آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » وقائع وانطباعات من زيارتي لإيران على مدى أربعة أشهر ضمن رحلتي من دمشق إلى موسكو على ظهر جواد عام 2019 (الحلقة الثانية)

وقائع وانطباعات من زيارتي لإيران على مدى أربعة أشهر ضمن رحلتي من دمشق إلى موسكو على ظهر جواد عام 2019 (الحلقة الثانية)

 

كتب:عدنان عزام

اتابع عبر موقع (سيريا هوم نيوز) عرض وقائع و انطباعات اكتشافي للقارة الايرانية ( الفارسية )
اتابع الولوج في عوالم المادة و الروح الايرانية و انقل بامانة المكتشف ما عشته مع الشعب الذي فجع بفقد رئيسه , هذا الحدث الذي شغل و ما يزال يشغل حيزا كبيرا من الاهتمام العالمي
انقل بامانة ما عشته مع ( شعوب ) القارة الايرانية المتنوعة من جنوبها الى شمالها و كذلك تضاريسها التي ادخلت الرهبة في نفسي
وفيما يلي الحلقة الثانية


الأحد 21
تموز 2019

نسير عدة ساعات على
طريق مستوية , حتى يوقفنا علي , و يسلم علينا باسم محافظ المدينة

التي نعبرها و الذي يود أن نزوره , فننظر فوراً
في جهاز الـ GPS
و نعتذر عن تلبية دعوته , لأن المكتب

يبعد خمسة كيلومترات عن الطريق .

يغادرنا الشاب لكنه يعود حاملاً طعام الغداء لنا , إلى حديقة بجانب الطريق ليشاركنا به , بينما الخيل تأكل الأعشاب
الموجودة في كل مكان , لكثرة المياه في هذه المنطقة , ثم يأتي طفل في السابعة من عمره و يدعونا
أيضاً و بإلحاح للذهاب إلى بيته , لكننا نعتذر منه أيضاً فيقوم بإحضار الماء للخيل .

وهنا لا بد من التنويه :
إن الناس لا يأخذون بالحسبان , أنه عندما
نسافر على الخيل تختلف نظرتنا و تقديرنا
للمسافات , إذ أنّنا نحتاج لعدة دقائق فقط لقطع خمسة كيلومترات بواسطة السيارة , بينما نحتاج ,
لساعة كاملة لقطعها سيراً مع الخيل
, و بالتالي فإنّنا نحاول أن لا نغادر الطريق أبداً , و إلّا لن نصل إلى موسكو …..!

نتابع طريقنا , و نحن مرهقون من الحر و التعب و البرغش و
الحشرات بسبب كثرة المياه

و المزروعات المتاخمة لهذه الطريق المحاذية للجبل , أحاول اليوم مرة جديدة و
بصعوبة كبيرة ترويض ( تعسيف ) أماني الجولان لكنها تُظهر كل أشكال الرفض , و مع
ذلك أصرُّ , و امتطيها بحذر كبير , لكنها و بسرعة البرق تجفل من صوت شاحنة خلفنا و
ترميني أرضاً , و يرتطم رأسي على صخرة كادت تقضي عليّ .

نصل إلى بلدة صحنه , لنجد فرزام نوري بانتظارنا
, و كالعادة , يحصل ذلك بتوجيه من ديلارام
اسماعيلي مسؤولة العلاقات الخارجية في اتحاد الفروسية الإيراني , نضع نيازك الشام
و أماني الجولان مع خيوله ,

و يدعونا إلى بيت شبه مهجور لنمضي معه و مع أصدقائه أمسية حافلة بأحاديث عن همومهم
ومعاناتهم , أحاديث سمعناها أكثر من مرة في العراق و إيران و في كل البلاد التي
تتعرض للحروب العسكرية و الاقتصادية و الثقافية . و بدلاً من التصدي لهذه الحروب المدمرة لأوطاننا بالإصرار و العمل و الصبر و الفكر , يجد ضعاف
النفوس بل و الخونة من موظفينا الفرصة السانحة لنهب المال العام , و إفقار
الوطن , مما يدفع شبابنا إلى الهرب من الواقع عبر الانزواء و معاداة
الدولة و تعاطي الخمور و المخدرات , أو
الهجرة المدمرة للجميع , أرضاً و إنساناً !

مشكلة كبيرة , أزمة كبيرة , بل تحد وجودي
كبير , يحتاج إلى نظرية متكاملة للخوض به والكتابة عن كل جوانبه السياسية و
العسكرية و الاقتصادية و الاجتماعية , و
لا يمكن تبسيط الأمور و القول أن هذا أمر يتعلق بالحكومة وحدها , و لا تستطيع الحكومة الاكتفاء بالمراقبة
وترك الشعب فريسة ولقمة سائغة لأعداء الداخل والخارج , خاصة وأن الغرب الصهيوني فهم تماما هذه المعادلة , و يستخدمها
بنجاح كبير , لغزو دول العالم الثالث , إذ يقوم بفرض الحصار الجائر على هذه
الدول لإضعافها , و إنهاكها , وهنا تبدأ
المحنة , فبدلا من التصاق الحكومة بالشعب والشعب بالحكومة , لإبداع كل وسائل
الصمود و التصدي و الانتصار في الحرب , تمارس الحكومة سياسة خاطئة , و يقف الشعب
ضدها و يدخل الأعداء بينهما , وهذا ما يحدث في معظم الدول التي يحاول الغرب
الصهيوني إسقاطها !


