علي الزعتري
وصفةَ السقوط معروفةٌ للقاصي و الداني منذ الأزلِ المعروف والمقصوص لكن التغاضي عنها وتبعاتها هو من أشدِّ أنواع الغباء السياسي الأَزلي المعروف والمقصوص كذلك الأمر. منذ زمن “أنا ربكم الأعلى” و”أنا أُحيي وأُميت” مروراً بكل الفراعنة والقياصرة والملوك و الزعماء “الخالدين” وإلى عصرنا الحالي ولغدٍ ولما بعدهِ يستميتُ معظم الحكام للبقاء حكاماً رغماً عن تقدم العمر لأرذلهِ وطول فترة الحكم. تستطيل هذه الفترة بأشكالٍ أصبحت واضحةً بل ومضحكةً. يتكرر الفوز بانتخاباتٍ صورَيةً أو، وهو الشائع، تقتنع زعامةٌ “تاريخيةٌ” بدأت بثورة وتحولت لثروة أنها الرسالة الإلهية لإنقاذ البشر. ينتقل وباء البقاء من الفرد الحاكم للعائلة القريبة والبعيدة و للحاشية. كلهم يمارس النفوذ بأنواعهِ على الأضعف في سلسلةِ البقاءِ للأشرس و في تغييب منافسيه. والأكثر تزلفاً للحاكم يمتلك الحظايا من أدناها مرتبةً و أعلاها.
التاريخ لا يعيد نفسه فالتاريخ ليس كائناً يتوالد بل هو الإنسان الذي حين يصبح حاكماً لا يقرأ التاريخ والعظةَ المتوفرة من خلال أحداثهِ ويقول كما قال من كان قبله: هذا ليس أنا ولن يكون مصيري. ثم يسقط. و يأتي من بعده من سيسقط من وراءه. في أعتى البلاد تحيزاً للحرية السياسية والمساءلة، الولايات المتحدة، بقي جو بايدن رئيساً رغم معرفة الجميع بعدم أهليته بل واستقوى ليكون رئيساً لفترةٍ ثانية لولا سقوطه المُدَوِّي في مناظرته مع دونالد ترمپ. والأخير الذي حُوصِرَ بالمحاكمات و التهم ينجحُ أن يكون رئيساً ثانيةً يتملق له عالم السياسة الأمريكي والدولي كُلٌّ يريد رضاه، وقد نراه يحاول كتابة قانونٍ يسمح له تمديد فترة رئاسته. القضية لا تقف عند هذين. فالرئيس (المعجزة) ڤلاديمير پوتين رئيسٌ ورئيس وزراء بالتبادل. المهم هو السيطرة، وهو إن لم يتعلم الدرس من التاريخ قد ينتهي نهاية القيصر.
وحدها الشعوب تقرأ التاريخ جيداً وتتمسك به لأنه الحل السحري فعلاً لمشكلتها مع الحاكم الأزلي. والحاكم “أُمِّيٌّ” عندما يتعلق الأمر بدروس التاريخ يقفز عن نهايات من سبق، غير السعيدةِ غالباً، ويتشبثُ بعبقريتهِ غير محدودة المعارف مؤمناً بأن نهايته لا تأتي إلا بإرادته فإذا به في سويعاتٍ ينتقل من “الفخامة” للإقامةِ الجبرية وربما المحاكمة والزنزانةَ أو المشنقة. من وَصَفاتِ وصِفاتِ السقوط أن يُحيطَ الحاكم نفسه بمن لا يقول له “لا” أو “انتظر” فالكل ممن جمعهم حوله يقولون له ما يريدُ سماعهُ. ويتحول هو للحاكم الفَذّْ العارف بعلوم الحياة الحاضرة والغائبة فيتكلم عن بذرةِ القمح و فصيلةِ الإلكترون في نَفَسٍ واحدٍ. يفهم كل العلوم ويصمتُ أمامهُ العالمُ شفقةً وخوفاً.
الشعوب تعلم جهالة حكامها لكن الحاكم يصل لمرحلةِ أن لا يرى إلا نفسه فتتحول الشعوب بالنسبةِ له لعبيدٍ مهمتهم تمجيده قام وقعدَ، ثم لعنهُ في الخفاء و الرقص على خيبته عندما يسقط.
“تلك الأيام نداولها بين الناس” حكمةٌ قرآنيةٌ هي أمام الجميع ليفهمها وما من فاهم. فوق بوابة قصر السيف العامر في الكويت كنت أقرأها، نُقِشتْ عبارةٌ هي الأُخرى حكمةٌ تقول “لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك”. فمن يا ترى يقرأ ويتعظْ؟
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم