الثورة»، أدركوا أنهم كانوا مجرد وقود لحرب عبثية طويلة استنزفت منطقتهم وجعلتهم ينشدون الاستقرار الأمني وتأمين الحماية في ظل الأوضاع الاقتصادية الخانقة.
على امتداد القرى والبلدات الحدودية، يبدو سكان البلدات المتقدمة على الحدود في الهيشة والمقيبلة وبني صخر وخط البترول والعماير، ووادي خالد.. قد ضاقوا ذرعاً بتبادل إطلاق النار ليلاً، وهو ما يعزوه أهالي المنطقة الى التجار والسماسرة أو المهرّبين الذين يعمدون الى تهريب الأشخاص عبر المعابر الترابية غير الشرعية. «كل متر هناك معبر ويستحيل ضبطها. الحدود مغلقة بشكل تام أمام الآليات والسيارات، وبالتالي فإن حركة نقل البضائع غير موجودة، أما حركة نقل الأشخاص وتسلل المسلحين وغيرها فهي متاحة على طول الشريط الحدودي الممتد على مسافة 25 كلم».
يعود أبناء وادي خالد بذاكرتهم الى العام 1975 يوم نشطوا تجارتهم الحرة وأقاموا أكثر من 800 محل تجاري على امتداد الطريق في البقيعة، حيث نشطت حركة التجارة بين لبنان وسوريا بشكل كبير. وعرفت منطقة وادي خالد في تلك المرحلة فترة ذهبية تركت آثارها على حياة العشائر، والتي لا تزال بادية بطبيعة المنازل التي شيدوها حتى يومنا هذا. لم يعد من تلك المرحلة سوى الذكريات؛ الحدود مغلقة وحركة التبادل التجاري معدومة، ووجد أبناء وادي خالد أنفسهم محاصرين عبر قطع الإمدادات من الداخل السوري وتشديد الرقابة من قبل القوى الأمنية عند حاجز شدرا، «التي لا تدقق سوى في البضائع، فتعمد إلى تفتيش أصحاب المؤسسات التجارية، والمزارعين، وتجار الماشية، لتبقى الحدود مشرعة أمام حركة تهريب الأشخاص»، بحسب أحد مخاتير المنطقة.
«منطقتنا لا تضم إرهابيين وليست بيئة حاضنة لهم، ونحن تحت سلطة الدولة وشكلنا درعاً وسنداً للقوى الأمنية خلال العملية التي نفذتها»، يقول المختار مروان الوريدي، لافتاً الى «أن ما حدث في وادي خالد، حدث في البداوي والمنية وبحنين»، مؤكداً «أننا نعيش أياماً صعبة لم نعرف مثلها على الإطلاق، وبات شباب الوادي نازحين في بلدهم، يتحيّن البعض منهم بيع غالون المازوت والبنزين لتأمين ثمن ربطة خبز».
«استفاد الإرهابيون من طبيعة المنطقة الوعرة وعمدوا قبل أيام الى استئجار المنزل عبر أحد السوريين، ولكن هذا لا يعني أن هناك بيئة حاضنة لهم على الإطلاق»، يؤكد رئيس اتحاد بلديات وادي خالد علي موسى، لافتاً الى «أننا سنشكل خلية لضبط الوضع ومساندة القوى الأمنية».
تلك التطورات أحدثت إحباطاً بالنسبة إلى أهالي وادي خالد وفاعليات المنطقة، الذين سارعوا إلى عقد اجتماعات متتالية للمطالبة بضبط الحدود. وعلمت «الأخبار» أن فاعليات المنطقة ارتأوا الانتظار إلى حين صدور بيان رسمي عن القوى الأمنية ليُبنى على الشيء مقتضاه، خصوصاً أنهم لا يعلمون من هم أفراد المجموعة الإرهابية، وإن كانت تضم عدداً من شبان وادي خالد أو لا.
وتباحث المجتمعون في إمكانية تأمين «حراسة ليلية»، كل بلدية ضمن نطاقها، بهدف حماية الحدود من أي خرق أمني، كما سيتم إعداد بيانات بكل من يدخل ويخرج الى القرى والبلدات. وفور توضيح ملابسات الحادثة وتحديد أفرادها، سيكون لعشائر وادي خالد بيان رسمي يحدد الموقف ممّا يجري، بعد أعوام على النزوح السوري، وسط تساؤلات مستمرة عن سبب عدم إعادة النازحين الى بلادهم، علماً بأن عددهم في وادي خالد يفوق عدد أبناء المنطقة. ماذا تنتظر الدولة اللبنانية لتتحمل مسؤوليتها تجاه ما يزيد على 40 ألف نسمة حرمت بعضهم من الجنسية اللبنانية وتركتهم لمصيرهم؟
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)