الاثنين 22
تموز

طريقنا اليوم تنساب بين
الحقول و البساتين , نلتقي جمشيد الذي يحدثنا بالإنجليزية و يرافقنا طيلة النهار
بسيارته السابا الصغيرة حتى نصل بلدة
كنكارو , نتوقف قليلاً في المدينة لشراء حذاء

للمسير ( صندل ) و هو حذاء يلبسه من يحجّون إلى المقامات الدينية سيراً على
الأقدام ,

و قد تبيّن لي بالتجربة إنه الأفضل لمسير
المسافات الطويلة وهو يضاهي العلامات (
الماركات ) العالمية , كونه مريحاً جداً للأرجل , ثم يصحبنا لننام في مجمع رياضي
بجانب المدينة .


الثلاثاء 23
تموز

ما زلنا نسير بين السهول
الخصبة , و السواقي منتشرة في كل مكان , والأشجار العالية الوارفة الظلال تغرينا
للاستراحة قليلاً , و كي أردّ أيضاً على مئات الرسائل التي تصلني عبر وسائل
التواصل , لكن الجيران الطيبين يحضرون لنا البطيخ و اللبن العيران و نتحدث معهم .

ثم يصل فاريبورز , من قبل اتحاد الفروسية الإيراني , معلم مدرسة , هادئ الطباع و
يرأس بلدتي جنة آباد و أسد آباد , البلدتان اللتان أصلهما في الساعات القادمة . تتفاعل
الكيمياء الإنسانية بيننا فوراً و نتحدث طويلاً في تاريخ الإمبراطوريات الفارسية و
العربية و الإغريقية و الحروب التي دارت فيما بينها و ما تركته أيضاً من فنون و
علوم .

جميلة , إنسانية , نبيلة , هذه
اللحظات ! , إذ تتحول جلسة بظل شجرة على
قارعة الطريق إلى منصة فكرية عالمية ! .

يسير
فاريبورز معنا حتى نصل بيته
في جنة آباد , نجلس أرضاً , و
يبدأ الناس بالوصول للسلام علينا ,
يمتلئ البيت من رجال و نساء و شرطة
و رجال أمن و نتحدث عن الحرب على سوريا

و إيران و كيفية التصدي لها , أرى بأم عيني اهتمامهم بهذه الحرب , و التضحيات الجسيمة التي يقدمونها من دم و
مال للتصدي لها , لا شك أن الإعلام المعادي يتعاطى معها بطريقة
مختلفة , بل ويحوّل أخبارها إلى
بروباغندا لزرع الفتنة بين العرب وإيران !

للمرة الثانية تحضر المرأة الإيرانية
لقاءاتنا مع الرجال ,

و تشاركنا الحديث بتلقائية و جمالية عالية , حضور يدل على مجتمع أكثر توازناً و
ثقة و قوة , كل كلمة نقولها تعبر عن وجداننا و تخرج من أعماقنا
.

لقاء كم تمنيت أن يطول , و حوار تاريخي يستمر حتى ساعة متأخرة من
الليل .

يغادروننا , تغادرنا أجسادهم , لكن أرواحهم تبقى هائمة في المكان , أجلس إلى دفتري لأسجل هذه اللحظات التي ترتقي
بها النفس البشرية إلى قمم الوجود .

اكتب
في دفتري ( السرّ في السكان ) , مثل نقوله و هنا أعيشه حقيقة , و في كل بلاد العالم نصل إلى نفس
الخلاصة والنتيجة , إذ يكفي أن
تتواجد نفس بشرية واحدة طيبة لتخلق حولها عالماً مليئاً بالخير ,
و نفس واحدة شريرة تزرع الخراب و الدمار .


الأربعاء 24
تموز 2019

نغادر الخامسة فجراً مع
فاريبورز إلى أسد آباد و منها إلى
همدان .

الطريق جبلية قاسية تصعد
حتى السماء , أستميح الخيل عذراً لهذا المسار القاسي , أفكر بكل الكيلومترات التي
قطعتها و أتلمّس رجليّ اللتين تؤلمانني .

نسير تارة و نستريح
, حتى إذا ما وصلنا إلى مقربة من
السماء !, تنقشع أمامنا مساحات شاسعة ,
نتوقف ونفترش الأرض مع فاريبورز , لتناول
الطعام , ريثما يصل مسؤول الفروسية في محافظة همدان , سيد وحيد
البرقعي , في الأربعين من عمره , مسكون
بطاقة إيجابية , و لا يعرف الحدود في فكره
, فهو ابن العالم , يمضي بعض الوقت معنا و يغادرنا وهو يقول لي :

استجمع قواك أيها ( الختيار ) , أمامك الكثير من الكيلومترات , لكن مكاناً جيداً ينتظرك هذا المساء في همدان
.

لم يغادر وحده , بل غادر أيضاً المعلم الرائع فاريبورز إلى بلده
جنة آباد , و لا أدري إذا سيكتب الله لي أن أراه ثانية .

(((
اليوم الخميس 9 / 4 / 2020م , بينما أنا أعيد كتابة هذه المذكرات و بعد
تسعة أشهر من لقائي فاريبورز , وصلني من أقاربه خبر وفاته فأحزن قلبي وأدمع عيني
, كان ينتظر زيارتي ثانية

– رحمه الله بواسع
رحمته …….. ) .

نتابع المسير دون توقّف
, لنقطع خمسين كيلو متراً على طريق جبلية , حتى أصل مدخل مدينة همدان , منهك
القوى , بل أكاد أسقط أرضاً , و الخيل
منهكة أيضاً , و فوق كل هذا يخبرني سيد
وحيد البرقعي

إن صاحب المكان الذي كان ينوي استضافتنا ,
غيّر رأيه و علينا المسير ساعتين في هذا الليل لنصل إلى مزرعة رضا تقي شفق
, في ضاحية بهار .

ليست المرة الأولى التي
يغيّر الناس رأيهم برحلتنا , وطريقة استقبالهم لنا , من الجيد إلى السيئ , أو من
السيء الى الجيد ! حصل نفس الشيء قبل
ثلاثين عاما عندما كنت أقوم بجولة حول
العالم مع فرسيّ فرح و مطيرة ! و هذا امر طبيعي , لأن الناس لا
يعرفوننا مسبقا , وليس لديهم معلومات عنّي
, وغالبا ما تكون المزاجية والدعاية المضادة سبباً
لذلك , وبالتالي ما على الرحالة
, إلّا الصبر و الجلد و التحمل و الإيمان بالله وبما يقوم به !

أستنّهض كل ما بقي لدي من طاقة ,
لأتمكّن من الوصول إلى مزرعة رضا تقي
شفق , يستقبلنا مع عائلته التركية بفرح
كبير , و يضع نيازك و أماني مع خيوله و نمضي معهم ما تبقى من الليل , في مزرعتهم المليئة بأشجار الفاكهة وخاصة شجرة
الخوخ التي تتدلى ثمارها الحمراء القانية على نافذة غرفة نومي .


الخميس 25
تموز 2019

أنهض مع ساعات الصباح
الأولى , وأقرأ عبر النت الكثير من المعلومات عن مدينة
همدان , ريثما يصل سيد وحيد
برقعي , فأكتشف تاريخاً طويلاً , لمدينة كانت
تفاخر بأنها كانت قلب العالم , و اسمها يعني التجمع , و قد كانت عاصمة
للعديد من الإمبراطوريات التي حكمت العالم القديم , و يعود وجود الإنسان فيها إلى سبعة آلاف عام
, هذا ما نقرؤه على أحد النقوش التي تركها الملك داريوس وارث الملك قورش مؤسس السلالة الأخمينية و التي حكمت بعد
انهيار الإمبراطورية الميدية .

هذه النقوش موجودة على قمة جبل قريب من المدينة و عليها النص الذي كتبه الملك داريوس مخاطباً العالم أجمع :

( بسم الإله الأكبر الذي خلق الأرض و السماء
و البشر و الذي خلق السعادة للبشر و الذي نصَّب داريوس ملكاً على البشر , ملكاً على
الملوك , الملك الأعظم ) .

فمن هو داريوس العظيم ؟
– أو شاهنشاه

ملك فارسي ولد عام 550
قبل الميلاد عاش فترة الإمبراطورية الأخمينية ,
كان يُعرَفُ بالحكمة منذ صغره , واشتهر بعبقريته بإدارة دولته …..

أكتفي بهذه اللمحة
التاريخية عنه و اترك لكم الخيار لقراءة العديد من الكتب التي تجدونها على
الإنترنت !

أقرأ هذه المعلومات
ريثما يصل سيد وحيد برقعي و يأخذني لزيارة أسر الشهداء في المدينة .

نلتقي زوجة شهيد , و ابنها و أقاربهم , نقرأ
الفاتحة بصمت و خشوع على أرواح الشهداء
, ثم نتابع جولتنا على ثلاث عائلات أخرى , و أرى
كم تعني لهم , أن يزورهم سوري
ليخفف عنهم آلامهم ,

و يشاركهم اعتزازهم بتضحياتهم , ثم نزور
المحافظة و المتحف الحربي , يستقبلنا
الجنرال

مهدي ضفري رئيس المتحف و يطلعنا بنفسه على
هذا المتحف الفريد من نوعه , و الذي يضم

مئات المجسمات النادرة في العالم .

متحف تتصدره صورة كبيرة
للشهيد اللواء حسين حمداني ابن هذه المدينة ,
و الذي استشهد في سوريا . هذه
الصورة تتصدر أيضاً معظم المباني الكبيرة في محافظة همدان ,
التي تعتز بشهيدها حسين حمداني و تعتز بالثقافة
العقائدية لأهلها ,

واندفاعهم للدفاع عنها . ثم ننهي يومنا الحافل بلقاء الوزير حميد رضا حاج باباي
المهتم بالعلاقات السورية الإيرانية , و الذي أكد على ضرورة تنميتها بين بلدينا .

بنهاية هذا اليوم الطويل
, أرى السعادة بادية على وَجْهَيْ سيد وحيد برقعي و عضو الغرفة التجارية في همدان
مهدي سليمان بور الذي ساعدنا في الترجمة من الفارسية إلى العربية .


الجمعة 26
تموز

نودع مُضيفنا في ضاحية
بهار , و نسير طوال النهار بلا توقف , على طريق مستوية محاطة بالمحاصيل
, حتى نصل إلى بلدة خور جيان , و يأتي سيد وحيد برقعي ليؤمن لنا مكاناً للنوم في
حديقة دار البلدية , و نمضي الليل في عراك
مع الحشرات التي هاجمتنا و حرمتنا من النوم , مما جعلنا نغادر فجر السبت 27 تموز هرباً منها و أنا
أردّد : غريبٌ أمر هذا الصيف 2019 , لقد عشت خلاله أياماً خالدة , على طريق العزة و الكرامة و المعرفة ,
لكنني عانيت ومازلت
أعاني من كل تبعاته و مساوئه , شمس
حارقة , ليال أمضيناها في البراري بين فكي
الموت , أنفاق عبرناها على تماس مع
السيارات والشاحنات التي كادت تقضي
علينا , ذباب و لا أثقل من دمه , زواحف بكل أنواعها ,

حشرات تؤذي الخيل و
تمنعها من المسير بشكل طبيعي .

