الرئيسية » مختارات من الصحافة » واشنطن بوست: فرنسا تتأرجح على حافة الهاوية

واشنطن بوست: فرنسا تتأرجح على حافة الهاوية

إذا منح الناخبون الفرنسيون حزب التجمع الوطني مقاليد السلطة، فسوف ينتقمون من المظالم التي يتهمون بها ماكرون وحزبه، لكنهم قد يندمون على كل ما تمنوه حسب الكاتب لي هوكشتادر في صحيفة واشنطن بوست.

لقد بينت لي إحدى صديقاتي التي تعمل في مجال الزراعة العضوية في شامبانيا، جنوب شرق باريس، ما رأته من موهبة حزب التجمع الوطني المتشدد والمناهض للمهاجرين في التعامل مع السياسات بالتجزئة وتحسين صورته، مما أدى لتحول الناخبين الفرنسيين باتجاهه. وبالمناسبة صديقتي هذه مناهضة للحزب المذكور.

أخبرتني صديقتي أن المسؤولين المحليين من الأحزاب السياسية الأخرى تجاهلوا لسنوات الدعوات لحضور اجتماعات المزارعين والمعارض الزراعية. وقد ظهر ممثلو التجمع الوطني مستعدين ومطلعين ومستعدين للحديث عن المشاكل المحددة التي يواجهها المزارعون.

وعندما أعرب أحد تجار النبيذ عن قلقه من أن برنامج الحزب المناهض للمهاجرين قد يؤدي إلى خنق المعروض من العمالة المحلية، طمأنه أحد مسؤولي التجمع الوطني بعد أن حضر مسؤول آخر في الحزب حدثا مؤخرا، وأرسل له رسالة شكر مهذبة، مما يدل على أنهم “يعرفون كيف يتصرفون في المجتمع”.

ولكن، وفقا لصديقتي، فإن كل الكياسة التي ينتهجها حزب التجمع الوطني غير كافية لتبييض صفحته أمام بعض الناخبين الفرنسيين بما يخص معاداة السامية وإنكار المحرقة. ولهذا السبب لا تصوت صديقتي للحزب.

لكن التحول الذي طرأ على الحزب، والمشروع الذي دام لسنوات بين مارين لوبان وتلميذها المسيطر جوردان بارديلا البالغ من العمر 28 عاما، كان ناجحا إلى حد مذهل. وعلى مدى سنوات على هامش السياسة الفرنسية، حقق نصرا ساحقا في الانتخابات الفرنسية للبرلمان الأوروبي هذا الشهر.

والآن، وقبل انتخابات المجلس التشريعي الفرنسي التي تجري على جولتين والتي تنتهي في السابع من يوليو، يقود حزب التجمع الوطني مجموعة من الأحزاب في مجال سياسي منقسم بشدة. وقد يؤدي فوزه إلى ترك الرئيس إيمانويل ماكرون في منصبه، ولكن كزعيم لمعارضة ضعيفة.

وبعيداً عن الحظوظ المرتفعة لحزب التجمع الوطني، هناك العديد من الأشياء المهمة التي يجب معرفتها عن الحزب، ولا شيء منها يبعث على الارتياح.

أولا، يدعم هذا الحزب سياسات الكرملين بوضوح، وقد تشكل سيطرته على مكتب رئيس الوزراء صدعا في الجبهة الغربية المحدة بشأن أوكرانيا.

ثانيا، يريد الحزب نظاما جديدا في فرنسا لا يعتبر الاتحاد الأوروبي ثقلا موازنا لروسيا والصين، ويسعى للتقشف القومي. وكما كتب المؤرخ البريطاني تيموثي جارتون آش هذا الشهر: “ستكون هذه بداية خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي كما حصل في بريطانيا”.

ثالثا، عدم الترحيب بالمهاجرين وحرمانهم من المزايا الاجتماعية ومواصلة الترحيل يمكن أن يحدد مسارا للانحدار طويل الأجل في بلد يعتمد، مثل بلدان أخرى في أوروبا، على العمالة المهاجرة للحفاظ على اقتصاده.

لقد دفع انتصار حزب التجمع الوطني هذا الشهر ماكرون إلى الدعوة لانتخابات مبكرة لانتخاب المجلس التشريعي الفرنسي، مما أثار اضطرابات سياسية. وتتلخص مقامرته الضخمة في أن الناخبين لن يكرروا، في الاقتراع المحلي، ما بدا وكأنه تصويت احتجاجي على المستوى القاري. لكن الزخم السياسي واستطلاعات الرأي في الوقت الراهن يشيران إلى أن الحزب سيفوز بأكبر حصة من المشرعين في الجمعية الوطنية المؤلفة من 577 مقعدا.

ولا يوجد عزاء كبير في حقيقة مفادها أن منافس الحزب الرئيسي يبدو وكأنه كتلة يسارية يهيمن عليها الاشتراكيون الراديكاليون الذين من شأن برنامجهم المبذر أن يؤدي إلى تفجير الاقتصاد الفرنسي. أما بالنسبة للفصيل الوسطي الذي ينتمي إليه ماكرون، فهو يحتل المركز الثالث بفارق كبير في استطلاعات الرأي.

ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن أحد كبار رجال الأعمال الفرنسيين قوله إن احتمال دخول اليمين المتشدد أو اليسار المتشدد في فرنسا إلى الحكومة هو “الاختيار بين الطاعون والكوليرا”.

إن خطاب حزب التجمع الوطني الكارثي، الذي يصور فرنسا وهي واقعة في قبضة الفوضى والجريمة والانحدار، يتعارض مع نجاح الحكومة في خفض معدلات البطالة والتضخم. لكن ماكرون لم يبتكر أي علاج للاستياء والحنين المرير الناتج عن الهجرة الجماعية، والذي يظل في قلب رسالة لوبان-بارديلا بأن “الشمولية الإسلامية” ستؤدي إلى “محو” فرنسا.

تخيل، كما قال بارديلا أمام حشد من الناس في العام الماضي، فرنسا “حيث يعيش كل فرنسي وفرنسي تحت نفس العلم، ونفس اللغة، ونفس الثقافة”. إن إيقاعه المدروس لا ينفي التطرف المتمثل في تجانس بلد يضم ملايين المسلمين سكانه المولودين في الخارج، والذين يشكلون حوالي 13% من السكان. ومن الجدير بالذكر أن فرنسا أضافت عددًا أقل من المهاجرين، كنسبة من السكان، مقارنة بالعديد من الدول الغربية الكبرى الأخرى على مدى العقدين الماضيين.

هناك شيء غريب في احتمال أن يتلاعب الناخبون بالاضطرابات في بلد مدعوم بثقافة المشاريع البادئة النابضة بالحياة، والإنفاق الاجتماعي القوي، والاقتصاد الذي تفوق في أدائه على كثيرين في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن قطاعات واسعة من البلاد ساخطة، وخاصة الفقراء الذين يشعرون بالاستياء من النخبة الحضرية التي يرون عزلتها وغطرستها متجسدة في ماكرون.

وإذا نجح الناخبون الفرنسيون في منح التجمع الوطني مقاليد السلطة، فسوف ينتقمون من تلك المظالم. لكنهم قد يندمون على كل ما تمنوه.

 

 

سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إزفيستيا: إسرائيل ولبنان.. هل سيتفقان على هدنة؟

حول التقدم في عملة التفاوض لإبرام هدنة مع لبنان، كتبت كسينيا لوغينوفا، في “إزفيستيا”: وافقت السلطات اللبنانية على خطة لتسوية العلاقات مع إسرائيل، اقترحتها إدارة ...