آخر الأخبار
الرئيسية » مختارات من الصحافة » وجوه الدعم العسكري التركي لسوريا: إسرائيل ليست في الحسبان

وجوه الدعم العسكري التركي لسوريا: إسرائيل ليست في الحسبان

 

محمد نور الدين

 

ربّما لم تكن تركيا بحاجة إلى طلب الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، المساعدة العسكرية؛ فهي في الأساس «وليّ أمر» الفصائل المسلّحة التي دخلت دمشق واستلمت الحكم على أنقاض النظام البعثي السابق. لكن توقيت إعلان حكومة الشرع طلب المساعدة كان لافتاً، كونه جاء مباشرة بعد أحداث السويداء، وضرْب إسرائيل في قلب العاصمة. وما هي إلّا أيام حتى كانت باريس تستضيف اجتماعاً مهمّاً انتهى إلى منح السويداء وضعاً أقرب إلى ما يشبه الحكم الذاتي منه إلى أيّ شيء آخر.

وطُرح، في هذا الخصوص، سؤال حول طبيعة الدعم العسكري التركي لسوريا، انطلاقاً من هدف الطلب، وهو «تعزيز القدرة الدفاعية للبلاد وشنّ حرب أكثر فعالية ضدّ جميع المنظمات الإرهابية، وخاصة داعش». ومن الممكن، هنا، تسجيل ملاحظات متعددة: أولها، أن «تعزيز القدرة الدفاعية» لمجابهة كل المنظمات الإرهابية لا يستبعد شمول «وحدات حماية الشعب» الكردية في شرق الفرات بذلك؛ ثانيها، أن التركيز على «داعش» بالاسم ليس ذا مصداقية، إذ إن الأخير ليس سوى واحد من التنظيمات الإرهابية التي تقاطعت في عملياتها مع «هيئة تحرير الشام» وكل الفصائل التي استقدمتها تركيا ونشرتها في إدلب وسواها لمحاربة نظام بشار الأسد؛ وثالثها، أن بيان طلب المساعدة لم يشمل التصدّي لإسرائيل واحتلالها لجنوب سوريا، فضلاً عن هضبة الجولان. وهذا يعني أن الهدف الأرجح، هو القوات الكردية في شرق البلاد، وما يعنيه ذلك من احتمال تطوّر الأوضاع في اتّجاه الصدام بين الطرفين. وجاء تصريح المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم برّاك، حول ضرورة اندماج «قسد» بالجيش السوري، والعمل لسوريا موحّدة، ليثير خشية الأكراد واعتراضهم واستنكارهم، في مقابل ارتياح وترحيب تركيَّين بالتصريح.

على ذلك، تعلّق الكاتبة الموالية، هاندي فرات، بالقول إن «الدعم العسكري التركي لدمشق لن يلحظ إنشاء قاعدة عسكرية تركية (في العاصمة)، بل سيقوم على شقَّين: الأول، هو تقديم الاستشارات تماماً مثل الذي حصل من قبل في آذربيجان وليبيا والصومال. الآن توجد في سوريا تنظيمات مختلفة ولم تتحوّل بعد إلى جيش. وهذا يتطلّب إيجاد مفهوم وعقيدة للجيش الجديد». كذلك، «ستقوم تركيا بإنشاء مراكز تدريب برّية وبحرية وجوية، كما حصل في ليبيا والصومال. وستنشأ أكاديميات عسكرية وتدريبية ومن بعدها تحدّد حاجات الجيش إلى العديد، وسيتمّ التدريب على الأراضي التركية والسورية معاً». وتشير فرات إلى أن سوريا شاركت بوفد كبير في معرض الصناعات العسكرية، وأبدت اهتمامها الكبير بشراء منتجات عسكرية تركية محلّية الصنع. أمّا الشق الثاني من طلب المساعدة، فهو الحراك الديبلوماسي لوزير الخارجية، حاقان فيدان، والرغبة في تشكيل تحالف من الدول المجاورة لسوريا لمحاربة «داعش».

 

«التكامل الذي تتحدّث عنه دمشق يتطلّب من الحكومة هناك الاعتراف بإرادة الشعب هنا»

 

 

لكن رفض «قوات سوريا الديموقراطية» تسليم السلاح، واتهامها دمشق بأنها لا تلتزم باتفاق العاشر من آذار، أثارا ردود فعل غاضبة من جانب تركيا، إذ اعتبر رئيس «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، أن «عدم التزام قوات قسد باتفاق العاشر من آذار، هو خطأ تاريخي. ومواصلة نشاطاتها تهدّد سوريا وتركيا معاً». ومن جهته، قال فيدان إن على «قسد» أن تطبّق الاتفاق، لأنه «من غير المقبول أن نعيد سيناريو حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا، وأن نجعل بلدنا يعيش الـ40 عاماً المقبلة كما عاش الأعوام الـ40 الماضية».

تلى ذلك تطوّران بارزان، تمثّل الأول بلقاء جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إلى وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، في الـ25 من تموز الجاري، نتج منه اتفاق قضى بإخلاء السويداء من القوات الحكومية، ومنح المحافظة وضعاً خاصّاً خارج السيطرة الحكومية. أما التطور الثاني، فجاء بعد ذلك مباشرة، مع انعقاد اجتماع ثلاثي سوري – فرنسي – أميركي شارك فيه كل من الشيباني، ووزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، والمبعوث الأميركي برّاك. وفي اللحظات الأخيرة، امتنع قائد «قسد»، مظلوم عبدي، عن المشاركة فيه، احتجاجاً على تصريحات فيدان وباهتشلي وبرّاك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة «قرار» أن القيادية في «الإدارة الذاتية»، إلهام أحمد، قالت إن الأمور ليست هكذا ببساطة: «سلموا أسلحتكم. وداعاً انتهى الأمر». وقالت: «التكامل الذي تتحدّث عنه دمشق يتطلّب من الحكومة هناك الاعتراف بإرادة الشعب هنا»، داعية الأخيرة إلى أن تنظر إلى الجميع كسوريين. وأضافت أن الفدرالية «لا تعني أن كلّ شيء فدرالي، بل هناك الكثير من الأمور مركزية. إن الأولوية للمشاركة لا للتبعية». وتساءلت: «إلى أيّ جيش سننضمّ. ليس من جيش بعد، وإذا كان البحث عن أيّ جيش، فليكن البحث مشتركاً بين كل المكونات. ولنبنِ معاً هذا الجيش». ورأت أن «الوضع في سوريا يدار اليوم بوحشية بالغة، ويذبح الناس أمام أعين العالم، وترتكب مجازر ومذابح وإبادة جماعية. لذا، إن مطلب إلقاء السلاح خطير جداً. ودور الأكراد يتحدّد نتيجة المفاوضات لا الإملاءات».

كذلك، قالت صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» الموالية للأكراد، إن «تركيا تحصر كل دعمها بحكومة الشرع وتعمل على أن تكون الأخيرة نموذجاً للقمع والترهيب لتجريد الأكراد من وضعهم الحالي»، معتبرةً أن أنقرة تحاول استغلال عضوّيتها في «حلف شمال الأطلسي» لتحويل سوريا إلى «جحيم كردي، وتسرّع جهودها لتحريض العشائر العربية ضدّ الأكراد».

في ضوء هذا التباين الذي يزداد اتساعاً بعد تصريحات برّاك حول ضرورة قيام دولة مركزية في سوريا، تبدو آفاق التوصّل إلى حلّ يرضي الجميع صعبة. وأتى طلب المساعدة من تركيا للدعم ومواجهة المنظمات الإرهابية فقط، ليوقظ عفريت الخوف من أن يكون الهدف الأول من الدعم التركي، ليس مساعدة الجيش السوري ضدّ إسرائيل، طبعاً، خاصة بعدما توصّل اجتماع باريس إلى منح الدروز لا مركزية موسعة، بل أن يكون الهدف هو الوحدات الكردية في شرق الفرات، وتحطيم حلم فدرالية «روجافا». فهل ستسير الأمور في هذا الاتجاه، أم سيكون للمفاوضات اتّجاه آخر يحظى برضى الأكراد وكل المكونات الأخرى في سوريا، ويمنح إردوغان دعماً لتحالف إقليمي واسع يضمّ الأتراك والأكراد في المنطقة والسوريين السنة؟

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يُحاصر الشرع السويداء وقرّر تركيعها بالجُوع؟.. أنصار السلطة الجديدة يشمتون بـ”موائد فاخرة” والدروز يتحدّثون عن “مجاعة وعطش”!.. “إعلام النظام” الجديد يلوم “الذباب” ومُناشدات للأردن فتح ممر إنساني وشُكوك نوايا الانفصال حاضرة!

تتسارع الأحداث في سورية، وتتسلّط الأضواء على حكّام دمشق الجُدُد، وتتباين الآراء حول قُدرتهم على حُكم البلاد، من عدمه، وتراجع شعبيّتهم، من عدمها، أمام مجازر ...