نتوقف في بلدة فيان ( ويان ) عند عائلة من أصل
تركي , بدا عليها علامات العراقة و الكرم و التهذيب , تستضيفنا في بيتها
المفروش بالسجاد الوثير , و تقدم لنا أشهى العصائر و المأكولات , كل ذلك
بكلمات وتعابير الأخوة والإنسانية .

يقترب العصر و تهبط
الحرارة , نتابع مسيرنا إلى بلدة فامنين
حيث نلتقي المحامي ومربي الخيول حسين
قرالوزلو , ونمضي الليلة عنده .


الأحد
28 تموز

طريقنا تنساب بين سهول
خصبة , نتبادل التحيات مع الفلاحين الذين يعملون في حقولهم , نستريح في بلدة تجرك , و
كالعادة تتصل دليلتنا الرائعة ديلارام
اسماعيلي لتخبرنا بأن ” أبو الفضل بابشلو ” عمدة مدينة دخان ينتظرنا مع مجموعة من مساعديه . يرحبون بنا بكل
مهنية في مبنى الريجي ( إدارة تجارة التبغ ) , بناء كبير , محاط بحديقة ذات أسوار عالية . يضعون العلف
للخيل في حديقة المبنى و يدعوننا لتناول الطعام
وتبادل الأحاديث معهم حتى ساعة
متأخرة من الليل .

أخلد لنفسي لأردّ على رسائل التواصل ( فيسبوك , واتس اب , ماسنجر , و كذلك رسائل
التخاطر الروحية ! ) . و أقرأ أخبار
الوطن وخاصة عمليات الجيش العربي السوري في ريف حماة ضد الإرهابيين , و أخبار
محافظة السويداء عبر الصفحات العابثة بسمعة المحافظة , و التي تتاجر بآلام البشر و
ويلات الحروب , صفحات المراهقين الذين يمضون أوقاتهم مديحاً و إطراءً لبعضهم البعض
أو التهجم على بعضهم البعض , و تجييش المواطنين ضد الوطن من خلال تسليط الضوء على
نقاط الضعف , قصائد مدح ,
و صور لقاءات الجاه , تحت مسميات ,,,, المضافة
و قهوتها العربية , الخيل , الكرم , النخوة , الفزعة , العزوة , و إخوة
الدين , كلمات شكلت على مر التاريخ حالة رمزية فريدة لنا , لكنها تتعرض وبشكل
ممنهج لتفريغها من محتواها , وجعلها في خدمة تجار هذه الحرب و أعداء الوطن , وهذا ما يجعل المحافظة تظهر للمتابع لهذه الصفحات و كأنها مشتعلة و لا
يوجد فيها إلّا القتل و الخطف .

نسي القائمون على هذه الصفحات , أنّ
الإعلام , رسالة وجدانية واعية , و هو
ضمير الإنسان و يجب أن يكون رافعاً لراية الوطن ,

و ليس
إزميلاً لهدمه , و على مشغلي هذه
الدكاكين أن يعلموا إن هذه المحافظة كانت
و ستظل منارة للعلم و الوطنية و التقدمية بهمة أبنائها الشرفاء .

أقرأ
و أكتب طوال الليل عن وطني الذي يعيش في داخلي
, ثم أستذكر ما عشناه منذ دخولنا
إلى الجمهورية الإسلامية , و أطرح على نفسي السؤال المُحيّر , ! لماذا تعيش إيران كل هذه الحروب العسكرية و
الاقتصادية و الإعلامية ؟

أو لماذا تُشنّ كل هذه الحروب على إيران ؟

هذا البلد الذي يرفع
شعارات خلّاقة على طول الطريق الممتد مئات الكيلومترات , من جنوبها إلى شمالها , شعارات و عبارات تمجد
العمل و الفضيلة والمثل العليا و تمجد الله :

,,,
حيَّ على حسن العمل ,,, حيَّ على الفلاح ,,,
إنْ ينصركم الله فلا غالب لكم ,,,
.

كما يكتب الإيرانيون أسماء الله الحسنى
على أسوار الحدائق و الأبنية التاريخية , و بجانب الطرقات الطويلة , التي تربط مدن القارة الإيرانية ببعضها , هكذا ظهرت إيران لي !, قارة مترامية
الأطراف بها الكثير من الفضائل . و رأيت
الكثير من الدلالات على ارتباط الشعب الإيراني بالقيم الروحية التي يمجدها
العرب أيضا , هذا يعني أن ذلك يعبر عن
وجدان و ثقافة الإيرانيين ( و ليس لاستخدام ذلك للتشييع ) كما يدعي
الجهلة و الأعداء ! نعم إنه بلد كبير و له
مشروع كبير و لا شكّ أنّه بلد طموح و توسعي , و لدينا مشكلة معهم في عربستان
والخليج الذي يطلقون عليه الخليج الفارسي و نحن نسميه الخليج العربي .

و لكن هذا ليس جديداً , و لم يكشف
الجهلة لنا أيّ سرّ , و ليس الأمة الفارسية أو الإيرانية وحدها

مَنْ يعيش هذا الطموح أو المشروع التوسعي ! , ألم تحتلنا الدولة العثمانية
أربعمائة عام ؟ ,

قتلتْ خلالها الآلاف من العرب , و أعادتنا
إلى الحضيض , لماذا هؤلاء شياطين و أولئك آلهة ؟ ,

ألم يقمْ العرب بالتوسع شرقاً و غرباً و شمالاً و جنوباً عندما كان لديهم
مشروع وكانوا أقوياء ؟ ألسنا الآن مُستعمَرين بالكامل من قبل الاستعمار
الغربي الصهيوني الجاثم على قدسنا , كما كنا في السابق مُستعمَرين من الإغريق و
الرومان و الفرس و التتار و المغول و المماليك إلى أن جاءت فرنسا ومن ثم الغزو الصهيوني
.

لماذا لا تتمدّد إيران
على حساب الأتراك و الروس ؟ لأن تلك البلدان قوية و تدافع عن نفسها . بالتأكيد عندما يستجمع العرب قواهم , و يخلقون
مشروعاً وطنياً و قومياً و يمنعون استخدام
أراضيهم للتعدي على إيران , تتوقف إيران و تركيا و روسيا عن التوسع على حسابنا .

أستعرض التاريخ منذ سبعة
آلاف سنة و حتى اليوم من إسبانيا غرباً إلى حدود الصين شرقاً ,

من السومريين إلى الفراعنة , الإغريق ,
الرومان , العرب , الفرس ,التتار ,
العثمانيين

. كلها أقوام وشعوب متجاورة , و قد
تستغربون إذا قلت أنها متجاورة ,
نعم المسافة قليلة من إسبانيا غرباً إلى حدود الصين شرقاً , لا تزيد على
أحدَ عشرَ ألف كيلومتراً .

لقد قامت كل هذه الإمبراطوريات و دون استثناء بالغزو
عندما كانت بحالة قوية

و سيطرت على كامل هذه المساحة الجغرافية و
ما عليها من بشر .

من نبوخذ نصر إلى
الاسكندر الكبير إلى جنكيز خان إلى تيمورلنك , و عمر بن الخطاب إلى نابليون و هتلر , و هانيبال , وصولاً إلى امبراطورية الشر الأمريكية .

لا شك أن كلَّ قادة
العالم , يبدون و كأنهم يلعبون على شاطئ
البحر , يبنون قصوراً جميلة من الرمال ,

ثم يأتي بعدهم قادة
آخرون , يهدمونها
و يبنون غيرها , و هكذا دواليك
….. . و أنصحكم بالقراءة عن القائد الذي
اجتاح العالم الاسكندر المقدوني , أو
الاسكندر الكبير , أو الاسكندر ذي القرنين
للتأكد من صحة ما أقول .

إيران دولة كبيرة و
مرتكزة على تاريخ طويل , و إمكانات كبيرة وطاقات إيمانية حيوية , و بالتالي فإن
مجموع كل هذه الميزات سوف يعبّر عن نفسه بشكل
أو بآخر , و قد تظهر للآخرين أنّها دولة توسعية
, بالرغم من أنني قابلت الكثير من الإيرانيين المنتقدين للسياسة الرسمية ,
وبالتالي فإن الحوار معهم أجدى من شنّ الحروب , و لا بد لكل دول الجوار

بما فيهم روسيا , من إقامة علاقات عقلانية
مع ايران , و أجزم أنّ سياسات الاستعداء و
استنزاف الطاقات لن تُفلح , و سوف يخسر كل
من ينتهج هذه السياسة ضدها .

إنني
أكتب خلاصة تجربتي الطويلة مع الأصدقاء الإيرانيين , إذ أنني تعرفت إليهم في أبو
ظبي عام 1976 , كما عرفتهم في أوروبا ,
عرفت صبرهم و جلدهم و حبهم للنقاش و
الحوارات الطويلة , المعنيّ الأكبر بما أكتب , هي أمتي العربية التي افخر واعتز بها والتي
ارجو لها أن تصحو من سباتها , و تتوقف عن
اتهام الغير بمسببات ضعفها !


الاثنين
29 تموز

نبدأ المسير على طريق
نظيفة جداً , تلال متوسطة الارتفاع و يسير معنا أبو الفضل بابشلو محافظ البلدين , دخان و غرق آباد .

نمر ببلدة نويران و يدعونا الأهالي للغداء ,
لكن وقتنا لا يسمح بالتوقف لأن فرسان غرق آباد ينتظروننا على مدخل البلدة , و على
رأسهم مهدي جلال قديري صاحب نادي جلال للفروسية . يرحبون بنا , و نسير بموكب مهيب وسط المدينة , أراقب
المارة و أتفرس فضولهم الشديد لمعرفة سبب هذا الاستعراض الكبير في مدينتهم ,
تماما كما يحصل في بغداد و دمشق و باريس , و أي مكان في العالم , ألاحظ الإثارة
الكبيرة التي يتركها أو يسببها مسير الخيل في الشوارع , و كأن الخيل ليس فقط
معقوداً بنواصيها الخير إلى يوم القيامة , بل ستظل تمتلك طاقات لا حدود لها في
جذب البشر إليها .

مسير
رائع , و
نصل إلى النادي لنمضي الليلة مع
الخيالة و كأننا إخوة .


الثلاثاء 30
تموز

نودع فرسان نادي مهدي جلال قديري و نسير باتجاه سماوك .

ما أروعَ هذه التماثيلَ
العملاقة , للأبقار والخيول والغزلان و
الثيران , وكذلك تماثيل و لوحات و مخطوطات
جميلة تنتشر على جانبي الطريق المنسابة بين السهول , ليس هنا فقط بل على جانبيّ كل
الطرقات في إيران .

