نارام سرجون
مايثير قلق الانسان بعد موته ليس فقط مايجهله في رحلة الروح الى عالم الارواح .. بل ماسيتركه من أمنيات ورغبات يتمنى ألا تموت بموته .. وأعمالا لم تكتمل ولم تنجز .. ولعمري فان مايخشاه على ماسيترك في دنياه من أمنيات يضعها في قوالب الوصايا يخشى ألا تتحقق من بعده لايقل عن سبب قلقه من مجهول عالم الأرواح ان لم يكن أكثر .. يموت الانسان وعينه التي يغمضها لآخر مرة تنظر وتبحث عن كل ثانية بقيت فربما تمكنت من عمل شيء مما لم يتسن اكماله ..
ولايترك الناس وصاياهم المكتوبة الا عندما يخشون من ألا تتحقق عندما تتناقلها الشفاه والأفواه لاالصفحات .. وكم من وصية كتبها أصحابها على الورق وعلى الجدران والرخام .. خوفا عليها .. ولكنها سقطت وبقيت فوق الرخام .. ولكن الأنبياء والحكماء والأبطال والمخلصين لمبادئهم لايتركون وصاياهم مكتوبة بل افعالهم ومحبتهم وتعاليمهم وقبسات من أقوالهم تجلجل في ذاكرة البشر ..
وليد المعلم حكيم من حكماء الشعب السوري .. ولكن هل يحتاج حكيم مثله ان يتجاهل وصيته لأمته التي أحبها وأحبته؟
الحقيقة ان وليد المعلم .. حكيم الحرب الكونية على سورية .. كتب وصية طويلة جدا واستمر في كتابتها 14 سنة منذ ان صار وزيرا للخارجية السورية .. وكان في كل يوم يكتب سطرا فيها ويثبت عبارة وينحت قاعدة وقانونا ويضع نقطة في نهاية الجمل الطويلة لأنها لاتتحمل أية اضافات او اجتهادات ..
الحقيقة ان الحكماء يضعون وصاياهم في كل مايقولونه ويكتبونه وينطقون به .. ولاحاجة لمن سمع اقوالهم وقرأ كاكتبوه في حياتهم أن يجتهد ويفتش الأدراج والخزائن المقفلة والسرية عن وصية مكتوبة .. فكل ماقالوه وصية مكتوبة على جدار الزمن ويجب احترامها وتنفيذها .. ولذلك فان علينا ان نجمع كل ماقاله هذا الرجل الحكيم الوقورفي مقابلاته ومؤتمراته الصحفية الغنية وأن نعتبره وصية مقدسة تعبر عما أراد أن يوصي به وأن يتركه أمانة بين أيدينا .. ورغم انني أعرف أن تلك الوصية يمكن أن تنشر على مئات الصفحات الا أنني أقتبس منها بعضا من أكثف العبارات التي تختصر كل الشروح .. ولكن كل احدة منها تحمل جزءا كبيرا من الوصية ..
أليست عبارته الى بانكيمون (هذه سورية) وصية لنا كي نعرف ان علينا أن نعتز ببلدنا أيما اعتزاز وان مالدينا ليس بلدا عاديا بل بلدا رائعا ورائدا وبطلا ويستحق ان نسافر من أجله الى الشمس وليس الى جنيف .. نعم عبارة (هذه سورية) وحدها وصية كاملة ووصية ثقيلة الأثر تقول لنا ألا نتواضع في أحلامنا وفي طموحاتنا وأن نؤمن بأنفسنا وأننا من أهم البلدان في العالم بدليل أن الكون كله تكالب للحصول على هذه الـ (سورية) .. ولو لم تكن بحجم الكون لما أراد الكون كله الاستيلاء عليها ..
أليس ماقاله المعلم لجون كيري وهو يضع خطا تحت كلماته بسبابته:
“(لا أحد في العالم ..سيد كيري.. له الحق بإضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيس أو حكومة أو دستور أو قانون أو أي شيء في سورية إلا السوريين أنفسهم)”.
هذه وصية وليست مجرد عبارة غاضبة لوزير حارجية أميريكا .. بل وصية للشعب السوري سيحترمها الى الأبد ويعلمها لأبنائه .. وهي تعني أن السوري يجب ان يعتد بنفسه وأن يقف يباهي الدنيا بكرامته واستقلاله وأن يرفض القيود والشروط والاملاءات ..
