علي عبود
يمكن لأي “خبير” ان يُدلي بآراء ومقترحات قد يراها “مبتكرة” لم يسبقه إليها أحد من قبل، ولكن يجب أن يحترم عقول الآخرين، لا أن يستغبيهم!
ومن نكد الدنيا علينا أن الفيس بوك وقبله البرامج الحوارية “فرّخوا” لنا تسميات لاتُدرس في أي جامعة في العالم من قبيل محلل سياسي أو إقتصادي أوتنموي، أوباحث استراتيجي..الخ!
نعم لقد ابتكر هؤلاء “الخبراء” في كل شيئ الألقاب الندية للألقاب العلمية المتعارف عليها والتي يصعب عليهم الحصول عليها مثل أكاديمي أو أستاذ جامعي، بل أن بعضهم ابتكر تسميات مثل (مدير مركز للدراسات والأبحاث) للتعويض عن عقدة النقص في عجزهم عن الحصول على لقب علمي جامعي!
وعندما يجزم “خبير ما” يزعم أنه متخصص بالإقتصاد أو بالمال، أو بالإثنين معا، (أن أرباح البنوك وهمية لأن ماتمنحه من قروض تفقد قيمتها الحقيقية بالقوة الشرائية بسبب ارتفاع نسب التضخم وتراجع سعر صرف الليرة)، فيجب أن يأتي بمثل واحد يؤكد صحة أقواله، ويذكر لنا بنكا واحدا أرباحه وهمية وليست حقيقية، لاأن يكتفي بالعموميات أوالنقل من “النظريات”!
ويرى هذا الخبير ”أن تحصيل القروض الممنوحة بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية بالقوة الشرائية، يعني عدم قدرة البنك على إعادة تقديم قروض جديدة للاستفادة من الفوائد المقبوضة”.. فهل هذا صحيح؟
حسنا، لماذا لم يذكر لنا بنكا واحدا توقف عن منح القروض بسبب ماتعرض له من خسائر منذ عام 2012؟
إن المثال الذي ساقه هذا “الخبير” عن الأرباح التي حققها المقترضون بتحويل القروض إلى دولارات سبق وأن كررناه بصيغ متعددة في عدة مقالات نشرناها على مدى السنوات السبعة الماضية على الأقل في جريدة البعث، وبالتالي هو يجترّ ماقلناه ولم يأت بأيّ جديد!!
ولو كان “هذا الخبير” متمكنا من رأيه لكشف لنا ميزانيات بعض المصارف الحكومية والخاصة، وهي معلنة، التي تخسر بفعل القروض التي تمنحها، ويبرهن بالأرقام (وليس بالعموميات) انها معرضة للإفلاس الحتمي، أليس هذا من مهام “المحللين الماليين والإقتصاديين”!
وخاطبني “هذا الخبير” مباشرة بالقول بعبارات تخفي غضبا لمن (سفّه) رأيه : (بما أنه ينقصك الكثير من الخبرة الموجودة عندي في التحليل المالي والإقتصادي ، فمن ضعف الخبرة بالإقتصاد وقصورها القول “البنوك في سورية أوفي أي بلد في العالم تحقق أرباحا من المودعين والمقترضين” فقط، لأنك بهذا الإفتراض تفترض بأن رأس المال الحكومي من الخزينة العامة العامل بالإقراض في المصرف هو صفر وأن المصرف هو فقط عبارة عن أمين صندوق يدفع الأموال التي قبضها فقط، ولا يوجد أموال حكومية من الخزينة العامة يتم إقراضها للمقترضين بغرض التوسع الصناعي و لتأسيس مشاريع صناعية جديدة و إنما فقط المصرف يقوم بإقراض أموال القطاع الخاص و الأفراد).
حسنا، سؤال من صحفي تنقصه الكثير من الخبرة الموجودة عند “هذا الخبير” في التحليل المالي والإقتصادي يتحداك أن تجيب عليه: متى أقرضت المصارف الحكومية مالها العام للصناعيين أو لحيتان المال؟
حسب خبرتنا ومتابعاتنا المتواضعة فإن الحكومة لا تُقرض، بل تقترض من البنك المركزي ومن المصارف الحكومية، ومن بعض المؤسسات كالتأمينات الاجتماعية.. سواء لسد عجوزات الموازنة، أو لتسديد ثمن المحاصيل الزراعية، أو تقترض من خلال مزادات على سندات الخزينة كان أخرها المزاد الثالث لعام 2023 بتاريخ 21/8/2023 بقيمة 300 مليار، أيّ أن الحكومة ستقترض من المصارف ولن تودع فيها مالا عاما لتقرضه للصناعيين أو للتجار أو لحيتان المال!!
هل هذا واضح “ياخبير في التحليل الاقتصادي والمالي”، أم نوضّح أكثر!!
تصوروا حسب “هذا الخبير” أن الحكومة التي تعاني من عجز مزمن في الموازنة، ومن عجز برصد إعتمادات كافية للدعم الكافي للصحة والتعليم والزراعة، وتعجز عن تأمين الأموال لزيادة الرواتب .. شغلها الشاغل رصد المليارات من الخزينة العامة ووضعها في مصارفها لإقراضها للصناعيين ولحيتان المال!!!
ماذا يمكن وصف من يروّج لهكذا تحليل سوى بالسذاجة بمعناها اللغوي (قلة التبصر بالأمور)!!
واستنادا إلى رأي “هذا الخبير” العجيب والغريب، وهو يصف نفسه (بدلا أن يترك مهمة التوصيف لأساتذة الاقتصاد والأكاديميين)، بالمحلل المالي والإقتصادي.. فإننا نؤكد بأن وزراء المالية ليسوا سذجا كي يقرضوا المال العام في حال وجود فائض عن حاجة الحكومة للصناعيين وللتجار ولحيتان المال،!!
أكثر من ذلك، هل يوجد قانون أوتشريع في أي دولة في العالم يجيز إقراض المال العام للقطاع الخاص؟
الخلاصة: من يصف قرارات حاكم مصرف سورية المركزي بـ “الهدامة” للإقتصاد الوطني، لايحق له الإنزعاج ولا الإعتراض على وصف آرائه بالساذجة، أو وصفه بأنه تنقصه الكثير من الخبرة في التحليل المالي والإقتصادي، وكأنّه لايقرأ تحاليل وآراء أساتذة الاقتصاد الكبار في هذا البلد!!!
(سيرياهوم نيوز ١-خاص بالموقع)