على مدار اليوم يتعرض دماغنا إلى طفرة من المعلومات والأحداث والذكريات الجديدة، بعضها يسقط على الفور، لكن البعض الآخر يجد طريقه إلى التخزين، إلى جانب المعلومات والذكريات المطبوعة في ذاكرتنا كالأصدقاء والطفولة والكتب والأغاني المفضلة وأرقام الهاتف والبنك والمعلومات العامة وغيرها.
لكن الدماغ قد يفقد سعته كشريحة الذاكرة « memory card »، حيث أكد العلماء أن الذكريات لا تحتل خلية معينة من الدماغ، بحيث إننا نخسر هذه الخلية مع كل حدث نخزنه، بل على العكس عادة ما يتم ترميز الذكريات في «ملفات» أو بالأحرى أنماط عصبية عبر خلايا متصلة ببعضها بعضاً، أما قدرة الدماغ على ابتكار أنماط جديدة متماسكة فلا حدود لها، وبالتالي لا حدود لتخزين الذكريات، إلاّ أن الذكريات لا تبقى هي نفسها دائماً، بل إنها تخضع للتهجين والتداخل في حال كانت متطابقة أو متشابهة أو تحفز نشاط المخ بالطريقة عينها، على سبيل المثال «إذا كنا نتعلم لغتين في الوقت عينه، فسنشعر بأن بعض المفردات تتداخل لتشابهها»، والسبب لا يعود إلى أن الدماغ لم يعد يملك المساحة الكافية لتخزين المعلومات، بل إنه يقوم ببساطة بفرز المعلومات المكتسبة حديثاً وتهجينها.
في المقابل، هناك نوع مختلف من الذاكرة لدينا، هي الذاكرة القصيرة الأجل وهذه قد تمتلىء فعلياً إلى حدها الأقصى، بحيث نصبح عرضة للنسيان بشكل أسرع وربما ننسى اسم الشخص الذي تعرفنا عليه للتو، أو نفقد الفكرة التي كانت لدينا قبل أن نتلقى مكالمة هاتفية، وفي إحدى التجارب طلب باحثون من مجموعة من الأشخاص تذكر بعض الأحرف العشوائية التي لا معنى لها، فتذكر معظمهم سبعة أحرف كحد أقصى، لكن حين طُلب إليهم تذكر أحرف مرمزة، مثل الـCIA أو الـFBI أو الـKGB، تمكنوا من تذكر الأحرف التسعة لأنها تملك معاني مترابطة، فمن خلال تجميع المعلومات المترابطة والمتطابقة وفرزها معاً تصبح الذكريات أكثر رسوخاً، ونتمكن من توسيع عدد المفاهيم والأنماط التي يمكننا تذكرها والتحكم فيها عقلياً، وعادة ما يتعامل الدماغ مع المعلومات من خلال تقييمها، ومن ثم تصنيفها ضمن قطاعات ونماذج ترافقنا منذ ولادتنا.
إلى ذلك، فإن النسيان هو جزء مهم من هذه العملية، إذ يؤكد الباحثون أن أدمغتنا ليست مصممة لتخزين كمية لا حصر لها من المعلومات وقد أظهرت الدراسات السلوكية أن تعلم أي شيء جديد يمكن أن يعزز النسيان، وفي هذا الأمر ميزة، إذ إن المعلومات القديمة قد تتداخل مع أحداث ومعلومات مفيدة، وبالتالي يصبح من الأفضل نسيانها إن لم تكن ذات قيمة، فمن الأفضل مثلاً نتذكر مضمون المقال الذي نقرؤه بدلاً من تفاصيل الإعلان المغري إلى جانبه.
التفكير وتنفيذ الأوامر التي يطلبها أي شخص هما نقطة التقاء دماغ الإنسان والحاسوب ولكن بالتأكيد لا يقارن الدماغ البشري مع الحاسوب، فبالتأكيد أن الحاسوب ذو إمكانيات كبيرة فقد يعادل ويقارب تفكير الإنسان، إلاّ أنه لا يفكر أكثر من البرمجة الموجودة فيه، أما الدماغ البشري فلا يتوقف التفكير لدى الإنسان عند نقطة معينة، والعقل البشري هو الذي اخترع الكتابة والرسم والحساب واستخدمها كوسائل لنقل الأفكار وحفظ المعلومات قبل أن يُخترع الحاسوب، وهو الذي اخترع الورق والطباعة وكثيراً من الوسائل اللازمة للاتصال والتذكير والتفكير، فهي إذاً عملية تقدم وتطور طبيعية، بحيث لا يمكن أن تلغي دور العقل البشري، وإذا أردنا المقارنة بين العقل البشري والحاسوب، لكون الحاسوب لا يتطور إلاّ إذا طوره الإنسان، فإنه من دون العقل البشري لا يمكن أن يتطور الحاسوب.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين