كتب المحرر السياسي
صورتان اختصرتا المشهد ليل أمس، الصورة الأولى لمقاتل من سرايا القدس يقفز فرحا ويصرخ «ولّعت… ولّعت»، بعد نجاحه بإحراق دبابة ميركافا من الجيل الرابع في شوارع غزة، بقذيفة «ب 7» بعد تمكنه من استهداف الدبابة في نقطة انفصال البرج عن جسم الدبابة بما يشبه المعجزة، أما الصورة الثانية فكانت لنائب السفيرة الأميركية في نيويورك روبرت وود وهو يرفع يده لاستخدام حق النقض (الفيتو)، لإسقاط مشروع قرار يدعو لوقف إطلاق نار إنساني في غزة، لتمكين الهيئات الأممية من إيصال المساعدات الإنسانية لمن وصفهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بـ 97% من سكان غزة الذين لا يملكون المسكن ولا الغذاء ولا الدواء.
الفيتو الأميركي كان وحيداً في التصويت ضدّ مشروع القرار، الذي كان لافتاً انّ دولة الإمارات العربية المتحدة هي من وقفت وراءه، ولو بتكليف عربي، وقد سبق للإمارات أن كانت قد صوّتت ضدّ مشاريع مشابهة لأنها لم تتضمّن إدانة واضحة لحركة حماس، واللافت انّ كلّ الدول الأوروبية صوّتت مع المشروع، الذي نال 13 صوتاً من أصل 15 صوتاً يتكوّن منهم مجلس الأمن، فيما امتنعت بريطانيا عن التصويت، وبقيت أميركا وحيدة على ضفة الرفض، ما يظهر حجم التحوّل السياسي الذي أحدثته قوى الرأي العام في العالم بفرض التغيير على حكوماتها، وفي الدول الغربية خصوصاً، وهذا يعني أنّ اللحظة التي يصعب فيها على واشنطن مواصلة تقديم الحماية والدعم المفتوح لكيان الاحتلال وجرائمه المتمادية في غزة، لم تعد بعيدة، وهذا ما يفسّر ما تنقله وسائل الإعلام الأميركية عن إبلاغ واشنطن لتل أبيب بأنّ الوقت ينفد…
في الميدان كان واضحاً يوم أمس أنّ الكلمة العليا هي للمقاومة، حيث توزعت كتائب القسام وسرايا القدس تحقيق الإنجازات بإحراق الدبابات وقتل الجنود، ووزعت التسجيلات التي توثق إنجازاتها، وفيما وثقت القسام مشروعاً فاشلاً لقوات الاحتلال لتحرير أحد الأسرى، انتهى بمقتله، وقتل عدد من المهاجمين، لم يلبث الناطق بلسان جيش الاحتلال ان اعترف بالعملية ولو بطريقة مواربة، بينما استمرت المقاومة بإطلاق الصواريخ على تل أبيب من مواقعها في جباليا والشجاعية شمال غزة، واستهداف غلاف غزة وصولاً الى بئر السبع.
لبنانياً زاد الحديث عن مخاطر التصعيد مع تداول ما يتناقله الموفدون الغربيون، من تقارير عن احتمالات تصعيد اسرائيلية، وجاء استهداف الجيش اللبناني مجدداً ليؤكد هذه المخاوف، بينما واصلت المقاومة عملياتها، والمصادر المتابعة لموقف المقاومة تقول إنها جاهزة لكلّ الاحتمالات، وأنها لا تبحث ايّ مقترحات ومشاريع قبل وقف العدوان على غزة.
وحافظت الجبهة الجنوبية على سخونتها مع استمرار المقاومة الإسلامية في لبنان دكّ مواقع الإحتلال وثكناته وتجمعاته بالأسلحة النوعية، في مقابل تمادي العدو الإسرائيلي باعتداءاته على القرى الجنوبية الآمنة على الحدود مع فلسطين المحتلة، مكرّرة استهدافها لمراكز الجيش اللبناني.
واستهدفت المقاومة مربض خربة ماعر بالأسلحة المناسبة وتمّت إصابته إصابة مباشرة، وقصفت مواقع الراهب بصواريخ بركان ورويسات العلم في تلال كفرشوبا والرادار في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية وقد أصابت أهدافها بدقة.
