آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » وفاة فتاة مصرية بعد التنمّر عليها.. لماذا يموت الإنسان حزناً؟

وفاة فتاة مصرية بعد التنمّر عليها.. لماذا يموت الإنسان حزناً؟

“متحمّلة شكلك ده ازّاي؟ إنتِ وحشة (قبيحة)”.

كلمات جارحة سمعتها فتاة مصرية (16 عاماً) قبل أيام من زميلاتها في المدرسة، فخرجت وهي في حالة انهيار تام. روت لشقيقتها ما دار بينها وبين إحدى زميلاتها، لتسقط على الأرض فجأة وتفارق الحياة.

وسائل إعلام مصرية كشفت أن غرفة عمليات النجدة في الجيزة تلقّت إشارة من المستشفى تفيد باستقباله جثة إحدى الفتيات، وتدعى رودينا أسامة، وبتوقيع الكشف الطبي عليها تبيّن أنها تعرّضت لأزمة قلبية حادة.

والد رودينا علّق على الحادثة بالقول: “ابنتي حكت لي أنها تعرّضت للتنمّر من قبل زميلة أثناء الفرصة، قائلة لها: إنتِ مش من مستوانا علشان تلعبي معانا”. وحين اشتكت رودينا لوالدها، أكّد لها أنه لا داعي للقلق كون هذه الأمور تحدث. لكن ما تبيّن أن هناك داعياً للقلق، وأن بعض الكلمات الجارحة قد تكون سبباً من أسباب الموت أيضاً.

لماذا يتنمّر الأطفال؟

“اعتاد الناس على الاعتقاد بأن التنمّر سلوك طبيعي، وكانوا يعتقدون أنه في بعض الحالات يمكن أن يكون شيئاً جيداً لأنه يبني الشخصية.. لقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى بدأ الباحثون في اعتبار التنمّر أمراً ضاراً حقاً”.

لويز أرسينولت، أستاذة علم النفس في جامعة لندن

لا يوجد تعريف قانوني للتنمّر. لكن عادة ما يتم تعريفه على أنه سلوك متكرر يهدف إلى إيذاء شخص ما إما عاطفياً أو جسدياً، وغالباً ما يستهدف أشخاصاً بسبب شكلهم الخارجي أو عرقهم أو دينهم أو جنسهم أو أي جانب آخر مثل المظهر أو الإعاقة. وهناك عدّة عوامل تفضي إلى أن نخلق طفلاً متنمّراً. أغلب الأطفال الذين يمارسون التنمّر هم أنفسهم تمّت ممارسة التنمّر عليهم، وفق دراسات نفسيّة.

وتفيد بأن بعض الأطفال يكونون متنمّرين ضمن جزء من اتفاق غير معلن، عن طريق الانضمام إلى مجموعة من المتنمّرين طلباً للشهرة أو الإحساس بالتقبّل من الآخرين، أو لتجنّب تعرّضهم في المقابل للتنمّر.

غالباً ما تكون الحالات الفردية للتنمّر نتاج ثقافة أوسع تتسامح مع الإيذاء. بعض الدراسات تؤكّد  أن السبب الشائع لكون الطفل متنمّراً هو أنه يفتقر إلى اهتمام أحد الوالدين في المنزل ويهاجم الآخرين للفت الانتباه. يمكن أن يشمل ذلك الأطفال المهملين، وأطفال الوالدين المطلقين. ويمكن أن يكون الأشقاء الأكبر سناً أيضاً سبب المشكلة. إذا تعرّضوا للتنمّر، فسيكونون أكثر استعداداً للتنمّر على أختهم الأصغر مثلاً، ليشعروا بمزيد من الأمان أو تمكين أنفسهم. عادة ما يتنمّر الأطفال لأنهم يتعلمون هذا السلوك في المنزل، سيّما أن التنمّر سلوك مكتسب يمكن أن نجعل الأطفال يتجنّبونه.

وذكر موقع “stomp out bullying” أنّ المتنمّرين يسيطرون على الآخرين ويلومونهم. يفتقرون إلى التعاطف ويحتقرون الضعفاء. إنهم يرون الأطفال الأضعف هدفاً لهم، ولا يقبلون تلقّي العقاب على أفعالهم. إنهم يتوقون للقوة والاهتمام. يشعر المتنمّرون الذين يتعرّضون للتنمّر بالراحة من شعور الآخرين بالعجز، والتغلّب على الآخرين. ويقول الموقع إنّ “المتسلّطين الاجتماعيين” هم أنفسهم المتنمّرون الذين يفتقرون إلى احترام الذات، ويتلاعبون بالآخرين من خلال النميمة والفظاظة. ويشتهرون بأنهم يخططون لهجماتهم ويكونون محبوبين من الجميع، ما عدا ضحاياهم.

