عبد اللطيف شعبان
من المجمع عليه أن التنمية الإدارية حاجة اقتصادية واجتماعية وسياسية وحضارية، وهي هدف منشود منذ سنين، ولكنها لم تتحقق بالشكل المأمول خلال السنين الماضية من عهد النظام السابق ، رغم نُشدانه لها وتعدد وتنوع المكلفين الذين تبوءوا مهامها، وطول مدة جلوسهم على كرسيها، فاليسير القليل المعمول الذي تحقق لم يقارب الكثير الذي كان منشوداً أو مأمولاً في حينه أو لاحقا، في ضوء البرامج والخطط والوعود ما كان منها مطلقا أو محدد المدة، فكثير من التوجهات النظرية المشبعة بالآمال والطموحات لم تقترن بالتأسيس لآليات عمل تدفع باتجاه تحقيقها، فكثير من التنظير لم يقترن بالتدبير، بل صدرت بعض القرارات وتمت بعض الإجراءات التي يمكن تصنيفها كمعيقات للتنمية.
إن الخلل الإداري التراكمي الذي تعاني منه جميع الوزارات يتطلب تنمية إدارية صحيحة وسريعا، ويبدو أن أهمية هذا الملف لم تغب عن أذهان واهتمامات الحكومة الجديدة، بل يظهر أنها توليه الأهمية اللازمة بدليل أنها أبقت على التنمية الإدارية كوزارة مستقلة ولم تلحقها بوزارة أخرى كما فعلت ببعض الوزارات، ووزيرها ومعاونيه ومديري إداراته منكبين الآن على النهوض بهذا الملف المتعثر منذ سنوات، وأولى خطوات ذلك ظهرت من خلال التوجيه الأعلى بضرورة الاستفادة من خريجي معاهد التنمية الإدارية، الذين أهمل الكثير منهم خلال السنوات المنصرمة رغم التذكير المتكرر باستدراك هذا الإهمال المزمن.
والاهتمام الجديد بهذا الملف ظهر من خلال الاجتماع الأخير الذي عقد بين وزير التنمية ومعاونيه ومديري إداراته، لمتابعة وتقييم المشاريع الجاري تنفيذها وتحديد الأولويات الأساسية التي يتوجب إنجازها أو إغلاقها قبل نهاية الربع الثاني من العام الحالي – الذي هو في أيامه الأخيرة – ما يوحي بجدية الاستثمار الأمثل للزمن المحدد لإنجاز عمل، وقد أكد المجتمعون على دراسة سبل إشراك الخبرات الإدارية والأكاديمية، وتفعيل دور الطلبة الجامعيين في مسارات التحول المؤسسي، من خلال برامج تطبيقية وتشاركية تدعم بناء القدرات، وتعزز التكامل بين القطاعين الحكومي والأكاديمي، بما يساهم في تعزيز التواصل المؤسسي، وتسهيل تتبّع تقدم المشاريع.
لكن رغم ماتقدم -ورغم الاستمرار حتى الآن في إسناد المهام الإدارية بعيداً عن الأسس والمعايير الموضوعية-لم يتضح كثيرا حتى الآن ما هي مجمل تطلعات ومسارات التنمية الإدارية المنشودة ضمن منظور وزارتها الجديدة في الأفق القريب والبعيد، وما هو نوع وحجم ما تحقق من هذه التطلعات حتى تاريخه وما هو القريب العاجل الذي يُعمل له أولًا بأول ، لذلك أرى انه من المفيد أن تنشر الوزارة – من خلال وسائل الإعلام وصفحتها الرسمية على الفيس بوك – المزيد من تطلعاتها وإنجازاتها، فقد يكون لكثير من المهتمين والباحثين / من خارج كوادر الوزارة ومستشاريها / القدرة والرغبة في المساهمة الفعالة في إغناء التطلعات والنقد البنَّاء لما يتم من إنجازات، ومن المفيد الاستفادة من المجرب والحكيم معا، و لا جدال في النص القرآني الذي يقول ” وفوق كل ذي علم عليم “( سورة يوسف / الآية 76 ). ، فالمزيد من الشورى يخفف الكثير من الخطورة، ولا يخفى على ذي بصيرة أن إضعاف تفعيل الشورى والاستفادة منها أسس لسقوط النظام البائد.
*الكاتب:عضو جمعية العلوم الاقتصادية – عضو مشارك في اتحاد الصحفيين
(موقع اخبار سوريا الوطن-١)