ونشر الإعلام الحربي في حزب الله، مشاهد من استهداف المقاومة الإسلامية عدد من المواقع التابعة لجيش العدو الإسرائيلي عند الحدود اللبنانية الفلسطينية.
وزفت المقاومة الإسلامية كوكبة من الشهداء ارتقوا على طريق القدس، وهم: حسن علي دقدوق «جواد» من بلدة عيتا الشعب، علي ادريس سلمان «عباس» من بلدة عرمتى، حسين عصام طه «أبو تراب» من بلدة ميس الجبل، أحمد حسين علي أحمد «أبو عباس» من بلدة الناصرية في البقاع.
وواصلت قوات الإحتلال الإسرائيلي عدوانها على جنوب لبنان، وأطلقت مروحيّة إسرائيليّة من نوع «أباتشي»، صاروخ جوّ- أرض مستهدفةً منزلًا في بلدة مروحين.
وأعلنت قياد الجيش اللبناني، تعرّض المركز الاستشفائي التّابع للجيش في بلدة عين إبل – الجنوب، لقصف من قبل العدو الإسرائيلي، ما أدّى إلى أضرار مادّيّة، دون وقوع إصابات.
وتفاعل تقرير «رويترز» الذي حمّل جيش الإحتلال مسؤولية قتل الصحافي المصوّر الشهيد عصام عبدالله. وكذلك التحقيق الذي أجرته منظمتا «أمنستي» و»هيومان رايتس» في لبنان ووجه الاتهام لقوات الإحتلال بقتل الصحافيين لا سيما فريق عمل قناة «الميادين». ما يضع ذلك برسم الولايات المتحدة الأميركية التي قرّرت الحرب الإسرائيلية على غزة وتديرها وتغطي استمرارها بتسليحها لجيش الإحتلال بكافة أنواع الأسلحة التدميرية والمحرّمة دولياً لتدمير المباني السكنية والتعليمية والصحية والخدماتية في غزة وقصف القرى اللبنانية وقتل المدنيين والأطفال، وكذلك برسم الدول الأوروبية والمجتمع الدولي والأمم المتحدة المولجة بتطبيق القانون الدولي والدفاع عن حقوق الإنسان وحماية وتحييد المدنيين عن الحرب.
ويستمرّ المسؤولون الأميركيون بسياسة النفاق والكذب حيال ما يجري في غزة، فقد اعتبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر صحافي في واشنطن عقب اجتماعه مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، أنه من «المهمّ» إجراء «تحقيق كامل ومعمّق» في القصف الإسرائيلي الذي أدّى إلى مقتل عصام عبدالله وإصابة ستة آخرين في 13 تشرين الأول في جنوب لبنان. وعند سؤاله حول هذا الموضوع قال «أعتقد أنّ إسرائيل بدأت مثل هذا التحقيق وسيكون من المهمّ أن نرى نجاح هذا التحقيق ومعرفة النتائج». بدوره، زعم جيش الإحتلال الإسرائيلي رداً على التقرير أنّ «حادث مقتل الصحافيين قيد المراجعة حالياً».
إلى ذلك، انحسرت العاصفة التي أثارها الفرنسيون ومن خلفهم الأميركيون والإسرائيليون حول تطبيق القرار 1701 بالقوة العسكرية، بعدما تبيّن أنها مجرد تهويل للضغط على حزب الله لوقف عملياته العسكرية لإسناد غزة، إذ لم يكترث الحزب للضغوط الخارجية ولا للصدى السياسي الداخلي لها. وبعدما أيقن الجميع بمن فيهم الأميركيون والإسرائيليون بأن ما يطلبونه فيه استحالة ولا يستطيعون تنفيذه بالقوة العسكرية الإسرائيلية التي تتآكل في غزة.
