قال كاتبان أميركيان -في مقالين منفصلين بصحيفة واشنطن بوست- إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه معارك على جبهات عديدة مع مجموعات كان يعتمد عليها كحلفاء، وهو يستغل كل ما في وسعه من أدوات، في مسعى يائس على نحو متزايد للتشبث بالسلطة.
وتحدث الكاتبان عما سمياه معارك نتنياهو العديدة مع الأباعد والأقربين، وسط الحرب المدمرة وغير المسبوقة على قطاع غزة، حيث قتل عشرات الآلاف من الأشخاص وشرد معظم سكان القطاع، وكذلك وسط التوترات المتصاعدة على الحدود الشمالية مع لبنان.
وقال إيشان ثارور -في عموده بواشنطن بوست- إن نتنياهو قام مؤخرا بإلغاء “حكومته” في زمن الحرب، التي تضم منافسين سياسيين أكثر اعتدالا، والتي تشكلت لإدارة رد إسرائيل على الهجوم الصادم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على جنوب البلاد.
وقد أدت الخلافات حول طريقة تعامل نتنياهو مع الحرب واسترضائه لليمين المتطرف إلى الابتعاد عن غرض اللجنة، وتشاجر مع جنرالات إسرائيل، كما هاجم الرئيس الأميركي جو بايدن بسبب ما قال إنه حجب الأسلحة عن إسرائيل وإحباط هدفها المتمثل في هزيمة حماس بشكل كامل، متجاهلا الكم الهائل من الدعم الذي قدمته إدارة بايدن لإسرائيل.
ولكن يبدو لثارور أن انتقادات نتنياهو للبيت الأبيض تهدف لكسب تأييد قاعدته اليمينية وتعزيز معارضي بايدن الجمهوريين، الذين دعوه -وسط استقطاب شديد- لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس الشهر المقبل.
وقال مارتن إنديك، السفير الأميركي السابق في إسرائيل، إن تل أبيب في حالة حرب على عدة جبهات، مع حماس في غزة ومع الحوثيين في اليمن ومع حزب الله في لبنان ومع إيران، ومع ذلك يهاجم نتنياهو الولايات المتحدة بناء على كذبة اختلقها، مما يعني أن على رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون سحب دعوته لنتنياهو لمخاطبة الكونغرس حتى يتراجع ويعتذر.
ولم يدم التقارب مع إدارة بايدن طويلا، واشتكى المسؤولون الأميركيون من رفض نتنياهو صياغة خطة لليوم التالي، وكذلك من الانهيار الإنساني المتزايد داخل غزة، ليصبح الحقد أكثر وضوحا -حسب الكاتب- وذلك بنشر نتنياهو مقطع فيديو يتهم فيه بايدن بعرقلة المجهود الحربي الإسرائيلي، قائلا “من غير المعقول أن تقوم الإدارة خلال الأشهر القليلة الماضية بحجب الأسلحة والذخائر عن إسرائيل”.
وكان رد فعل المسؤولين الأميركيين غاضبا في السر، فألغوا اجتماع التخطيط الإستراتيجي المقرر عقده هذا الأسبوع، وقال مسؤولون وسط ارتباك عام، إن شحنة واحدة فقط من القنابل الثقيلة تأخرت، في حين استمر تدفق أسلحة أخرى بقيمة ملايين الدولارات، “نحن حقا لا نعرف ما الذي يتحدث عنه” كما قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير.
وقد أدى الغضب الداخلي بسبب عدم رغبة نتنياهو في إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين في غزة، إلى تأجيج احتجاجات ودعوات لاستقالته وإجراء انتخابات جديدة، في وقت أظهر فيه استطلاع للرأي أن معدلات تأييد وزير الدفاع يوآف غالانت أعلى بكثير من معدلات تأييد نتنياهو.