العالم مدين لهم!

تخلص دراسة في “mbf prevention education” إذاً إلى أن هناك مجموعة من الأسباب التي قد تجعل الأطفال يمارسون التنمّر، أهمها الحاجة إلى القوة والسيطرة. يحتاج هؤلاء الأطفال إلى أن يكونوا القادة، ويحتاجون إلى السيطرة على مجموعة أقرانهم. قد يأتون من منزل يشهدون فيه سوء معاملة أو هيمنة من قبل أحد الوالدين على الآخر، أو قد يكونون هم أنفسهم ضحية لسوء المعاملة أو السلوك العقابي القاسي من قبل أحد الوالدين.

إنهم يفتقرون إلى التعاطف مع الآخرين، وقد يحتاجون إلى تعلّم هذه المهارة أثناء نضجهم. لديهم مشاعر الاستحقاق. يشعر هؤلاء الأطفال أن العالم مدين لهم بشيء ما. يكون ذلك عادةً من المنزل حيث يتم منحهم فيه كل ما يريدون. يحبون الشهرة ويريدون أن يعرفهم الجميع. قد يأتون من منزل تقدّر فيه العائلة أن طفلها هو الأفضل وهو “الطفل المشهور”، ما يشكّل ضغطاً هائلاً على الطفل لإرضاء والديه لاحقاً، فيصير متنمراً، فهو لا يولد هكذا.

هل الحزن سبب للموت؟

تشير العديد من الدراسات  إلى أن التنمّر يزيد إمكانية الإصابة بالالتهابات إلى درجة تهديد جهاز المناعة، لأن الالتهاب المرتفع والمتكرر يساهم في تآكل أعضاء الجسم، مما يؤدي إلى حالات مرضية خطيرة، مثل مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية.

كذلك تشير أبحاث علمية إلى أن الإجهاد الناتج عن التنمّر يمكن أن يؤثر سلباً على الجسم لعقود بعد الحدث، فمن خلال تحليل البيانات من دراسة زمنية طويلة الأمد استمرت 50 عاماً، وجدت أن التنمّر المتكرر بين سن 7 أعوام و11 عاماً مرتبط بمستويات أعلى من الإصابة بالالتهابات المختلفة والسمنة في سن الـ 45 عاماً.

يعرّف الحزن على أنه حالة عاطفية قد تؤدي إلى التعاسة، تتراوح في شدتها من معتدلة إلى كثيفة وعادة ما يثيرها فقدان شيء ذي قيمة عالية عند الإنسان نفسه، والحزن المستمر قد يعرّض الإنسان لنوبة اكتئاب كبرى وما يترافق معها من حالات نفسية متفاوتة.

عام 2015، أصدرت منظمة الصحة العالمية دليلًا جديداً حول إدارة حالات الصحة العقلية، قائلة إن الحزن الذي يستمر لأكثر من 6 أشهر يجب اعتباره اضطراب حزن طويل الأمد، ويجب استشارة المتخصصين عند تحديد العلاج.

وفي عام 2018،  أضافت الجمعية الأميركية للطب النفسي، في الإصدار الخامس من تحديث الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية اضطراب (DSM-5)، واصفة إياه بالحزن الذي يستمر لمدة عام أو أكثر.

ولكن، هل يميتنا الحزن فعلاً؟ هل يتعدى الحالة الشعورية إلى حالة مرضية عضوية؟ هل يموت الأطفال إذا ما حزنوا؟ وقوعنا في الأحزان الشديدة يفتح باب الاحتمالات على نتائج عديدة، قد يكون الموت جزءاً منها.

“Takotsubo Cardiomyopathy” أو “متلازمة القلب المكسور” هي متلازمة حقيقة، وقد تؤدي إلى الوفاة، عكس ما يعتقد كثيرون بأن “الحزن لم يقتل أحداً”. يصاب المريض بهذه المتلازمة باستجابة عالية للتوتر العاطفي المفاجئ، خاصة الحزن، فيموت. يتسبب اعتلال عضلة القلب في تغيير منطقة ضخ الدم الرئيسية في القلب (البطين الأيسر) وزيادة حجمها. ما يضعف عضلة القلب ولا يضخ الدم كما ينبغي، وعادة ما تنجم هذه الحالة عن الإجهاد العاطفي الشديد.

