| علي عبود
لم ولن نُفاجأ بالمصير الأسود الذي ينتظر محصول الحمضيات، فما حصل مع محصول استراتيجي كالقمح سيتكرر حتما مع محاصيل لاتعترف الحكومة أصلا أنها استراتيجية ولا حتى أساسية!
قد لايتذكر الكثيرون اليوم إن حصول المواطن على كيلو غرام برتقال في ثمانينات القرن الماضي كان يتطلب الوقوف في طابور طويل أمام أكشاك شركة الخضار والفواكه، وقد يتكرر المشهد في السنوات القليلة القادمة فنستورد الحمضيات مجددا، كما يحصل منذ عام 2008 مع القمح!
ومع أن سورية نجحت بفضل مزارعي الساحل بتحويل سورية من مستورد إلى مصدر للحمضيات مع مطلع تسعينات القرن الماضي، فإن الحكومة فشلت بتسويق الفائض من هذا المحصول، بل لم تخطط أصلا لتصديره على مدى الثلاثين عاما الماضية.
والملفت أن وزير زراعة سابق أعترف أمام مجلس الشعب في الجلسة المخصصة لتسويق الحمضيات يوم 15/10/1990 أي منذ 32 عاما:( موضوع الحمضيات ملحّ، ونحن لم ننس هذا الموضوع، ونحن نفتش عن الحلول، ولكن لا أستطيع القول أننا وجدنا الحل)!
واكتشفنا في العام الماضي مع تجدد تصريف فائض الإنتاج إن لاوزير الزراعة ولا زميليه وزيري التجارة الداخلية والإقتصاد وجدوا الحل لتصريف فائض الحمضيات حتى الآن.. فمن يصدق أن الحكومات المتعاقبة عقيمة الحلول إلى درجة تعجز فيها عن تصريف محصول يلقى رواجا في الأسواق الخارجية ؟
وعندما يعلن مكتب الحمضيات ان إنتاج موسم العام الحالي يُقدر بـ 640 ألف طن فإننا أمام مؤشر خطير بل وكارثي عنوانه: بدأنا ندفع ثمن تقصير الجهات الحكومية!
وبرأينا، بل لنقل استنتاجنا إن هناك خطة غير معلنة لتقليص حجم إنتاجنا من الحمضيات تدريجيا بما يتناسب مع تدهور القدرة الشرائية لملايين السوريين التي لم يعد يخصص منها شيئا لفاكهة الشتاء من جهة، ولعدم جدية وزارة الإقتصاد بالتنسيق مع غرف التجارة لتصدير فائض الحمضيات من جهة أخرى!
ولتنفيذ هذه الخطة غير المعلنة يكفي رفع الدعم التدريجي عن المزارعين، وعدم تأمين المحروقات والريات بأوقاتها، وخاصة أيام الجفاف التي تحتاج فيه البساتين إلى الري!
ولن يصدق أحد أن المياه في الساحل شحيحة جدا إلى حد اقتضى تقنينها بالقطارة، فقد كشف وزير الري ان تخزين السدود من المياه وصل إلى حده الأقصى في سدود طرطوس واللاذقية، وبالتالي فإن حجز المياه عن الحمضيات ومنع وصولها إلى البساتين يثير الكثير من علامات الإستفهام والتعجب!
نحن هنا لانتحدث عن عام استثنائي تراجع فيه إنتاج الحمضيات، كما يحصل مع محاصيل اخرى كالزيتون، وإنما بتراجع تدريجي لايمكن وصفه إلا بـ “المريب” جدا!
ليس طبيعيا أن يتراجع إنتاجنا من الحمضيات من 1.1 مليون طن عام 2018 فإلى 800 ألف طن عام 2020 ثم 786 ألف طن عام 2021 ثم ينخفض بحدة إلى 640 ألف طن عام 2022 .
ومن الضروري جدا لفت نظر الحكومة إلى إن إنتاجنا من الحمضيات في عام 1990 بلغ 430 ألف طن، وإذا استمرت الحكومة بحجب الدعم والمستلزمات فليس مستبعدا أن يسجل إنتاجنا من الحمضيات الموسم القادم الرقم نفسه المسجل منذ 32 عاما، والسؤال: ما الرقم الذي ستتوقف عنده مجزرة الحمضضيات في السنوات القليلة القادمة!
ليس صحيحا أن المناخ أوالعواصف من تسبّب بتراجع الإنتاج بنسبة 40 % عن عام 2018، فالإنتاج تراجع في العامين الأخيرين أيضا، أي أن رقم الـ 1.1 مليون طن لم ولن يتكرر لأسباب أخرى أبرزها ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج من سماد وأدوية ومبيدات ومازوت وكهرباء ،وشح مياه الري، فالكثير من بساتين الحمضيات أصابها اليباس بسبب العطش!!
الخلاصة:السؤال: هل تقصدت الحكومة من خلال عدم تأمين المستلزمات الكافية من المياه والمحروقات تقليص إنتاج الحمضيات كي تتحرر من مسؤولية تصدير الفائض إلى الأسواق الخارجية؟
السؤال مشروع جدا .. فهل من مجيب؟
(سيرياهوم نيوز3-خاص بالموقع4-9-2022)