عقد وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى مساء اليوم مؤتمراً صحفياً تناول فيه آخر التطورات وأعمال الحكومة السورية، واستعرض الإنجازات والتحديات التي تواجه البلاد في المرحلة الحالية، وأُفق الانفتاح ودخول الاستثمارات الأجنبية والعربية إلى سوريا بعد رفع العقوبات الدولية.
وأعلن الدكتور المصطفى أن رئيس الجمهورية السيد أحمد الشرع أكد خلال ترؤسه الاجتماع الدوري لمجلس الوزراء اليوم، على ضرورة صياغة بيئة مناسبة للاستثمار عبر مجموعة من القوانين والتشريعات النافذة وحرية حركة الأموال، بعد أن أنهت سوريا مرحلة بناء الثقة، ودخولها مرحلة جديدة لاستعادة مكانتها.
وأوضح الدكتور المصطفى أن الرئيس الشرع قدم خلال الاجتماع مجموعة من النقاط التوجيهية، من أبرزها أن سوريا أمام فرصة تاريخية للتوجه نحو الاستثمار الأجنبي الكبير في قطاعات حيوية، وأن الطلب على الاستثمارات في سوريا كبير في قطاعات الطاقة والسياحة والمناطق الحرة والسكك الحديدية والصناعة، لافتاً إلى وجود قانون استثمار سيصدر قريباً.
وقال وزير الإعلام: أشار السيد الرئيس إلى كلمة سابقة وهي المعركة ضد الفقر، وإن هذه المعركة كبيرة تشمل قطاعات ومناحي مختلفة في التعليم والتربية، وهي مسائل أساسية لأن تأهيل الموارد البشرية يرتبط طردياً بالإنتاج كماً ونوعاً.
وبين الدكتور المصطفى، أن الرئيس الشرع تحدث عن صياغة بيئة مناسبة للاستثمار عبر مجموعة من القوانين والتشريعات النافذة وحرية حركة الأموال، وعن حاجة سوريا إلى إصلاح مالي في المدفوعات، في ما يشمل دخول عالم العملة الرقمية والإلكترونية كخطوة أساسية في المستقبل.
ولفت وزير الإعلام إلى أن السيد الرئيس ختم كلمته التوجيهية بالحث على ضرورة التكامل بين الوزارات واتباع أساليب عصرية في العمل الحكومي، وشدد على أهمية القضاء على الفساد والحفاظ على الأمن العام وترشيد النفقات.
وبالنسبة لمداخلات الوزراء أوضح الدكتور المصطفى، أن وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني تطرق إلى إنجازات الدبلوماسية السورية على مدار الأشهر الستة الماضية، وأبرزها رفع العقوبات، ورفع علم سوريا في الأمم المتحدة، وتطوير العلاقات مع دول الجوار والقوى الإقليمية والدولية، والعمل على إعادة تمثيل البعثات الدبلوماسية المختلفة، وافتتاح عدد من القنصليات في مدن جدة السعودية وغازي عينتاب التركية وبون الألمانية، وأن الدبلوماسية السورية أنهت مرحلة التعريف وبناء الثقة التي وسمت عملها خلال الأشهر الماضية، وانتقلت إلى مرحلة جديدة في استعادة مكانة سوريا.
وقال وزير الإعلام: قدمت خلال الجلسة إحاطة أمنية عن التحديات الداخلية، وفي مقدمتها الجهود المستمرة في مواجهة تنظيم “داعش” وفلول النظام وبعض المجموعات الأخرى، ومحاولتهم استهداف السلم الأهلي والوحدة الوطنية، وخلق مناخ من الفوضى الأمنية.
وبين الدكتور المصطفى أن وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة، استعرض جهود الوزارة في تحقيق بنية تنظيمية احترافية للجيش السوري، عبر هيكلية جديدة وكتابة نظام داخلي وإصدار بطاقات العناصر والضباط وبطاقات حمل السلاح، وتقديم مقترح للسيد رئيس الجمهورية لترفيع نحو 2500 ضابط منشق، كما أشار إلى التعاون المستمر مع وزارة الداخلية في مواجهة الملفات الثلاثة التي تمثل تحدياً للأمن الوطني السوري، وهي فلول النظام و”داعش” وضبط السلاح والتهريب.
وأوضح وزير الإعلام، أن وزير المالية السيد محمد يسر برنية تطرق لجهود إعداد موازنة الدولة لعام 2025، وقدم تقديرات أولية للإنفاق العام والإيرادات العامة، وذكر أن العجز في حال تحقق سيتم تمويله من المنح وإصدار الصكوك دون اللجوء للعجز بالتمويل، وأكد أن الوضع المالي في العام القادم سيكون أفضل، وفي السياق ذاته تحدث حاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور عبد القادر الحصرية، عن مشروع طباعة عملة جديدة، وأن القطاع المصرفي لا يعاني أزمة في السيولة بل أزمة في الثقة يجري حلها مع القطاع المصرفي ذاته، وأن الأعين في سوريا يجب أن تكون مفتوحة على النمو الاقتصادي المتوقع، في حين أكد وزير التنمية الإدارية السيد محمد حسان السكاف، على اتباع إستراتيجيات حديثة لإعادة هيكلة الجهات العامة، وإعمال الكفاءة المؤسسية، ومواجهة الفائض والبطالة المقنعة.
ورداً على أسئلة الصحفيين، أوضح الدكتور المصطفى أن هناك تحديات كبيرة تواجه سوريا، من أبرزها الإرث الصعب الذي تركه النظام، والترهل بشكل كبير، والفائض والبطالة المقنعة، إضافة إلى التحديات البنيوية المرتبطة بعمل كل وزارة. وهناك تحديات بنيوية أخرى مرتبطة بشكل كبير بالعقوبات التي كانت مفروضة على سوريا، والتي كانت تلامس مختلف القطاعات.
وأشار وزير الإعلام إلى أن الوزارات عملت، على مدى الشهرين الماضيين، على وضع مجموعة من الخطط الإسعافية من أجل التعامل مع الواقع. والآن، وبعد أن تحققت مجموعة كبيرة من الانفراجات، وفي مقدمتها رفع العقوبات، تنتقل الوزارات من مسألة المعالجات الإسعافية إلى مرحلة وضع الخطط الفصلية والمرحلية وصياغة استراتيجية على المدى المتوسط والطويل.
وبيّن الدكتور المصطفى أن مقاربة التنمية هي مقاربة وطنية شاملة، وعندما يتم الاستثمار في البنية التحتية والطاقة والمشروعات، فإن المناطق المحررة والمخيمات تقع في أولويات عمل الحكومة. وقد بدأنا نشاهد عملية انتقال من المخيمات إلى أماكن العودة، وفي الفترة القادمة ستتسارع بوتيرة كبيرة. وبلا شك، ستكون الاستثمارات مركزة بشكل كبير في المناطق المحررة وغيرها من المناطق السورية التي تحتاجها، حيث توجد استثمارات من دول إقليمية، كما سيجري الإعلان قريباً عن استثمارات سعودية.
وقال وزير الإعلام: “هذه الحكومة هي حكومة الرئيس أحمد الشرع، الذي يعمل على مدار 24 ساعة، وفي بنية النظام الرئاسي، كالنظام الرئاسي السوري، الاجتماعات بين رئيس الجمهورية والوزراء مستمرة على مدار الساعة واليوم، وهي تعمل على مدار اليوم، وهذا هو الاجتماع الدوري الثاني لها. أما فيما يتعلق برفع الرواتب، فقد تحدث وزير المالية في إحاطته بأن موازنة الدولة لعام 2025 تتضمن زيادة معتبرة في الرواتب، وسيتم الإعلان عنها في المستقبل القريب”.
وأضاف الدكتور المصطفى: “إن رفع العقوبات عن سوريا جرى من دون أي شروط أو متطلبات أخرى، وهو ما أكده المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك. وقد بدأ مسار العلاقات مع الولايات المتحدة للتو، وهو مسار طويل يناقش قضايا مختلفة، وواشنطن، كما شدد مبعوثها، داعمة لمسار تعافي سوريا، وأبدت إعجابها بطريقة إدارة الحكومة السورية، التي وصفها بالشجاعة والمثابرة”.
وتابع وزير الإعلام: “فيما يتعلق بالاتفاقيات الموقعة، فهي اتفاقيات تجري بين حكومات الدول، وهناك خارطة طريق أعلن عنها السيد الرئيس، وتم الإعلان عنها في الحكومة. فبعد إنشاء هيئة المفقودين وهيئة العدالة الانتقالية، يتم التحضير للنقطة البرلمانية، أي وجود مجلس الشعب ليتبنى أو يقدم مراجعة لكل القوانين، وهناك حرص على أن يكون هذا المجلس، خلال المرحلة الانتقالية، ممثلًا لأكبر عدد ممكن، آخذين بعين الاعتبار صعوبات المرحلة الانتقالية”.
وبشأن الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، بيّن الدكتور المصطفى أنه، منذ التوقيع عليه، أوفت الحكومة بمختلف التزاماتها، وهي تنتظر من الطرف الآخر الإيفاء بالتزاماته. فهذا الاتفاق لا يزال يمثل إطارًا ومرجعية للجميع، ويجب على قوات سوريا الديمقراطية الالتزام به وببنوده، وإتاحة العمل الصحفي، وإتاحة الحريات، وإطلاق سراح جميع المعتقلين.
ولفت وزير الإعلام إلى أن مسألة إدراج اللغة الكردية ضمن نشرات التلفزيون قيد الدراسة من قبل الحكومة، التي تتبنى نهجاً انفتاحياً، فسوريا تعترف بالتنوع اللغوي والثقافي الذي يؤكد تعدديتها، وهذا التنوع عامل غنى لسوريا وليس عاملاً سلبياً يمكن استغلاله بطريقة سياسية، والإعلان الدستوري ينص على ضمان الحقوق الثقافية واللغوية.
وفيما يخص الوضع في محافظة السويداء، قال الدكتور المصطفى: “إن الحكومة حاولت، على مدى الأشهر الماضية، الوصول إلى صيغ وتفاهمات مع القوى الموجودة في السويداء، ووصلت الجهود إلى درجة أن الحكومة قبلت تقريباً كل مطالب هذه القوى، لكن بعض القوى تراجعت عن مطالبها التي قدمتها، أو هي لا تستطيع تنفيذها، وحصلت مجموعة من التصرفات التي لا تمت إلى وطنية أهالي محافظة السويداء، ولعل أبرزها ما جرى مع السيد المحافظ”.
وأضاف وزير الإعلام: “التقى السيد الرئيس وفداً من محافظة السويداء، وكانت هناك مطالبات عديدة بضرورة حل المسألة، لأن حالة الاستعصاء وقلة الخدمات المقدمة، إضافة إلى بعض الظواهر المنفلتة الناتجة عن انتشار السلاح وما شابه، تشكل تحديات أساسية وتلقي بثقلها على كاهل المواطن. كما أكد ضرورة أن يلفظ عقلاء السويداء والقوى الوطنية بعض الأصوات التي تحاول تبني خطاب استجدائي يراهن على تدخل خارجي، وخاصة بعد رفع العقوبات. هناك فرص تلوح في الأفق، والجميع مدعو إلى الالتفاف حول الوطن السوري، فلا خيار لنا سوى النجاح، وهذه مهمة الجميع”.
ورداً على سؤال بشأن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، قال الدكتور المصطفى: الحكومة شددت على أن هناك مفاوضات غير مباشرة نشأت عن وجود اعتداءات إسرائيلية مستمرة، وهذه المفاوضات غير المباشرة تتمحور على اتفاقية فصل القوات لعام 1974 وضرورة الالتزام بها.
وأشار وزير الإعلام إلى أن خطة الوزارة تتضمن إعادة تفعيل الإعلام الوطني بشكل كامل، حيث كانت البداية بانطلاق قناة “الإخبارية”، ويتم التحضير حالياً لانطلاقة وكالة “سانا” للأنباء في الرابع والعشرين من حزيران القادم، من أجل تقديمها بطريقة مختلفة كخدمة إخبارية وليست فقط مدونة للحكومة. وأيضاً، هناك تحضيرات لانطلاقة جديدة لإذاعة دمشق، والعمل جارٍ بشأن صحيفة “الثورة”، من أجل الوصول إلى أول صحيفة مطبوعة بحدود أيلول القادم، إضافة إلى إعادة تفعيل القناة الفضائية السورية كقناة منوّعة برامجية تشمل محتوى يختلف عن المحتوى الإخباري أو السياسي المقدم في “الإخبارية”.
وبيّن الدكتور المصطفى أن الوزارة تسعى لإعادة تفعيل المكاتب الإعلامية ضمن الوزارات والمحافظات، ويشمل ذلك تعيين متحدثين رسميين في بعض الوزارات الحيوية، من أجل رفد الصحفيين والوكالات الصحفية بالمعلومات والبيانات اللازمة. كما أن الوزارة تمد يد التعاون للإعلام الخاص والمستقل، ليكون أيضاً فاعلاً في الحياة السياسية والمجال الإعلامي بشكل عام. أما فيما يتعلق بمنح التراخيص، فقد قامت الوزارة بمراجعة القوانين الخاصة بذلك، وتجهيز مسودة للقوانين واللوائح الناظمة للترخيص، سيتم الإعلان عنها قريبًا جدًا، وسيتم البدء بمنح التراخيص خلال شهر حزيران القادم.
وقال وزير الإعلام: “إن رؤيتنا للإعلام الوطني هي أن يستثمر بالموضوعية، فنحن إعلام يمثّل الدولة السورية، لكنه لا يمثل فقط الحكومة، بل الدولة والمجتمع بشكل عام. نحاول أن نقارب كل الأمور بموضوعية لبناء إعلام وطني على أسس تنافسية، ونسعى لأن يكون الإعلام ممثلًا لأكبر شريحة ممكنة، ويعكس أصواتًا مختلفة، ونطمح إلى تقديم نموذج بعيد عن البروباغندا، وتقديم الإعلام الرسمي بطريقة مختلفة كحال الدول المتقدمة في هذا المجال”.
وأكد الدكتور المصطفى أن السبيل لمواجهة الأخبار الخاطئة والمضللة هو الاستثمار في الإعلام الرصين، الذي يقدم المعلومة، سواء كان هذا الإعلام رسمياً أو خاصاً أو مستقلاً أو عربياً أو أجنبياً، طالما أنه يتعامل مع الأمور جميعها بطريقة موضوعية. وقال: “كلمة السر في وزارة الإعلام.. ما دام المحتوى يركز على الموضوعية فنحن نرحب به حتى لو كان نقدياً”.