- وليد شرارة
- السبت 22 كانون الثاني 2022
اللافت في مواقف الأطراف المشارِكة في المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني في فيينا، خلال الشهرين الأخيرين، هو التباين الواضح بينها عند تقييمها لسير هذه المفاوضات. فبينما تحرص إيران وروسيا والصين على التركيز على «النصف الممتلئ من الكأس»، والتنويه بما يتمّ تحقيقه من تقدّم في مسارها، تستمرّ الأطراف الغربية، في الآونة الأخيرة، في إظهار توتّرها من «بطئها» والتحذير من أنّ «الوقت ينفد». عبّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عن هذا الرأي، في مقابلة مع قناة «بي أف أم»، عندما قال: «كنّا نسير في اتجاه إيجابي في الأيام القليلة الماضية، لكن الوقت عامل جوهري لأنّنا إذا لم نتوصّل إلى اتفاق بسرعة، فلن يكون هناك شيء نتفاوض عليه». القوى الغربية، في الواقع، لا تمتلك بديلاً عن خيار التفاوض مع إيران للتوصّل إلى تسوية تتيح العودة إلى الالتزام باتفاق عام 2015 النووي. قد يكون المسار التفاوضي أطول وأصعب ممّا تخيّله المسؤولون الغربيون، لكنّ أيّ حديث عن «خيارات أخرى»، للتلويح بإمكانية اللجوء إلى القوة العسكرية ضدّ طهران، يندرج في إطار التهويل العديم الصدقية بالنسبة للقيادة الإيرانية. الاستنتاج الأول الذي سيتوصّل إليه أيّ مراقب عادي للسياسة الدولية، هو أنّ المفاوضات بشأن النووي الإيراني تجري في سياق عالمي، وكذلك إقليمي، غير ملائم البتّة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. شتّان بين هذا الأخير، وبين ذلك الذي ساد خلال المفاوضات التي أفضت إلى اتفاق عام 2015. الولايات المتحدة في خضم مواجهتَين استراتيجيّتَين مرشّحتَين للاحتدام في الآن نفسه مع قوّتَين عظميين، أي روسيا والصين، والتطوّرات التي شهدتها منطقتنا، خلال السنوات الأخيرة، تُظهر تحوّلات جدّية ونوعية في موازين القوى لصالح محور المقاومة، وفي القلب منه إيران. بكلام آخر، ونتيجة للمتغيّرات الدولية الهائلة، وللمراكمة الكمّية والنوعية للقدرات العسكرية والصاروخية لديها ولدى حلفائها، وللإنجازات الميدانية في طول الإقليم وعرضه، إيران اليوم أقوى في مقابل واشنطن وحلفائها، ممّا كانت عليه في عام 2015. والأنكى بالنسبة للأخيرين، هو تعزيز الشراكة بين خصومهم الثلاثة والانتقال إلى مستوى أعلى من التنسيق السياسي والأمني والعسكري ومن تعظيم المصالح المشتركة. الوقت ينفد، ربما بنظر توني بلينكن وجان إيف لودريان، ولكن ليس بالنسبة لإيران.
«الوقت ينفد» بالنسبة لواشنطن وحلفائها
أول من يشعر بأنّ الوقت لا يعمل لصالحه، وأنّه يحتاج لإنجازٍ ما يحدّ من تدهور شعبيّته في داخل بلاده، ومكانته على النطاق الدولي، هو الرئيس الأميركي جو بايدن وفريقه. انعكس هذا الشعور بجلاء في الكلمة التي ألقاها لمناسبة مرور عام على تولّيه منصبه، واستعرض فيها سلسلة «التحدّيات» الخارجية والداخلية التي واجهت إدارته، وهي في الحقيقة مجموعة من الإخفاقات تعود بمجملها للسياسات التي اعتمدها. فمن الأزمة في أوكرانيا، الناجمة عن الإصرار على ضمّها، فعلياً لا رسمياً، إلى حلف «الناتو»، والرفض الروسي الحازم لذلك، مروراً بحرب اليمن، التي وعد بالسعي لوقفها عندما كان مرشّحاً، ولكنّه سرعان ما ابتلع وعده عندما أضحى رئيساً، وبالانسحاب المذلّ من أفغانستان، وصولاً إلى المفاوضات بشأن الاتفاق النووي مع إيران، التي ما كانت لتمتدّ زمنياً كما حصل منذ نيسان الماضي، لو التزم بتعهّداته، يوم كان مرشحاً، بالالتزام بموجبات هذا الاتفاق ورفع العقوبات التي فُرضت من قبل دونالد ترامب على طهران. هو تناول أيضاً المصاعب الداخلية الكبرى المتعلّقة بالجائحة وبتداعياتها الشديدة السلبية على الاقتصاد، بما فيها ارتفاع الأسعار.