نعبر قرية سماوك الصغيرة باتجاه مدينة ساوه , فيحضر وفد من إدارة المدينة بإيعاز من اتحاد الفروسية لاستقبالنا
, بدأ أعضاء الوفد الكلام
معي عن مخاطر المسير على حافة
الطريق , خوفاً عليّ من الحوادث ,
أشرح لهم , أنّ هذا الأمر يعتمد على
الخبرة في أي نشاط من أنواع النشاط الإنساني , و أنهم يحكمون بشكل عشوائي , و ليس لديهم خبرة بما أقوم به , يظنّون أنني
أغامر و أخاطر بالمسير على حافة الطريق ,
و هم لا يعلمون أن المسير خارج الطريق غير ممكن
, بل مستحيل لأنه مليء بالأشواك و الحجارة , و غالباً ما يكون مقفلاً في
نهاية المسافة التي أسير عليها , مما يجبرني على
العودة من حيث أتيتُ .

لا
شك أنّهم لا يملكون تصوّراً
عن كل هذه الصعوبات والمعاناة ,

لذلك لم يستمر اللقاء طويلاً , بل غادروا و هم
يستغربون كيف أرد عليهم بطريقة حازمة ! .

أعزائي القراء , أشرح
لكم كل هذه التفاصيل المملة ربما , للبعض
منكم والممتعة للبعض الآخر لجعلكم تعيشون
عالم الترحال بطريقة واقعية , بكل تعقيداته , الترحال مدرسة كبيرة و ليس فقط حلم
ساعة أو مسير على طريق . لا شك أن الترحال حلم كبير و متعة كبيرة , لكنه أيضاً تفاصيل صغيرة شديدة الصعوبة و تحتاج إلى
خبرات طويلة و إلى مواقف حازمة , لا تهاون
بها ولا إهانة معها .

و الرحالة الحقيقي يعي تماماً ما يقوم به , و يستحق المعاملة اللائقة وعدم الحكم عليه بطريقة سطحية . على كل حال غادر وفد الفروسية و بقينا في
معمل بجانب الطريق لنقضي ليلتنا به .


الأربعاء
31 تموز

مسير صامت طيلة النهار و
بدون توقف , و شمس حارة تنهك أجسادنا
, حتى نصل إلى بداية الطريق العريض المدفوع الأجر , و بدلاً من أن ندفع لهم لنعبر الحاجز ! وجدنا شخصاً يعشق الترحال و يتابع
أخبارنا عبر الإنستغرام , فدعانا
للنوم في أحد مكاتب الشركة التي تدير الطريق , و نضع الخيل في حديقة مسجد مجاور ,
هذا الرجل ذكرني بما كتبته سابقاً عن
الأستاذ فاريبورز في

جنة آباد , بأن السر بالسكان , وهذه
قاعدة أبدية , عندما يكون الإنسان منفتح الذهن ,
إيجابياً عاقلاً واعياً و مثقفاً , يجد دائماً الحلول الإيجابية لكل
شيء .


الخميس
1 آب 2019

نبدأ المسير , الرابعة
فجراً , على طريق تصعد و تهبط عبر تلال متوسطة الارتفاع , فجأة يصل سيد وحيد برقعي
وسط ظلام ما قبل الفجر , بعد أن قطع مئات
الكيلومترات ليطمئن علينا و نمضي لحظات يعجز أي كلام عن وصفها , إنها الرسالة التي توحِّدُ حامليها و تدفعهم إلى اللقاء مهما بعدت المسافات .

إذ يلتقي حاملي الرسالة الإنسانية بفرح
وحبور في أي مكان من الأرض , في الجبال و الصحارى , في الليل و النهار ,
ليعيشوا لحظات من تحقيق الذات البشرية
الحاملة لقضيتها والمدافعة عنها .

بعد ساعات من المسير نصل
إلى مقر الهلال الأحمر الإيراني
على الطريق , و يأتي وفد رسمي لزيارتنا و الترحيب بنا , و يتحول كل لقاء من هذه اللقاءات إلى مؤتمر
صحفي للحديث عن سوريا

وإيران .

و غالباً ما يحدث في اليوم الواحد أكثر من لقاء , إلى درجة أنني كنت أفقد قدرتي على الكلام احيانا
من شدة التعب و الإرهاق , نبقى معهم حتى تخفَّ درجات الحرارة الحارقة , و نشد رحالنا إلى استراحة على الطريق ,
لنقضي الليل بها ( مجتمع خدمات رفاهي ) هذا هو الاسم الإيراني لهذا النوع من
الاستراحات , و يظهر التقارب مع اللغة العربية , وهذه التسمية تُطلق على كافة
المحطات المنتشرة على الطريق , ولكن كل
واحدة تميز نفسها باسم صاحبها أو أيّ اسم آخر , هذه المحطة اسمها باران , و كل هذه اللقاءات بالطبع , تتم منذ أن دخلنا إيران بتنسيق من ديلارام
اسماعيلي مسؤولة العلاقات الخارجية الرائعة في اتحاد الفروسية الإيراني .

هذه العبارة ( مجتمع خدمات
رفاهي ) نجدها كثيراً بمحاذاة الطرق الإيرانية الممتدة آلاف الكيلومترات و هي
عبارة عن محطة للوقود و مطعم و غالباً ما يكون فيها فندق أيضاً , كما هو الحال هنا
, يدعونا صاحب هذه المحطة و نتحدث معه بصعوبة بسبب حاجز اللغة , لكننا و كالعادة
نتصل مع ديلارام اسماعيلي لتترجم لنا , كما يتصل هو أيضاً بأحد أصدقائه في مدينة قم المقدسة ليحدثني
بالعربية , و يرحب بنا و ينهي كلامه بالجملة التي نسمعها دائماً هنا ( أنا بخدمتك
يا سيدي ) , كلام يدخل الأمان و الطمأنينة
إلى القلب و نسمعه كثيراً في إيران , إيران التي أدهشتني بطريقة استقبال أهلها
للضيوف , بكثير من الاحترام و الاهتمام .

أمضي الليل بالقراءة عن
الإيرانيين و التفكير بعبارة ( يلي ما
تعرفوا تجهلوا ) كما أعود إلى ما كتبته في الصفحات السابقة ,
عندما تساءلت لماذا تواجه إيران الكثير من
التحديات و الحروب , نعم أنا أستغرب كيف يبني
ملايين البشر قناعات مسبقة عن بعضهم البعض
, دون أي تجربة

أو دليل ! . و هذه الأحكام المسبقة الواهية أدت و تؤدي إلى الخلافات والخصومات
والحروب ,

بين الدول والأفراد !

منذ
وصولنا إلى إيران , و أنا ألتقي بأشخاص من
كافة المستويات و المشارب والأهواء ,

و تبيّن لي بالدليل القاطع أن الإيرانيين ليسوا كلهم نسخة طبق الأصل عن بعضهم . و
إن معظمهم طيّبون , مؤمنون , يتغنون بالقيم والمثل العليا , و لكن أيضاً يوجد بينهم المتعصبون أو المتاجرون بالدين
لإشعال الحروب و البخلاء , مثلهم مثل كل
شعوب العالم , و بالتالي من الخطأ تعميم
الآراء على هذا الشعب العريق , سلباً كان
أو إيجاباً .


الجمعة 2
آب

يؤذن الفجر في جامع قريب
من استراحة مجتمع خدمات رفاهي ,
باران , و يأتي صوت المؤذن كأنه استمرار للفكرة التي حرمتني من النوم و
أمضيتُ الليل أفكرُ بها , والتي كتبت عنها قبل أيام , و هي العلاقة الشائكة
المتداخلة , الدامية من جهة , و الرائعة من جهة أخرى , بين إيران و العالم العربي , و كذلك بين
تركيا و العالم العربي , إذ أسمع المؤذن
بالعربية كما يحصل في دمشق و استنبول .

مما جعلني أرسّخ قناعاتي عن هذه الأمم
الثلاث القديمة , ثلاث أمم لا تستطيع
الانسلاخ عن بعضها , العرب و الأتراك و الفرس .
بالرغم من هروب أتاتورك من جلدته , و تغييره الأحرف العربية التي ظلت تُكتب بها اللغة
التركية لمدة تسعمائة عام , نعم
استبدلها بأحرف لاتينية ,

أيْ أمر بكتابة اللغة التركية بحروف
لاتينية , و مع ذلك فقد ظلّ جزء كبير من الأتراك متمسكين بأحرف
اللغة العربية و يحنّون لها و يقرؤون القرآن بها إلى يومنا هذا . و قد تحدثت
مطولاً مع العديد من الأتراك خلال وجودي في تركيا عام 1983 م , و أعربوا لي عن
اعتزازهم بالأحرف العربية , و قالوا لي : إن أتاتورك رضخ لضغوطات الماسونية
الهدامة وكذلك نتيجة لعقدة النقص التي كان يعاني منها وهي عقدة معظم الشرقيين
الذين ما أن يلتقوا مع الإنسان الغربي حتى
يرضخون له ظاهرياً و يحقدون عليه في أعماقهم . و لكن بالمقابل هناك بعض الأتراك
الذين يفاخرون بشتم العرب من جراء عقدة
النقص ذاتها و الثقافة الصهيوغربية التي اندست في رؤوسهم , فيقولون مثلاً ( عرب
بيسك ميلت , أي العرب أمة قذرة ) . الإيرانيون لم يغيّروا الأحرف العربية , بل يعتزّون بمعرفتها و هم الذين أزالوا سفارة
الكيان الصهيوني و قدموا المكان للإخوة الفلسطينيين لإقامة سفارة فلسطين , وهم
الذين يقيمون عشرات الاحتفالات سنوياً للتذكير بالقدس و دعم نضال الشعب الفلسطيني
, و مع ذلك نجد البعض منهم يشيرون في
أحاديثهم الخاصة و خاصة عندما يكونون مع الغربيين إلى تميُّزهم عن
العرب و بأنهم متفوقون عليهم و أنهم ينتمون للعرق الآري , يعني ( إنهم ألمان
! ) . و كذلك هناك بعض العرب الذين
يتحدثون عن الإيرانيين بطريقة عنصرية حاقدة
عندما ينعتونهم بالمجوس و غيرها من
التعابير ! ما أطلقه العرب من تعابير نابية , حاقدة , عنصرية , طائفية يندى له الجبين , يوم استهدف العدو الصهيو
امريكي الشهيد قاسم سليماني . ما شاهدته في إيران هو نسخة طبق الأصل عن تركيا و
العالم العربي و كل شعوب الشرق من حدود الصين شرقاً إلى المغرب غرباً , و من كافة
النواحي الإيمانية و الشكلية و الحركات الإيمائية . من يعيش في الريف الإيراني
يشعر و كأنه في أي ريف عربي , وبشكل
خاص شرق أوسطي , معظم الأسماء
عربية : محمد ,,, علي ,,,,
حسن ,,, حسين
,,, مرتضى ,,, و كل الكلام ممزوج
بالعربية , و كلهم يسلمون على بعضهم
بـ السلام عليكم ,