ويصر نتنياهو على ضرورة السماح لإسرائيل بالقضاء على حماس، رغم أن عديدا من كبار الخبراء يؤكدون استحالة هزيمتها عسكريا بشكل كامل في غياب حل سياسي دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومثلهم الرتب العليا في الجيش، إذ قال المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري “لا يمكن تدمير حماس؛ حماس فكرة، من يعتقدون أنه يمكن جعلها تختفي مخطئون”.
ويبدو أن هاغاري يشير بشكل واضح إلى نتنياهو وحلفائه في أقصى اليمين، ومن بينهم الوزيران اليمينيان المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذان يعتمد على دعمهما للبقاء في السلطة، وقد عارضا صراحة أي إستراتيجية “لليوم التالي”، مما أثار غضب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وعديد من منافسي نتنياهو الوسطيين، على حد قول الكاتب.
ومن جانبه، يقول الكاتب الأميركي ستيف هندريكس -في مقال بواشنطن بوست- إن نتنياهو تحرك بسرعة، في خضم حالة الهرج والمرج التي أعقبت الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس، لتوحيد الفصائل المتحاربة العديدة في إسرائيل.
وبادر بدعوة المعارضة لتقاسم السلطة في حكومة حرب الطوارئ، ووحّد الليكود وأعضاء الائتلاف صفوفهم خلفه، وأدى القادة العسكريون التحية وانطلقوا لمواصلة الحرب، وحتى بايدن -الذي كانت علاقته متوترة مع نتنياهو- قام بزيارة مثيرة في زمن الحرب ولف ذراعيه حول رئيس الوزراء.
وتابع هندريكس أن هذه الوحدة صمدت لعدة أشهر، ولكن مع استمرار الحرب واستنفاد جنود الاحتياط، وتصاعد الغضب الشعبي بسبب فشل الحكومة في التوصل إلى اتفاق يعيد المحتجزين إلى وطنهم، بدأت الشقوق تتسع، وربما تكون المعارك الداخلية الأكثر إثارة للدهشة وربما الخطيرة هي التمرد الأخير داخل ائتلافه، بل وحتى داخل حزبه، عندما رفض الأعضاء دعم جزء من التشريع الذي أمرهم بتمريره.
وقد رفض رؤساء البلديات والمشرعون من حزب الليكود، في تمرد نادر، مشروع القانون الذي يمنح الحكومة مزيدا من السلطة على حاخامات البلديات، واضطر نتنياهو إلى سحبه، مما يمثل انتفاضة صغيرة، ولكنها علامة تشير إلى أن قبضة رئيس الوزراء الحديدية على الليكود يمكن أن تفلت.
وفي السياق نفسه، أشار الكاتب هندريكس إلى أن رحيل بيني غانتس عن حكومة الائتلاف وحلها أثار مخاوف من أن يعتمد نتنياهو بشكل أكبر على شركائه الأكثر تطرفا في الصراع الدائر في غزة، حتى مع التهديد باندلاع حرب ثانية مع حزب الله في لبنان.
ومع استمرار المعارك في غزة، أشار كبار الضباط إلى الحاجة إلى خطة “اليوم التالي” لتحديد من سيدير غزة عندما ينتهي القتال، لأنه من دون وجود خطة لا يمكنهم سحب قواتهم من غزة دون خوف من قيام حماس بإعادة تجميع صفوفها بسرعة وإعادة تسليحها والتهديد بتنفيذ عملية أخرى مثل يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
أما نتنياهو الذي يقف في حقل الألغام السياسي هذا -يوضح الكاتب- والذي يدافع شركاؤه الأكثر تطرفا عن احتلال إسرائيل لغزة بشكل دائم، وإعادة بناء المستوطنات اليهودية هناك، فهو يرفض الحديث عن أي خطة على الإطلاق، وعندما يتم الضغط عليه، يكرر أن إسرائيل ستواصل القتال حتى يتم “تدمير” حماس وتحرير الأسرى، حسب “الجزيرة نت”.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم