آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » وزارة الثقافة لم تعد تجيب!

وزارة الثقافة لم تعد تجيب!

 

حسن ي. جورجيت

 

 

أثناء استعراضه مكامن الضعف في بنية الأنظمة العربية الحديثة، يقول أدونيس: «مشكلتنا حضارية وليست سياسية فقط، فالعرب منذ عام 1950، لم يفعلوا شيئاً سوى تغيير الأنظمة، وكلما كان النظام يتغير، كان المجتمع في المقابل يزداد انهياراً وتفسّخاً؛ إذ كان همّهم تغيير السلطات لا تغيير المجتمع، تغيير السلطة بحد ذاته لا يعني شيئاً، المهم أن نغيّر المجتمع بنيةً وثقافةً وعلاقات».

 

يستحضرنا قول صاحب «جدلية الثابت والمتحول» في ظل إقصاء وزارة الثقافة السورية من الحكومة الانتقالية للعهد الجديد، فماذا لو غابت عن المشهد الثقافي؟ «لا أهمية للوزارة في الحياة الثقافية» هذا ما يراه الصحافي والكاتب يعرب العيسى، مؤكّداً على أنّ «الثقافة مسألة تنشأ من المجتمع، وليست وزارة الثقافة التي تصنع ثقافة». في رأيه «المهم هو مساحة الحرية المتاحة أو ارتفاع سقف الحريات، وارتفاع سقف الحريات في الثقافة بمعناها الواسع لا يُعطى، بل على المثقفين انتزاعه، فالنتاج الثقافي مسألة تبقى فردية غير قابلة للتنظيم.

 

المثقفون مجموعة من الأفراد يعبرون عن المجتمع بطريقتهم الخاصة، تتراكم جهودهم الفردية لتصنع هوية ثقافية للبلد، فالحالة الثقافية في البلد يصنعها الأفراد». ويقتصر دور وزارة الثقافة على التنظيم كما يروي مؤلف «المئذنة البيضاء»؛ إذ يؤكّد أنّ «لا علاقة للوزارة ببناء المجتمع، بل ينحصر بترخيص دور النشر والفرق المسرحية، وتأجير المسارح وصالات السينما. أما النتاج بحد ذاته، فيتولاه الأفراد أو مؤسسات تستثمر فيهم». وإذا عدنا إلى تاريخ الثقافة السورية في العقود الأخيرة، نجد أنّ «أهم المنتجات الثقافية هي التي أُنتِجت خارج المؤسسات. وباسترجاع كل الكتب والأفلام والمبادرات، نجد أنها خارج المؤسسات الحكومية. محزنٌ أننا ندافع عن أمرٍ بديهي» تبدأ الممثلة والمخرجة المسرحية مريم علي حديثها، لكنها ترى في المقابل أنّه «لا يمكن تشكيل حكومة من دون وزارة الثقافة، فالحكومة مجموعة ألوانٍ، ووزارة الثقافة لونٌ أساسيٌ فيها، وفي الأحداث العالمية الضخمة، تلجأ الدول إلى الثقافة لاستخراج كنوزها، فالفن والثقافة مسألتان وجوديتان».

 

«الثقافة السائدة هي ثقافة السلطة السائدة»

(سعيد البرغوثي)

 

من جهته، يؤكد الشاعر والصحافي هاني نديم أنّ آخر الأنباء التي وصلته تفيد بـ «أنّ وفداً من المثقفين والكتّاب والفنانين زاروا القادة في الحكومة الانتقالية، وأعادوا تفعيل وزارة الثقافة، وهذا أمرٌ جيد، إذ إنّ الثقافة من أهم أركان الوجود السوري برمته، ولا يمكن لأحد أن يتخيل سوريا من دون دراما ومسرح وتشكيل وأدب وفنون وسينما». ويستحضر «نحات الريح» قول الشاعر اللبناني الراحل أنسي الحاج بأنّ «سوريا هي قارةٌ من المبدعين». لذلك يرى أنّ «ثروتها الحقيقية هي أبناؤها ومبدعوها، في كل الاتجاهات، فالثقافة وعلى مر التاريخ السوري كوّنت شخصية المواطن الذي تراه اليوم».

 

يؤكّد وزير الثقافة السابق رياض نعسان آغا أنّه «بسبب اندلاع الثورة السورية الكبرى عام 2011، تراجع دور وزارة الثقافة إلى حد الغياب الكامل. أما الثقافة فلم يتوقف نشاطها، بل حضرت بقوةٍ على صعيدٍ شعبي ووطني واجتماعي وإنساني وإبداعي، لقد أنجبت الثورة مثقفيها ومبدعيها، وعبّر عن ذلك حضورهم الشعري والروائي والقصصي والمسرحي والغنائي، وأفادوا من مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن نشر إبداعهم في كتبٍ مطبوعةٍ». وبوصفه أديباً ومؤلفاً لعدد من البرامج الثقافية، يرى أنّ «أهمية وزارة الثقافة تنبع من حاجة المواطنين إلى فضاءات الثقافة كالمسارح ودور الأوبرا والمراكز الثقافية ودور النشر والمتاحف والتنقيب عن الآثار وحفظها، وسوى ذلك مما يحتاج إلى دعم من الدولة».

 

«الثقافة السائدة هي ثقافة السلطة السائدة» هكذا يختصر الأديب سعيد البرغوثي حال الثقافة السورية، مؤكّداً أنّ «دور وزارة الثقافة في بناء المجتمع تحدده السلطة، والمجتمع السوري مفتوح على كل الاحتمالات الآن، إذ لا رؤية واضحة تماماً لما يخبئه المستقبل». ويرى مؤسس «دار كنعان» أنّ «مستقبل الثقافة في سوريا هو مستقبل السلطة، فهي التي تقرر ما هي الثقافة السائدة، وتتكرس هذه الثقافة؛ لأن الثقافة عملية تراكمية، تُبنى شيئاً فشيئاً، وتتجذر شيئاً فشيئاً إلى أن تصبح واقعاً ملموساً».

 

من وجهة نظر مدير «دار ممدوح عدوان» مروان عدوان، يرى أنّ «تفعيل عمل الوزارة بشكل كامل ضرورة ملحة لتوجيه الثقافة نحو مستقبل أفضل»، منوهاً بأنّ «سقوط النظام الاستبدادي أتاح فرصاً كبيرةً للعمل الثقافي الحر داخل سوريا، وخصوصاً مع عودة الفاعلين الثقافيين إلى سوريا»، ومشدداً على أنّ «مسؤوليتنا الآن هي ملء المساحات الثقافية بمبادرات مستمرة، والإفادة من مُناخ الحريات الجديد مع العمل على حمايته، لأن الصراع من أجل الحرية هو جهد مستمر وطويل»، فالثقافة كما عايشها عدوان «لعبت دوراً أساسياً في الصراع مع الاستبداد والخوف، والكلمة كانت وسيلة محورية لمحاربة القمع». ويؤكد على دور الثقافة الأساسي في «بناء مجتمع سوري حر ومتنوع، فهي تُعيد بناء الهوية الوطنية»، داعياً إلى «ضرورة تفعيل عمل الوزارة بشكل كامل» ضمن دورها في دعم الحريات وتمكين المبادرات والفعاليات الثقافية، وتنظيم فعاليات كبرى مثل «معرض دمشق الدولي للكتاب» الذي يجب أن يكون منصةً لحرية التعبير وتنوّع الآراء.

 

 

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن ١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لماذا ترعب الأصولية الظلامية الفيلسوف الفرنسي سبونفيل؟

  هاشم صالح   يُعتبر الفيلسوف أندريه كونت سبونفيل أحد فلاسفة فرنسا الكبار حالياً. وقد كان أستاذاً في السوربون ومحاضراً لامعاً في أهم الجامعات الأوروبية ...