و يبدؤون الطعام بذكر الله و ينهونه بحمد الله . قد يكون أصل الإيرانيين السحيق من
عرق آري , لكنَّ جبالاً من السنين تفصلهم عن الألمان . و
إن كثرة التزاوج مع العرب جعلت من الصعب اليوم إيجاد إيراني أو عربي أو تركي لا
يحمل جينات مشتركة . و الالتقاء و التزاوج بين هذه الشعوب ما زال مستمراً و سيستمر إلى الأبد , ما يفرقهم هي
الأيديولوجيات الطائفية و سياسات تصدير المشاكل إلى الخارج أو ما يُسمى بتصدير الأفكار و الثورات , و إن عدم وجود مشروع قومي لدى العرب منذ عصر الانحطاط , جعل تفاعلهم مع
بقية الشعوب صعبا , و لهذا نراهم و منذ
زمن طويل مطية للغرب الصهيوني , يستخدمهم
وقوداً لتنفيذ مخطّطاته الهدامة في الكثير من الدول , من أفغانستان
إلى أفريقيا و إيران , إنني أجزم أن العلاقات العقلانية المتوازنة بين الفرس و
العرب و الأتراك هي وحدها الكفيلة بالحفاظ على كرامة هذه الأمم , و هي الركيزة
الحقيقية للسلام في العالم

و لا بد من التذكير , إن
مئات الضباط الإغريق الذين تزوجوا من الأميرات الفارسيات و بنات الطبقات العليا لم
يَدُمْ زواجهم أكثر من سنين قليلة بما في ذلك
زواج الاسكندر الكبير نفسه , بينما
التزاوج

ما زال قائماً و مستمراً بين العرب
والأتراك والإيرانيين , و سيستمر لأن الطبيعة الشرقية الإيمانية العاطفية
واحدة , و لم ألحظ أيّ تفوق إيراني أو تركي على العرب إلا من ناحية

المشروع الوجودي كما قلت آنفاً .

الأتراك والإيرانيون
لديهم مشروع , و نحنُ العربَ لا مشروع لدينا
في هذه المرحلة من تاريخنا , و لا بد من التعاون بين هذه الأمم الثلاث .

(( في هذه اللحظات التي أكتب بها هذا
الكتاب , يحبس العالم بأسره أنفاسه خوفاً من وقوع حرب كارثية بين تركيا ومصر نتيجة
السياسة المتهورة , بل و العدوانية التي ينتهجها
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و المصاب بمرض جنون العظمة , حيث يصرح علناً
: بأنه لا يعترف بحدود تركيا الجغرافية الحالية , بل يطمح للعودة إلى الحدود العاطفية و التاريخية
للإمبراطورية العثمانية , أي من حدود الصين شرقاً إلى المغرب العربي غرباً , و هذا
ما يجعله يصطدم بأوروبا و العرب وإيران وروسيا
)) .

يقف مدير ( مجتمع خدمات
رفاهي , باران ) مشدوهاً يراقبني , كيف أغادر في هذا الليل ,

و يتساءل عن دوافعي لأعيش هذه المغامرة و تحمل كل هذا
العذاب !

ودعته و سرتُ صامتاً
, على طريق تفتقد إلى أية جمالية , تصعد و
تهبط , و درجات الحرارة ترتفع , يوقفنا
الناس على الطريق و يدعوننا إلى بيوتهم حتى آخر النهار حيث نصل إلى محطة محروقات
في منطقة ادران كوخيه , قبل طهران بــ 25 كم
و بجانبها بيت محاط بالأشجار المثمرة و بركة مياه كبيرة .

ننادي صاحب الدار ,
لكننا لم نجد أحداً . نسقي الخيل و نسبح
في بركة المياه , وننتظره حتى يعود , حسن
الشعباني , رجل معمر ذو لحية كثيفة و ابنه
محمد الشعباني يجيد الإنجليزية ,
اقتربا منا بابتسامة كريمة ! و تحدثا
معنا بطريقة أخوية رائعة , ثم
يدعوّاننا إلى داخل البيت لنصبح و الخيل بأمان و نتبادل الأحاديث و كأننا
من هذا البيت .

ديلارام اسماعيلي غير
مرتاحة للمكان الذي لا تعرفه , تتصل باستمرار , و كالعادة
, هي تريد أن تعرف مكان وجودنا في كل لحظة خوفاً علينا , وربما خوفاّ منا !
, وحده الله يعلم !,
ترسل إلينا

السيد كاوه الذي لا يتكلم أيّ كلمة بغير الفارسية
, راحت تترجم بيننا , و تحاول أن تقنعني أن نذهب للنوم عنده في نادٍ
للفروسية يملكه , و هو قريب من مكاننا و معروف لدى اتحاد الفروسية الإيراني , لأنه
من أهل الخيل مثلهم , لكنني أصرّ
على البقاء هنا عند ” مُعزِّبِنا ” . هذا الرجل الذي فتح لنا بيته و قلبه و المليء شهامة
و طيباً , اقنع
كاوه أن يأتينا غداً صباحاً لنسير
معاً باتجاه العاصمة طهران .

 

 

(موقع سيرياهوم نيوز-٣)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ورشة عمل لتعديل المرسوم 8 وقوانين التجارة والشركات وحماية الملكية

وفاء فرج:   أطلقت غرفة تجارة ريف دمشق ورشة عمل لإعداد المقترحات المطلوبة لتعديل التشريعات، وذلك بناء على الاجتماع الذي عقده وزير التجارة الداخلية وحماية ...