يدرك المسؤولون الغربيون أنهم أمام احتمال خطير في أوكرانيا ستكون مفاعيله ثقيلة بالنسبة للقارّة العجوز
ومن الممكن أن نضيف إلى هذا المشهد الإجمالي رفعه لحدّة التوتّر مع الصين، وهو التوجه الوحيد المطابق لبرنامجه الانتخابي. الزمن السياسي والانتخابي يعمل ضدّ بايدن،كما تشير استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة والتوقّعات بانتصار الجمهوريين في الانتخابات النصفية المقبلة، والذي سيكون بمثابة الكارثة السياسية بالنسبة لمستقبل إدارته. لم تحمل الأحداث، في الأسابيع الأخيرة، أية إيجابيات بالنسبة للملفّات المذكورة، وفي مقدمتها التوتّر مع روسيا حول أوكرانيا. فاللقاء الذي جمع وزيري الخارجية الروسي والأميركي في جنيف، يوم الجمعة 21 من هذا الشهر، انتهى قبل موعده المحدّد، أي لم يمتدّ لساعتين كما كان مقرّراً، ولم يُحرز أيّ تقدّم يُذكر لأنّ الطرفين متمسّكان بمواقفهما. وكان بلينكن قد أعرب من برلين، قبل هذا اللقاء، عن قناعته بأنّ نوايا فلاديمير بوتين واضحة، وأنّه «يهيّئ الأرضية لغزو أوكرانيا لأنّه لا يعتبرها دولة ذات سيادة». بقية المسؤولين الغربيين حالهم حال بلينكن: هم يدركون أنهم أمام احتمال خطير في أوكرانيا، ستكون مفاعيله ثقيلة على الاحتمال بالنسبة للقارّة العجوز، فيرفعون الصوت ضدّ طهران لحملها على التنازل عن ثوابتها المتعلّقة برفع جميع العقوبات المفروضة عليها والضمانات بالنسبة لديمومة الاتفاق. يتناسى هؤلاء جميعاً أنّ استعار التناقضات بين القوى الدولية المهيمنة، ولكن الهرمة، وتلك الصاعدة والفتية، هو سياق تستطيع إيران وغيرها من بلدان الجنوب المستقلّة توظيفه لصالحها.
طهران ليست مستعجلة
على الرغم من أنّ غالبية المسؤولين الغربيين تقرّ بفشل استراتيجية الضغوط القصوى التي اعتمدتها إدارة ترامب على حمل إيران على الإذعان لشروطها، فإنّها ما زالت تُراهن على أنّ المصاعب الاقتصادية والاجتماعية الداخلية فيها، والتي تسبّبت بها هذه الضغوط أساساً، ستدفعها إلى تقديم تنازلات في المسار التفاوضي. هي لا تعي أنّ الوضع الدولي، من منظور طهران والعديد من العواصم غير الغربية الأخرى، بما فيها موسكو وبكين، يظهر أنّ الزمن يعمل لصالحها لأنّ القوى المهيمنة تتراجع وتضعف. سال الكثير من الحبر للتعليق على زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لموسكو وما تعنيه من تعزيز للشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والأمر نفسه ينطبق على المناورات البحرية المشتركة الإيرانية-الروسية-الصينية، التي ستستمر لثلاثة أيام على مسافة 17000 كلم مربع في شمال المحيط الهندي، ومغزاها على المستوى الاستراتيجي، أي تحدّي السيطرة الحصرية لأساطيل الغرب على هذا المجال البحري الحيوي. وأتى قرار «حركة أنصار الله» بالرد على تصعيد وكلاء الإمارات المحلّيين في اليمن ضدّها، بتوجيه ضربات لأهداف في داخل أراضي الأولى، كمؤشّر على أنّ المفاوضات في فيينا لا تلزم حلفاء إيران بتقديم أية تنازلات على حساب أجندتهم المحلية، وهي بالنسبة لليمن وقف عدوان قوى التحالف عليه. وقد دفع هذا الهجوم المعلّق الصهيوني، يوني بن مناحيم، على موقع «نيوز 1» الإسرائيلي، إلى الإعراب عن يقينه بأنّ الحركة تمتلك القدرة على قصف الكيان. احتدام الأزمات الدولية وتعزيز العلاقات مع القوى غير الغربية الصاعدة، والتي بات بعضها، كالصين، قطباً اقتصادياً رئيسياً على الصعيد العالمي، والتحوّل التدريجي ولكن المستمر في موازين القوى الإقليمية، هي جميعها عوامل تزيد من ثقة إيران بأنّ موقفها التفاوضي ليس ضعيفاً، وأنّ الزمن لا يعمل ضدها.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)