أليست عبارة (سنمسح أوروبا من على الخريطة) وصية للديبلوماسية السورية بان تعمل دوما على ان تنوع علاقاتها وأن تتوجه شرقا وان ترى ان أوروبة لم يعد فيها خير للشرق الأوسط بعد ان تعاملنا معها قرنين كاملين لم تقدم فيهما أوروبة الا الاستعمار والمؤامرات والكراهية .. وكان آخرها الربيع العربي الحقير .. وانه آن الأوان لكي نفكر في أن نتوجه شرقا ونكتشف العالم في ذلك الاتجاه كما فعل كولومبوس الذي أتعبه المرور في أراضي الشرق وبحارها فقرر ان يتجه غربا رغم كل من انتقدوه واعتبروه منفصلا عن الواقع .. ولكنه ييم وجهه شطر المحيط الاطلسي عله يجد طريقا جديدا فاذا به يكتشف أرضا جديدة وأملا جديدا وعالما جديدا تحول الى حقيقة لانزال حتى اللحظة نعيش تداعيات ذلك الاكتشاف وتلك الحقيقة ..
وعبارت المعلم الشهيرة (من هو بومبيو؟) هي أيضا وصية تؤكد وتتمنى من الشعب السوري أن يبقى واثقا بنفسه غير هياب ولاوجل من دول تظن انها بمجرد ان يشير سفيرها باصبعه الى ملك او حاكم فانه لايجرؤ على التأخر في تلبية الأشارة والأمر والخضوع .. نعم فعلا (من هو بومبيو؟؟) انه سليل قطاع الطرق وسليل عصابات رعاة البقر ونحن ابناء سورية التي كتبت الحرف وزرعت للانسان وزرعت دين الاسلام وولد منها الأندلس وقصائد (جادك الغيث اذا الغيث همى يازمان الوصل في الأندلس) .. وكل واحد يسكن هذه الارض أفضل نسبا من بومبيو وأبيه ..
وأما وصيته الشهيرة لجون كيري فهي في منتهى البلاغة (خليه ناطر) .. وهي رسالة ووصية لاتموت وتقول أن على الاميريكيين ان ينتظروا الى الابد كي نتغير في قناعاتنا ومبادئنا واحترامنا لأنفسنا .. وعليهم ان يتعلموا الانتظار على الأبواب عندما يتحدثون مع السادة لا أن ينتظروا على الكراسي وفي المنتجعات عندما يستدعون العبيد ويتكلمون مع العبيد ..
ومن الصعب أن نتخيل الديبلوماسية السورية من غير وليد المعلم .. الديبلوماسي الهادئ الرزين في زمن الديبلوماسيات العربية الطائشة .. هدوء المعلم كان هو المطلوب في زمن الكوارث العربية والخطاب الجنوني الذي ساد المنطقة .. الخطابات فقدت كل عقلانيتها واتسمت بالاثارة والاستفزاز وكانت تشبه ديبلوماسية أنفاس التنين .. وكان المعلم مثل رجل الاطفاء وجدار الثلج الذي يبرد النار ويروضها ويمتطيها .. كما يروض الحاوي بمزماره أفاعي الكوبرا .. رحل الحاوي والمزمار .. وبقيت أفاعي الكوبرا .. وبقي اللحن الي عزف عليه وروض فيه الأفاعي .
.
رحم الله وليد المعلم .. ويجب في هذه الايام أن نتذكر كل كلماته كوصايا لنحارب افاعي الكوبرا .. لأن الوصايا الأهم في حياتنا ليست هي التي نكتبها .. بل هي مانمارسه ونقوله ونطبقه .. والملايين من السوريين الذين احبوا المعلم سيحترمون وصاياه وصية وصية .. وسطرا سطرا .. ونقطة نقطة .. وسيرددون من بعده .. انها سورية واننا سوريون .. ولاأحد في العالم أيها العالم له الحق في أن يملي علينا مالانريده .. ووصية المعلم أن نتابع تحريرها ومسيرة حريتها واستقلالها وعنفوانها .. ولن نبيع الوصية مهما كان الثمن ..
سيريا هوم نيوز /4/ اوقات الشام