وأكدت أوساط مطلعة على موقف حزب الله لـ «البناء» استحالة تعديل القرار الدولي 1701 سواء كان عبر العروض التي تحمل الإغراءات أو من خلال رسائل التهديد بشنّ عدوان عسكري على الجنوب ولبنان، أو عبر الضغوط الدبلوماسية لانتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي»، موضحة أنّ الحكومة ليست بصدد المقايضة تحت ضغط الإغراءات، ولا حزب الله قابل للرضوخ أمام التلويح باستخدام القوة العسكرية، ولا التعديل في مجلس الأمن ميسّر بسبب وجود الفيتو الروسي – الصيني المزدوج».
ولفتت الأوساط الى أنّ المسؤول عن خرق القرار الدولي في الجنوب هو العدو الإسرائيلي حيث وثّقت الأمم المتحدة آلاف الخروقات منذ العام 2006 حتى الآن، فكيف يُطالَب حزب الله الآن باحترام هذا القرار في ظلّ أضخم عدوان إسرائيلي على غزة ولبنان والمنطقة والتداعيات المتوقعة على لبنان جراء المشاريع الجهنمية التي يجاهر الأميركي والإسرائيلي بفرضها على غزة وفلسطين ولبنان إضافة الى سيل من التهديدات الإسرائيلية بتدمير لبنان؟ وكيف يطلبون في ظلّ هذه الأوضاع الأمنية والعسكرية واللحظة التاريخية المصيرية وقف حزب الله لعملياته العسكرية والتراجع خلف حدود الليطاني؟ وضمن ايّ هدف توضع هذه الضغوط سوى في إراحة العدو الإسرائيلي وتخفيف الضغط عنه في جبهتي غزة والضفة الغربية والتعويض عن هزيمته في الجولة الأولى من الحرب وإنقاذ رئيس حكومة الاحتلال من الإحراج الكبير الذي وقع فيه في استعادة الأمن والمستوطنين المهجّرين الى الشمال». ولاحظت المصادر التبدّل في المعادلة من مطالبة لبنان للإحتلال الإسرائيلي باحترام القرار 1701 وعدم خرقه، الى مطالبة حكومة الإحتلال للبنان وحزب الله بتطبيق القرار».
وأكدت مصادر سياسية لـ «البناء» أنّ المحاولات الأميركية لخلق جبهة سياسية داخلية واسعة للضغط على حزب الله لدفعه لوقف دوره العسكري في الجنوب لن تنجح، فالقوى السياسية والروحية في الطائفة السنية تقف مع المقاومة دعماً لغزة في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي في إطار تمسكها بالقضية الفلسطينية،
أما التيار الوطني الحر فتؤكد مصادره لـ «البناء» بأنه يقف مع المقاومة ضدّ العدوان الإسرائيلي على كلّ لبنان وليس فقط على الجنوب، وأنّ سلاح المقاومة وعملياتها حموا لبنان من أيّ عدوان حالي ومستقبلي. وكذلك الأمر فإنّ الرئيس السابق للحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط أكدت مصادره بأنه لن يكون ضمن أيّ جبهة مناوئة للمقاومة، بل ضمن جبهة وطنية لتحصين الساحة الداخلية لمواجهة أيّ عدوان اسرائيلي على لبنان.
وتلقى جنبلاط رسالة جوابية، من منسق السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عبر مدير مكتبه كاميلو فيلارينو.
وشكر بوريل جنبلاط، على «الرسالة البرقية التي أرسلها له يوم 29 تشرين الأول الماضي بشأن الحرب في غزة بين حركة حماس وإسرائيل، والتي دعا فيها الاتحاد الأوروبي إلى إتخاذ مواقف إضافية حازمة ضدّ الانتهاكات غير المسبوقة لحقوق الإنسان وجرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني».
ولفت بوريل، الى أنه «خلال زيارته إلى الشرق الأوسط بين 16 و 20 تشرين الثاني 2023، أكد للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ووزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين على ضرورة الردّ على هجمات حركة حماس بما يتماشى مع القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي»، مؤكداً على «أهمية ضمان حماية جميع المدنيين في جميع الأوقات».
وتوالت الوفود الفرنسية الى لبنان ما يرسم تساؤلات عدة حول الأهداف والدور الذي تؤدّيه فرنسا في ضوء الحرب الاسرائيلية على غزة، فلم تمضِ أيام على زياتي الموفد الرئاسي جون إيف لودريان ومدير الاستخبارات الفرنسية برنار إيميه، حتى حط وفد رفيع من وزارتَي الخارجيّة والدّفاع الفرنسيّتَين، بحضور السّفير الفرنسي في لبنان هيرفيه ماغرو.
ومساء أمس التقى الوفد رئيس لجنة الشّؤون الخارجيّة والمغتربين النّيابيّة النّائب د. فادي علامة في دارته. وأشار علامة إلى أنّ «اللّقاء تخلّله بحث في التّطوّرات الأمنيّة عند الحدود الجنوبيّة مع فلسطين المحتلة، فأكّد الوفد «قلق فرنسا من تدهور الوضع في جنوب لبنان، كما الحرص على تعزيز الأمن والاستقرار»، لافتاً إلى أنّه في ما يتّصل بالقرار الأممي 1701، أكّد الوفد أنّ «لا تعديل على هذا القرار، وأنّ الجهود تنصبّ من أجل إيجاد حلول عبر القنوات الدّبلوماسيّة».
وضمّ الوفد المدير العام للشّؤون السّياسيّة والأمنيّة في وزارة أوروبا والشّؤون الخارجيّة فريديريك موندولوني، المديرة العامّة للعلاقات الدّوليّة والاستراتيجيّة في وزارة الجيوش الفرنسية اليس روفو، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين في الوزارتين.
كما التقى الوفد الفرنسي قائد الجيش العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة وبحث المجتمعون الأوضاع العامة في البلاد لا سيّما عند الحدود الجنوبية، وأكد أعضاء الوفد على «أهمية دور الجيش في حفظ أمن لبنان واستقراره خلال الظروف الراهنة». وشكر قائد الجيش بدوره السلطات الفرنسية لدعمها المتواصل للمؤسسة العسكرية.
على صعيد ملف قيادة الجيش، لم تتضح الصورة النهائية لحلّ الأزمة حتى الساعة في ظل استمرار المشاورات على أن تتبلور الحلول خلال الأسبوع المقبل.
وعشية الجلسة المرتقبة لهيئة مكتب مجلس النواب الاثنين المقبل، والتي تعدّ لجلسة تشريعية سيكون ملف قيادة الجيش على جدول أعمالها، بدأت القوى السياسية بإعلان مواقفها من التمديد والمشاركة في الجلسة.
ورأى عضو تكتل «لبنان القوي» النائب جيمي جبور، أنّ «التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون غير متاح في مجلس الوزراء، والكرة في ملعب رئيس مجلس النواب نبيه بري». ولفت، في حديث تلفزيوني إلى أنّ «الجيش قادر على إنشاء قيادة جديدة وهناك مجموعة من القوى السياسية من ضمنها «القوات اللبنانية» إنقلبت على الموقف، واليوم السؤال الكبير هو لماذا هذا الانقلاب؟ واعتبر جبور أنّ «ملف النازحين يشكل خطراً وجودياً على لبنان، وعلى قائد الجيش أن ينطلق من هذه الفكرة في هذا الموضوع».
من الاحتمالات المرجحة هي المعالجة المزدوجة، أي أن مجلس الوزراء يتكفل بتعيين رئيس للأركان، فيما يتولى مجلس النواب إقرار قانون رفع سنّ التقاعد لرتب عماد ولواء لمدة ستة أشهر وبالتالي يبقى قائد الجيش في منصبه ستة أشهر إضافية، وبحال تعرّض القانون للطعن أمام المجلس الدستوري، فيحتاج الى 3 أشهر بالحدّ الأدنى لإصدار نتيجة الطعن، وتكون مدة التمديد لقائد الجيش قد شارفت على الانتهاء. ومن الخيارات أيضاً الإكتفاء بتعيين رئيس للأركان وأعضاء المجلس العسكري على أن يتولى رئيس الأركان مهمة قائد الجيش.
واستقبل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي في بكركي، مدير المخابرات العميد أنطوان قهوجي.
سيرياهوم نيوز1-البناء