تأتي كلمة “تاكوتسوبو” من اسم وعاء يستخدمه الصيادون اليابانيون لاصطياد الأخطبوط، وعندما يتغير شكل البطين الأيسر للقلب، فإنه يتطور إلى رقبة ضيقة وقاع مستدير مما يجعله يبدو مشابهاً لمصيدة الأخطبوط. ولأسباب غير مفهومة يواجه المصاب ارتفاعاً كبيراً في الأدرينالين الذي يمكن أن يحفز نوبة قلبية، فتتوقف عضلة القلب عن الانقباض، وتبدو كأنها نوبة قلبية عند إجراء تخطيط للقلب. وفي معظم الأحيان عندما ترتخي التشنجات ويستأنف تدفق الدم يصاب المريض عادة بأزمة قلبية قد تتسبب في الوفاة.

الحزن قد يؤدي إلى النهاية إذاً. وليس الحزن بنفسه وذاته فقط، بل بجميع حالاته ومراحله. فأنت قد تراكم الحزن ما يولّد الاكتئاب، والمكتئب قد يشعر أنه لا يستحق الاستثمار في نفسه حتى للشفاء، وبحسب موقع “health line” يؤدي الاكتئاب إلى مشاكل عديدة منها أمراض الصحة البدنية التي يمكن أن تؤدي إلى الوفاة. عدا عن أن الشخص المصاب بالاكتئاب قد يفكّر في الانتحار أو أذية نفسه بأي طريقة، وبالتالي فإن التعرّض لخطر الموت يرتفع.

ثقافة التكتم

غالباً ما يتمّ الترويج للسعادة على أنها الحالة الطبيعية للوجود، والتي يجب أن نكون عليها ويجب أن نطمح إليها دائماً. ويتم تشجيعنا على العمل بشكل شخصي على تحقيق الرضا في جميع جوانب الحياة وإخفاء الحزن، أو على الأقل تخفيف حدته، بدلاً من التفكير فيه أو في مشاعر الكآبة أو الاكتئاب.

في مجمعاتنا العربية، إخفاء المشاعر عموماً والحزن تحديداً، يُعد من الأمور الشائعة ولا سيّما عند الأطفال. لا توجد دراسة دقيقة تحدد الأساليب المتبعة في تربية الأطفال عاطفياً. لكنّ القسوة والحزم وإخفاء المشاعر كانت من الطرق المتبعة غالباً، نظراً لطبيعة الأرض، العادات والتقاليد، وتعدد الأطفال.

لا تتوقف “ثقافة التكتم” في مجتمعاتنا عند الحزن بل تتعداه إلى إخفاء مشاعر عديدة كالتعرّض للأذى، والاغتصاب، وكذلك التعرّض للتنمّر. الأخير ظهر بشكل فاضح مؤخراً، التنمّر من أجل التنمّر، والتنمّر من أجل الأذى، والتنمّر من أجل التفشّي، واللائحة تطول. لكن التنمّر لم يقف عند الكبار وأسبابهم التي “قد تكون واضحة” ولا نقول مفهومة، بل أصبح التنمّر ظاهرة ذات صيت عند الصغار أيضاً، هذا مشابه تماماً لما حدث مع رودينا، الفتاة المصرية التي سبق الحديث عنها أعلاه.

واعتماداً على كل ما سبق، سيكون هناك الكثير من الحالات المشابهة لرودينا، ليس في مصر وحدها، بل في كل مكان حولنا. خصوصاً إذا ما تعرّض أطفالنا لـ “العدوان العلائقي” وهو السلوك الذي يتلاعب ويضر بالعلاقات بين الأفراد أو الجماعات، ويأتي في هيئة تنمّر، أو نميمة، أو إذلال نفسي، بغرض الانتقام أو الهيمنة.  ويسمى أيضاً “العدوان غير المباشر” أو “العدوان البديل” أو “العدوان الاجتماعي” لارتباط أهدافه بتدمير الحياة الاجتماعية للضحية.

الوقاية من الحزن ممكنة إذا ما عرّفنا الحزن بشكل دقيق، والوقاية من التنمرّ تحدث فعلاً إذا ما شرّحنا أسبابه، وإذا ما عرّفنا أطفالنا قيمة الإنسان الحقيقة، والتي تتجاوز  العوامل التي لا دخل له بتكوينها.

 

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...